حوار خاص مع الناس نيوز:
حاولت المخرجة المصرية إيناس الدغيدي في برنامجها “شيخ الحارة والجريئة” على قناة “القاهرة والناس” أن توقعه في “مصيدتها” المعتادة، إلا أنها لم تنجح بتسجيل أي موقف من الفنان جمال سليمان لصالح نظام الأسد، ليؤكد من جديد بأنه ثابت على مواقفه التي أعلنها منذ اندلاع الثورة السورية وربما قبل.
ما إن يذكر اسمه، حتى تعود بنا الذاكرة إلى أبو صالح بطل “التغريبة الفلسطينية” “هو بالباب واقف.. والردى منه خائف” (هكذا وصف الشاعر إبراهيم طوقان الثائر الفلسطيني) وجسدها سليمان بحنكته الفريدة وبراعة قل نظيرها ليتحول “أبو صالح” إلى أيقونة ورمز للنضال الفلسطيني العربي .
“ياقوت الحموي” “مندور أبو الدهب” “المعلم أبو عليا” “جاد باشا” و”عبد الرحمن الداخل” هو ذاته بطل “ملوك الطوائف” و”حدائق الشيطان” و”فارس بني مراون”.. المحامي عادل، وهو الدور الذي أداه سليمان في “الفصول الأربعة” بجزأيه و2002 1999، خسرته لفترة الساحة الفنية لتكسبه مواقفه الإنسانية والثورية المنحازة لحقوق أبناء بلده وليكون جزءا من المعارضة السورية التي تحاور النظام تحت مظلة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي في جنيف، من أجل كتابة دستور جديد لسورية .
في السياسة كان سليمان من السباقين الذين طالبوا النظام السوري القيام بإصلاحات سياسية، وفي إحدى مقابلاته التلفزيونية مع “قناة الحرة” عام 2005، دعا سليمان النظام السوري لتسهيل حرية تأسيس الأحزاب السياسية وتعزيز الشفافية في الانتخابات النيابية والحد من الفساد المستفحل.
هنا حوار مع جمال سليمان ، المتعدد الألقاب، بأسمه الصريح وصراحته الممزوجة بالشجاعة والتفكير .
-ولّدت فترة الحجر الصحي الكثير من الأفكار والمشاعر لدى الناس وأجبرتهم بصورة أو أخرى على التفكير والتأمل فيما يحصل حولهم، على صعيد العالم أجمع، أو على صعيد شخصي ضيّق. هل لك أن تشاركنا بعض الأفكار التي أدهشتك أو لازمتك هذه الفترة؟
أزمة كورونا جعلتنا نستيقظ على حقيقة هشاشة العالم الذي نعيش فيه، حيث لم يعد الحديث عن الأساطيل والصواريخ والترسانات النووية مجديا. الحقيقة الثانية هي مدى ترابط شعوب العالم مصيريا، حيث كان الفيروس يتنقل عابرا الحدود بسهولة وسرعة مدهشتين جعلت البشر يتحدون جميعا ضد عدو واحد يريد أن يفتك بحيواتهم دون أي تمييز بينهم، لقد وحدنا الخوف جميعا. الحقيقة الثالثة هي أن العلم هو سلاح الإنسان من أجل الاستمرار. القادة السياسيون والاقتصاديون للعالم وقفوا ينتظرون رأي العلماء قبل أن يتخذوا قراراتهم وليتهم يفعلون ذلك دائما وقبل وقوع الكوارث.
– ما آخر الكتب التي قرأتها خلال فترة الحجر الصحي؟ وأي الأنشطة استطاعت إمتاعك وجعل الوقت أقل وطأة عليك؟
قرأت عددا من الكتب في موضوعات مختلفة كان آخرها رواية سيدة الزمالك لأحمد العشماوي وهي رواية جميلة. أحب الأدب الذي لا يتحدث عن سيرة الأشخاص بمعزل عن سيرة المجتمعات التي يعيشون بها بل يربطون سيرة شخصياتهم والتحولات التي تطرأ على حياتهم بالتحولات والتقلبات الاجتماعية والسياسية التي تعيشها بلادهم، والرواية كانت كذلك, كذلك شاهدت عددا من الأفلام والمسلسلات, وسبحت ربما أكثر من أي فترة في حياتي.
– يحتاج الفنانون عموماً لإعادة شحن أنفسهم دائماً عبر البحث عن مصادر إلهام جديدة والبقاء على تماس مع النتاجات الإبداعية والثقافية، إلى أين تلجأ بحثاً عن الإلهام؟ وهل هناك نتاجات فنية جديدة ما تزال قادرة على إدهاشك؟
بالتأكيد دائما يوجد ما هو مخيب للآمال وكذلك ما هو مدهش وملهم. من هذه الإنتاجات الملهمة ( بيكي بلايندرز) وهو مسلسل يتحدث عن شقيقين كانا جنديين في الجيش البريطاني يقاتلان في فرنسا أثناء الحرب العالمية الأولى ثم عادا بعد نهاية الحرب إلى مدينتهما – حيث الفقر والشقاء والبؤس – وقررا أن يؤسسا لحياة جديدة خارج القانون مستفيدين مما أعطتهما الحرب من مهارات قتالية وما تركت في نفسيهما من قسوة جعلت القتل بالنسبة لهما أمرا عاديا.
صحيح أن الصنعة الدرامية في الجزء الأخير كانت أقل من باقي الأجزاء إلا أنه مسلسل رائع بتكامله. الموضوع وبناء الشخصيات وتفاصيل المكان والفترة التاريخية ( في برمنغهام البريطانية بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى) الإخراج، التمثيل، أجواء الصورة والموسيقا التصويرية، كل ذلك كان على سوية إبداعية ملفتة. ممتع جدا للمشاهد العادي ويمكن للمحترفين من كتاب وممثلين ومخرجين أن يتعلموا منه الكثير. مرة أخرى إنه من الأعمال التي برعت في تشبيك القصص الشخصية مع الأحداث السياسية والاجتماعية التي طبعت العصر بطابعها.
– كثيراً ما تتحدث في لقاءاتك الصحفية عن ضرورة بلورة مشروع ثقافي وطني في سوريا، وتتحدث أيضاً عن أهمية دور الفن في المرحلة القادمة، هل تجد أن تيارات المعارضة السورية تعطي هذا الموضوع القدر الذي يستحقه من الاهتمام؟
لا تيارات المعارضة ولا المنظمات الدولية التي تتحدث عن إعادة الإعمار في سوريا تعطي هذا الموضوع أي اهتمام يذكر. على صعيدي الشخصي أخذت هذا الأمر على عاتقي كلما أتيحت لي الفرصة وكان الحديث يدور عن إعادة الإعمار والعدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية. أثرت هذا الموضوع مع فريق المبعوث الدولي الخاص ومع ممثلي الدول وكذلك مع منظمات أوروبية غير حكومية معنية بحل النزاعات والانتقال السياسي في المجتمعات التي شهدت حروبا دموية وحصل فيها انقسامات اجتماعية حادة كسوريا.
إن وجهة نظري تتلخص في أنه لابد من رؤية ومشروع ثقافي كبير لسوريا القادمة.
متفق عليه أن سوريا ستحتاج إلى إعادة بناء مادي شامل من طرق ومستشفيات ومدارس وبنية تحتية. ولكنها تحتاج فوق ذلك إلى إعادة بناء معنوي ونفسي واجتماعي. تحتاج إلى إعادة بناء الجسور بين المكونات المختلفة، و إعادة إحياء الأمل بمستقبل جديد وطي صفحة الماضي بكل فظائعها. هذا أصعب بكثير من البناء المادي ويحتاج إلى صبر وإرادة ورؤية بعيدة المدى، وكي نحقق ذلك لابد لنا من أن نرتب الملفات بشكل حكيم ونضع التعليم والتنوير على قائمة الأولويات. وعندما نتحدث عن أي مشروع تنويري في سوريا ومنطقتنا العربية عموما لابد لنا من التوقف ملياً عند الإعلام والفنون لأنهما يمكن أن يلعبا أعظم دور في تعزيز الهوية الوطنية والارتقاء بمنظومة القيم وتحفيز المجتمع والأفراد نحو المساهمة في بناء النهضة المأمولة.
و يمكن أن يلعبا دورا معاكسا لكل ذلك
بالتأكيد، وخاصة إن لم يكن لدينا رؤية شاملة.
ومن سيصنع هذه الرؤية؟ الحكومات؟
التجربة تقول بأنه في كل مرة تمت صناعة هذه الرؤية من قبل الحكومات كان مصيرها الفشل حتى و لو كانت بدايتها مبشرة. هذه الرؤية لا يصنعها إلا فنانون و كتاب ومثقفون ومفكرون وواجب الدولة إذا كانت فعلا معنية بالمشروع التنويري النهضوي أن تخلق المناخ القانوني والمادي لذلك وتترك الباقي لأصحاب الشأن. في موضوع الإرهاب و التطرف أو التنمر أو إساءة معاملة الطفال أو في موضوع الاعتداء على البيئة أو في أي من الموضوعات الكثيرة التي تشكل تحديا اجتماعا أو وطنيا، واجب الحكومة أن تجري الدراسات الاستقصائية وتبين حجم المشكلة و من ثم تصدر القوانين الرادعة وتطبقها بما تملك من قوة يمنحها لها القانون، كل هذا هو من صلب اختصاص الدولة وواجباتها. أما دور الفن و الأدب و الإعلام فهو في صناعة الرأي العام، جعل الأفراد معنيين بالأمر وتحفيزهم على المساهمة في مواجهة التحدي.
هل هناك خطوات فعلية باتجاه وضع ملامح لهذا المشروع الوطني مُستقبلاً؟
ليس بما يكفي. هناك اتجاه يتبلور ولكننا ما زلنا بعيدين عن صيغة مشروع وطني لأن البيئة سلبية ومحبطة. ما زال الجميع في مرحلة التفكير بالذين يقتلون كل يوم، و بطريقة لإدخال الدواء والطعام لأناس تقطعت بهم سبل العيش. لقد مضى حتى الآن أكثر من خمس سنوات على صدور قرار مجلس الأمن الدولي 2254 ولا يزال المجتمع الدولي يتساءل عن كيفية تنفيذه. لكن هذا لا يمنع أن نتابع الجهد في هذا الاتجاه.
– من خلال معرفتك ببنية وتركيب المجتمع السوري، أي الفنون أو المجالات الثقافية قادرة على ملامسته والتأثير به بصورة أكبر؟
الفنون. وتحديدا الفنون الدرامية لما لها من تأثير كبير على نمط تفكير مجتمعنا. في الماضي القريب كانت المسلسلات صلة وصل بين ملايين المغتربين ووطنهم الأم سوريا، و اليوم باتت المسلسلات – بعضها أنتج من عشرين عاما كالفصول الأربعة- جسرا وجدانيا وعاطفيا بين المهاجرين ووطنهم السوري. لقد شاهدوا هذه المسلسلات في الماضي على شاشات التلفزيون وهم يحتسون الشاي في غرف معيشتهم أو في المقاهي، أما اليوم فهم يعيدون مشاهدتها مع أطفالهم على شاشات المحمول في مخيمات اللجوء أو بلاد المهجر ويتفاعلون معها ويكتبون عنها في السوشيال ميديا بطريقة لافتة تستحق التأمل والدراسة.
