ميشيل سيروب – الناس نيوز :
يندرج كتاب فتحية جتين الصادر عن دار الفارابي يناير/كانون الثاني 2021، تحت تصنيف المذكرات**. توثيق يوميات أم وجدة أرمنية بعد أن اعتنقت الإسلام وأصبحتْ مسؤولة عن أسرةٍ كبيرةٍ، سعت الجدة خلال حياتها أن تتعرف على الناجين من ذويها لكن بلا طائل.
تُتابع الحفيدة خطوات الجدة عبر حوار شيق بينهما دون أن تُهمل مقدار الألم الذي عانت منه هذه الناجية من أهوال الترحيل والموت، في زمن تداخلت فيه أطماع الدول الغربية وسياسات الدولة القومية التركية الحديثة، لفرض هوية واحدة جامعة على الملل ومن بينهم الأقلية الأرمنية.
الصدمة والرّهاب:
في متن الكتاب نتلمس تجاوز أرمن تركيا لمحنة عام 1915، ومحاولة فتح صفحة جديدة مع الأغلبية التركية المسلمة. بعد مرور قرن من الزمان على تلك الصدمة، استطاع أرمن تركيا تخطي آثار الفعل الشنيع والدعوة للعيش بسلام مع أحفاد مَن تجري بعروقهم دماء “غيرنقية” ص105.
يتوهم أنصار الهوية الصارمة بأن التركي دمه نقي ونبيل ويمتاز بمكانة عالية على سلم الأعراق والشعوب. بالمقابل، تتحلى جتين وأنصار السلم الأهلي بجرأة كبيرة لتصحيح مسار المفاهيم القومية والدينية والعمل على نشر القيم الإنسانية لمستقبل مشرق لجميع مكونات الأناضول، ولتجاوز الرّهاب الذي ما زال الكثير من الأتراك يُعانون منه.
بفضل نخبة من المثقفين الأتراك وعلى هُدى داعية السلام هرنت دينك، تأسس نهج يدعو للعودة لأحقية قاطني الأناضول بالعيش المشترك: سريان وعرب وأرمن وأكراد والدعوة للمساهمة بحاضر تركيا المعاصرة كما تعايشت تلك الشعوب منذ آلاف السنين على ضفاف النهرين الخالدين.
تجدر الإشارة هنا بأن أرمن تركيا تجاوزوا مفهوم العنف ونبذوه، كما يدعوا نخبة من مثقفي تركيا اليوم، للاعتِراف بالماضي المشين الذي لطخ مسيرة الشعوب الآمنة، وأدخلت المنطقة بنزاعات عرقية ودينية تُعيق نمو تلك الشعوب وازدِهارها. الصراع بين الأكراد والأتراك اليوم، يدخل في نفق مظلم يتحمل الطرفان المسؤولية عن ذلك، العنف يولد العنف .
أيام قد ولت إلى غير رجعة
تختلف الكاتبة مع الفرضية الرسمية للدولة التركية التي تقول بأن مجريات الأحداث قادت إلى تهجير جماعي وليس لإبادة. بينما تؤكد جتين على لسان جدتها بأن التطهير طال الرجال كما النساء والأطفال”، الجدات والأحفاد والبنات والكنائن اللواتي كنا معهن في المسير فقدن حياتهن خلال رحلة الموت، وتُركتْ أجسادهن على جانب الطريق.”ص127.
في متن الكتاب اعتذارٌ من الكاتبة عن تلك السنوات العجاف التي ما زالت ارتداداتها وآثارها ماثلة لغاية اليوم في تركيا وأرمينيا وفي جميع القارات، الدعوة للمصالحة التاريخية ونبذ أفكار التفوق العرقي هي جوهر الرسالة التي تؤكد عليها جتين.
ليس هُناك دم أزرق أو تفوق عرقي كما يتوهم البعض وليس هُناك دم غير نقي ودم أرستقراطي كما يتوهم آخرون، لقد جُبلتْ البشرية من مختلف الأعراق والدماء وما السلام والتآخي بين الشعوب إلا الرسالة الأثمن لبناء المستقبل كما تؤكد فتحية جتين.
“وأنا أضع الورود على حجر القبر، طلبتُ المغفرة من جدتي ومن عائلتها، باسمي وباسم الذين تسببوا بألمهم الذي لا يُوصف.” ص134.
*فتحية جتين: محامية وناشطة في مجال حقوق الأقليات والإنسان، من مواليد تركيا عام 1948، المسؤولة عن مؤسسة هرنت دينك الثقافية، بالإضافة لذلك زميلة زائرة في منظمة القلم العالمية .
**المذكرات ترجمة كيفورك خاتون وانيس: المختص بالشأن الأرمني وشؤون الأناضول …
، ترجم أيضاً للمؤرخ والبروفيسور تنار آكجم كتابين: