الرباط – الناس نيوز ::
يعاني المغرب جفافا يعد الأسوأ منذ نحو أربعين عاما ويثير مخاوف من أزمة مياه، بسبب التغير المناخي وفي ظل تأخر إنجاز مشاريع تطمح إلى تدبير أفضل للموارد المائية.
ويقول الباحث في السياسات المائية عبد الرحيم هندوف لوكالة فرانس برس إن الجفاف “ليس أمرا جديدا، لكنه غير مسبوق بهذه الحدة منذ مطلع الثمانينات”، مشيرا الى أن الوضع تفاقم الوضع هذا العام “لأن مياه السدود العام الماضي كانت أصلا جد متدنية”.
وليست هذه المرة الأولى التي تبخل فيها السماء خلال الأعوام الأخيرة على البلاد، لكن الجفاف المسجل هذا العام “يتميّز بتأثيره على التزوّد بماء الشرب في المجال الحضري”، بينما كان تأثيره في الماضي يقتصر على توفير ماء الشرب في الأرياف ولسقي المزروعات، وفق ما أوضح وزير التجهيز والماء نزار بركة في عرض أمام البرلمان مؤخرا . وفق فرانس برس .
ويقدّر العجز المسجل في مخزون مياه السدود منذ أيلول/سبتمبر، بحوالى 89 بالمئة مقارنة مع المعدل السنوي، بحسب معطيات رسمية.
ونبّه مدير التخطيط والدراسات في وزارة التجهيز والماء عبد العزيز الزروالي في حوار تلفزيوني مؤخرا، الى أن هذا “مؤشر مقلق لولا بعض الإجراءات الاستباقية لتفادي خطر ندرة المياه”، مشيرا إلى مخاوف من تعقّد الوضع خلال الصيف.
وخيّم شبح ندرة ماء الشرب حتى الآن على مدينتي مراكش (جنوب) ووجدة (شرق)، وفق معطيات رسمية. وتمّ اللجوء إلى المياه الجوفية. كما استعملت المياه العادمة المعالَجة لسقي الحدائق.
“تغيير نظرتنا إلى الماء”
ويؤثر الجفاف بشكل كبير على القطاع الزراعي المهم جدا في المملكة.
وأطلقت السلطات برنامجا آنيا بحوالى مليار يورو لمساعدة المزراعين على مواجهة آثار الجفاف. وأوضح الزروالي خلال ندوة حول الموضوع مؤخرا أن الوضع على المدى الطويل يفرض “تغيير نظرتنا إلى الماء. التغيرات المناخية حقيقة يجب أن نحضر أنفسنا للتعامل معها”.
وذكرت تقارير عدة في الأعوام الأخيرة أن المغرب هو بين البلدان المهددة بشحّ المياه بسبب التقلبات المناخية. وتراجعت حصة الفرد من المياه في المملكة من حوالى 2600 متر مكعب خلال الستينات إلى قرابة 606 أمتار حاليا، وهو المستوى القريب من معدل شحّ المياه المحدّد ب500 متر مكعب للفرد.
لكن التقلّبات المناخية ليست السبب الوحيد لهذه الأزمة. فقد أشار الوزير نزار بركة أيضا إلى “ارتفاع الطلب على الماء”، و”الاستغلال المفرط للمياه الجوفية وتلوث الموارد المائية”.
وأشارت الباحثة في المعهد المغربي لتحليل السياسات آمال النبيه في مقال نشر مؤخرا إلى أن ندرة المياه “ترتبط ارتباطا وثيقا بطريقة استخدام المياه في الري الذي يستهلك حوالى 80 في المئة من مياه المغرب سنويا”.
ويعتبر هندوف أنه على الرغم من أن “الأمر يبقى نسبيا، إذ لا تتجاوز المساحة المسقية 10 بالمئة من الأراضي الزراعية بالمغرب”، لكن الإشكال الأساسي يرتبط بارتهان الاقتصاد المغربي بالقطاع الزراعي، داعيا إلى الإسراع في التحول نحو الصناعة لتصبح مساهمتها أكبر في التشغيل والصادرات.
ويشكل الناتج الداخلي الخام من القطاع الزراعي في المغرب حوالى 14 في المئة، وهو عنصر أساسي في الصادرات.
“مشاريع متأخرة”
وتعوّل المملكة على الخصوص على تحلية مياه البحر لتدارك العجز الكبير في المياه، سواء المخصّصة للزراعة أو الاستعمال الحضري.
لكن مشاريع تحلية مياه البحر عرفت تأخرا في الإنجاز، بحسب ما أوضح وزير التجهيز والماء، ما يهدّد كبرى مدن المغرب، العاصمة الاقتصادية الدار البيضاء التي يتوقّع أن تشهد عجزا في تأمين حاجات سكانها من ماء الشرب في العام 2025.
كما تأخر إنجاز محطة أخرى في السعيدية (شرق) على البحر المتوسط، ما سبّب نقصا في المدن الشمالية الشرقية، بحسب الوزير الذي أشار أيضا إلى تأخر بناء 15 سدا.
في المقابل، بدأ منذ كانون الثاني/يناير إمداد سكّان مدينة أغادير (جنوب) بمياه للشرب محلاة في محطة مجاورة على المحيط الأطلسي. وهو ما مكّن من تفادي عجز يقارب 70 في المئة من حاجات المدينة من الماء، وفق معطيات رسمية.
وسبق أن شهدت المدينة، وهي عاصمة أهم منطقة زراعية في المملكة، في خريف 2020، إجراءات تقشفية شملت قطع مياه الشرب خلال الليل في مواجهة جفاف السدود المجاورة.