بيروت – الناس نيوز
هزت بلدة بعقلين اللبنانية في منطقة الشوف، الثلاثاء، مجزرة مروّعة راح ضحيتها تسعة أشخاص (ستة سوريين وثلاثة لبنانيين)، بينهم طفلان، في حين لا تزال تلاحق القوى الأمنية شقيقين مشتبه بهما.
ونفّذت الجريمة في نقاط عدة في المنطقة الحرجية بمحيط مجرى نهر قرب ورشة بناء وفي حديقة منزل قريب.
وبدأت بقتل زوجة أحد الشقيقين منال التيماني في منزلها بطعنها 3 طعنات بسكينٍ حربيّ ثم استُكملت بالإجهار على عمّال ورشة البناء ببندقية صيد وبإصابة في الرأس.
شقيق المشتبه بهما في عداد القتلى
ومن بين الضحايا شاب من بلدة بعقلين (27 عاماً) هو شقيق المُشتبه بهما، وشقيقان لبنانيان من بلدة عرسال الحدودية مع سوريا يعملان في المنطقة وخمسة سوريين بينهم طفلان لأب يعمل في الورشة.
تعددت الروايات حول ملابسات الجريمة ودوافعها إلا أن المؤكد أن منفّذفها هو زوج القتيلة منال مازن حرفوش وله منها طفلتان، كما كشف رئيس بلدية بعقلين عبدالله الغصيني لـموقع “العربية.نت”.
وأشار إلى “أن الجريمة الجماعية التي وقعت في البلدة عصر أمس بدأت من ورشة البناء حيث أجهز القاتل على العمّال الأربعة قبل أن يقتل شقيقه (ك.ح) عند مدخل الورشة تحت دراجة نارية كان يقودها ثم توجّه إلى منزله وذبح زوجته وفرّ”.
كما أضاف “بدأت الجريمة في ورشة البناء ثم تبعها إطلاق نار على الطريق المؤدي إلى الشلالات الزرقاء في بعقلين، حيث وجدنا اثنين: واحد من أبناء عرسال وآخر سوري مقتولين بجنب الطريق، قبل أن نكتشف وقوع جريمة ثالثة وهي ذبح زوجة (م.ح) في منزلهما الذي يبعد نحو الكيلومترين عن ورشة البناء”.
“جريمة شرف”!!!
بعض المصادر وصفت الجريمة المروعة بأنها جريمة “شرف”. وتقول الكاتبة اللبنانية باسكال صوما إن في ذلك محاولة لتبرئة القاتل اجتماعياً.
وأضافت صوما في مقال في موقع درج اللبناني أن القاتل قد يصوّر بعد حين كبطل من أبطال الشهامة، لأنه كان يدافع عن “شرفه”.
عائلة منال أصدرت بياناً رفضت فيه التعرّض لسمعة المغدورة: “من واجب من لا يعرف، أن يلتزم الصمت لأنه يضع في ذمته شابة طاهرة وأولاداً أبرياء”.
من هي منال حرفوش؟
وفق المعلومات المتوافرة، منال (33 سنة)، معلّمة مدرسة وحاصلة على ماجيستير في الرياضيات، كانت في الفترة الأخيرة المعيلة الأساسية لزوجها وابنتيها (سيرينا 6 سنين، ليانا 3 سنين)، ذلك أن زوجها موظّف أمن في إحدى جامعات المنطقة ولم يكن يتقاضى ما يكفي لإعالة عائلته، لا سيما في الظروف الاقتصادية الراهنة. وعائلة حرفوش كانت تعاني من وضع معيشيّ صعب، لا سيما أنهم يعيشون في منزل غير مكتمل ويحتاج إلى تكاليف باهظة لإنجاز ما يحتاجه. في المقابل، لم يُعرَف عن مازن سوى أنه شخص خجول ومحافظ، ما يطرح المزيد من الغموض على المجزرة وحيثياتها، ويطرح من جديد قضية السلاح المتفلّت الذي يضع أي قرية أو حيّ أمام احتمال وقوع مجزرة كمجزرة بعقلين.