– هل سبق ووُجّه لك نقد على أحد أعمالك لم تستطع نسيانه، ووجدت أنه أثّر بك حقاً وساعدك فيما بعد على تطوير الطريقة التي تفكر فيها تجاه المهنة أو أداء الشخصيات؟
بالتأكيد. لا يستطيع أحدنا أن يتطور في مجاله دون الإصغاء للنقد. و لكن علينا دائما أن نميز بين ما هو نقد عميق ذو قيمة و بين ما هو انطباعات ناتجة عن دوافع مختلفة أو مزاج شخصي. علاقة الفن بالنقد الفني علاقة شائكة ومعقدة فلطالما تنبأ نقاد عظام بولادة موهبة أو ظاهرة فنية كانت موضع ازدراء للسواد العظم من معاصريهم من النقاد. ولطالما حصل العكس. على كل في بلادنا – خاصة مع تنامي دور السوشيال ميديا – اختلط العمل الدعائي بالانطباعات الصحفية بالنقد الفني.
– مسيرتك الفنية غنيّة بالتحديّات والتنوع في اختيار شخصيات تنتمي إلى أزمنة وأمكنة مختلفة وتتحدث لهجات مختلفة، ما هي أصعب تلك التحدّيات التي واجهتك كممثل؟
لا شك أن الشخصيات التاريخية تشكل تحديا كبيرا لأن كل من سيشاهدك فيها لديه في وجدانه أو مخيلته صورته الخاصة عنها، و يعتقد أن هذه الصورة هي الحقيقة المطلقة التي سيقيس نجاحك بالاقتراب منها أو الابتعاد عنها. كذلك الشخصيات التي تتحدث بلهجة غريبة عن لهجتك اليومية لأن هذه العملية تستنزف الكثير من الجهد والتركيز. عموما فإن الأيام الأولى من تصوير أي عمل هي كابوس حقيقي و خاصة أن البروفات التي تحضر الممثل لتجسيد الشخصية الموكلة إليه أصبحت تقليدا غير موجود، و نادرا ما تجد البديل عنها في جلسات حوار عميقة مع المخرج. كل ممثل متروك لشأنه يحضر شخصيته بالطريقة التي يراها. لذلك تذهب إلى التصوير في ذهنك سؤال مقلق وهو: هل سأعزف نفس المعزوفة التي سيعزفها الآخرون؟
هل هناك أدوار أو تحديات معينة تتمنى خوضها في المستقبل؟
نعم. من أمنياتي أن أجسد شخصية ابن خلدون. فعلت ذلك من حوالي عشرين عاما على المسرح في رائعة سعد الله ونوس ” منمنمات تاريخية” و لكني أتمنى أن أقدمها في مسلسل كبير يليق بهذه الشخصية العظيمة وعصرها المضطرب.
– في معظم اللقاءات التي أجريت معك كنت تُصر على القول بأنك تعتبر نفسك فناناً قبل أن تكون سياسياً، لكنك مع ذلك مستمر بالعمل السياسي ومؤمن بجدواه، ما السبب في ذلك؟
لأنني لا أراه عملا سياسيا بقدر ما أنظر إليه على أنه واجب وطني.
افتتحت أنت باب الترشح لرئاسة سورية وكسرت بذلك احتكارا طال عقودا، وقلت إنه يمكن لأي سوري أن يكون رئيسا إذا توفرت فيه الشروط القانونية والسياسية الموضوعية هل لا تزال تشعر أن موعد التغيير اقترب؟
ليس بعد لأن التفاهمات الدولية والإقليمية لم تنضج بعد وكلما لاح أمل في الأفق برز عامل جديد يعيد المسألة خطوات إلى الوراء. لا شك أن لكل شيء نهاية و لكن السؤال الكبير ما هي تلك النهاية؟ و خاصة أنها لن تكون متروكة لطرف واحد كي يكتبها.
هل بحثت يوما مع جهة إنتاج أو كتاب سيناريو كتابة مسلسل أو فيلم حكاية سورية من العام 2011 حتى اليوم
بحثت و فشلت. يبدو أنه لا أحد يريد أن تروى هذه الحكاية على حقيقتها.
مالذي أكسبتك إياه تجربتك السياسة في السنوات الأخيرة
في حياتي لم أنظر إلى العالم نظرة مثالية و لكن تجربتي في السنوات الخيرة جعلتني أقترب أكثر من الكواليس واكتشفت أن هذا العالم أكذب مما كنت أتوقع.