صديقة منال، نسرين خطار بوحمدان تؤكّد لـ”درج” أن “المغدورة إنسانة رائعة ومن الظلم أن يُحكى عنها بالسوء، وأن يتم تبرير الجريمة بالشرف، وكأنّ الضحية أصبحت مدانة”. وتضيف: “تعرّفت إلى منال قبل 5 سنوات، ونحن نعلّم معاً في مدرسة مار مارون بيت الدين. وموتها بهذه الطريقة صدمة كبيرة لي ولكل من عرفها. كانت طاقتنا الإيجابية، كانت تحبّ جلسات التأمل والطاقة، وكانت تصطحبني معها”.
وتتابع: “كانت منال سعيدة بزواجها ولم ألحظ أبداً أنّ هناك أي مشكلات عائلية، أو أنها تتعرّض للعنف الزوجي. لا أعرف كيف حصل ذلك، لكنّ مازن ومنال كانا مضرب مثل في العلاقة المثالية”.
كفى
وفيما يسهل تناول منال، نشرت “جمعية كفى” بياناً قالت فيه: “لم يجد بعض المشرّعين والمسؤولين إلا تعبير “جريمة شرف” ليصفوا بها ما حصل”، مؤكدةً أنه “مصطلح غير قانوني ورجعي وذكوري، وينزع عن الفعل المرتكب صفته الجرمية العنيفة ويحيله إلى اعتداء متعلّق بالشرف”، مستغربةً أن يأتي “على لسان مشرّع واجبه صون حقوق الناس، والحق بالحياة هو من أسمى هذه الحقوق”.
وأشارت في البيان إلى أن “ما حصل بمعزل عن الأسباب والدوافع، هو جريمة متسلسلة مرعبة، طاولت أكثر الفئات هشاشة في مجتمعنا، ننتظر إلقاء القبض على مرتكبيها ومحاسبتهم، والعمل جدّياً على تفكيك البنى الأبوية السامة والتركيبة الاجتماعية الذكورية، بدل ترسيخها”.
هربوا من الجحيم
من ضحايا المقتلة عمال سوريون وطفلان تردد أن القاتل استهدفهما بالرأس مباشرة فيما كانا يحاولان الهرب منه.
شادي أبو جابر وهو رب عمل العاملين السوريين المقتولين، في ورش البلاط والبناء، يقول لـ”درج”: “أحدهما أعرفه منذ 15 سنة والآخر منذ نحو 8 سنوات، وهما شخصان محترمان ومهذّبان ولم يشكُ أي من أهل المنطقة منهما. ما حدث أنني اضطررت للخروج من الورشة التي كنا نعمل فيها منذ شهر كانون الثاني/ يناير عند آل بو ضرغم، قرب بيت حرفوش، فاتصل بي شقيق صاحب الورشة وأعلمني بالحادثة. وصلت ورأيت الجثث الأربع على الأرض”. ويتابع: “ثمّ على بعد أمتار رأينا جثّة شقيق المشتبه به”.
ويؤكّد أن “ليس للعاملين أعداء، وهما مياومان يعملان لتأمين قوتهما. أحدهما له زوجة و3 أطفال وهو ياسر الفريج، هرب من سوريا بعدما تمّ تدمير بيته ببرميل متفجّر، لكنّ الموت لاحقه إلى هنا هو والعامل الآخر أحمد بسون الذي قتل مع ابنيه محمد وحسن اللذين صودف وجودهما في الورشة يومها”.
لا شرف لمرتكبها
وغداة كشف فصول الجريمة، وأعداد الأبرياء الذي سقطوا فيها، اشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي بتغريدات عبّرت عن رفضها لهذه المجزرة “غير المعهودة في المجتمعات اللبنانية”، وكان أكثر تعبيراً تلك التي عقّبت على وصفها بـ”جريمة الشرف”، وقال أحدهم “هذه ليست جريمة شرف، ولا تمتّ إلى الشرف بصلة، ارتكبها مجرم جزّار مريض نفسي.. جرائم الشرف صارت من الماضي، وكلّ من يبررها هو شريك في الجريمة”.