ميشيل سيروب – الناس نيوز :
ما هي السلفية: هي مفهوم ومصطلح يدعو لفهم القرآن والسنة بفهم سلف الأمة والأخذ بنهج وعمل النبي محمد خاتم الأنبياء والصحابة والتابعين. وهي إحدى التيارات الإسلامية العقائدية التي تهدف لإصلاح أنظمة الحكم والمجتمع بما يتوافق مع الشرع الإسلامي.
أما السلفية الجهادية فهي مُصطلح راجَ منذ نهاية الثمانينيات(تزامناً مع الغزو السوفييتي لأفغانستان) على بعض جماعات الإسلام السياسي التي تبنت الجهاد منهجاً للتغيير، وتبلور في عهد السادات بعد التوقيع على مُعاهدة الصلح مع إسرائيل .
وتعلن السلفية الجهادية تبني منهج السلف الصالح وأن الجهاد ركن أساسي من أركان نشر الدعوة. وقد اعتمدت السلفية الجهادية الكفاح المسلح ضد الحكومات القائمة في العالمين الإسلامي والعربي وضد الأعداء الخارجيين، بحسب توصيفها . ويَعتمدُ فكر هذه الجماعات على الحاكمية وقواعد الولاء والبراء، كما يُكفِّرون الحاكم دون تردد، ونهجهم هذا يجعلهم على خلاف مع الإخوان المسلمين في بعض القضايا والاتفاق معهم في بعضها الآخر ، وكلاهما على خلاف مع الإسلام الوسطي المعتدل .
ويختلف السلفيون المعاصرون، بمختلف ميولهم، فيما بينهم بتشخيص الواقع الراهن، وكيفية التعامل معه،وعلى أي حديث يستندون؟ الخلاف يتلخص بأربع نقاط:1-هل الواقع الراهن جاهلية أم إسلام؟2- هل هو مزيج مُركب من كليهما؟3-وهل نحن في دار حرب أم دار إسلام؟4-هل الواقع الراهن ناضج لتقبل الخلافة؟
يعود الاختلاف حسب المراجع والانتماء، ففي كل بلد دعوة لمنهج السلف قد لا يتوافق مع البلد الآخر، بل قد تتعارض فتوى من داعية إلى آخر، وهذا ما لمسناه في سنوات العشرية السوداء في الجزائر وفي سوريا في الثمانينيات من القرن المُنصرم، وفي مصر مؤخرا .
وحول تشخيص الحركات التكفيرية في مصر يستعرض عزمي بشارة الأسس الفكرية لتلك الحركات أولاً: الحكم والتشريع بغير ما أنزل الله شِرك. ثانياً: من آمن ببعض الإسلام وترك جزءاً منه فهو كافر. ثالثاً:إظهار العمل الصالح فالإيمان وحده لا يكفي.
فهذه الحركات تسعى لمُحاكمة الناس في هذا العالم قبل الآخرة، في كتاب عبد السلام فرج(أُعدِمَ عام 1982 في قضية اغتيال السادات) “الفريضة الغائبة” يؤكد بأن الطريق إلى فلسطين ومحاربة الصهيونية والاستعمار، يمر بمحاربة حكام بلاد المسلمين أولاً، وهذا يُذكرنا بنظريات بعض رواد اليسار العربي والراديكاليين العرب في الخمسينيات والستينيات من القرن المنصرم بأن تحرير فلسطين يمر من عمَّان أو بيروت… اليوم، يُصر فصيل شيعي ( حزب الله ذراع إيران في المنطقة ) على أن طريق تحرير القدس يمر من البوكمال السورية .
تنعدم الروحانية بتفسير السلفيين للدين والتدين،وتتمسك بمظاهر الأخلاق، وتُنفى حركة الاختيار، ويصبح الأمر الأساسي هو إظهار التدين ولو شكلياً(في حالة داعش كان الأمر جلياً، كان المُدخنون يُدخنون بالسر ويعلنون بأنهم غير مدخنين في العلن) بل والتظاهر بالورع والتقوى كي ترضى عنك الشرطة الدينية. كان هذا الأمر سائداً في شبه الجزيرة العربية فيما يخص الصلاة سابقا.
في البحث عن ظاهرة الخلافة”داعش” فإن الظاهرة ليست نتاج السلفية الجهادية(الوهابية) فقط، بل هي ظاهرة سياسية اجتماعية في ظروف محددة وزمن مُعطى في سوريا والعراق. فقد برزت الظاهرة بقوة بعد سقوط صدام واجتياح أمريكا للعراق، وبعد اندلاع انتفاضة الحرية في سوريا على رجاء الخلاص من الديكتاتورية، لكن الخلافة قدمتْ نموذجاً وحشياً مما دفعها لخسارة المجتمع المحلي والإسلامي والدولي.
أما عن سلفية محمد ناصر الدين الألباني(1914-1999) فقد عُرفت بالسلفية العلمية التي لا تُكفر الحاكم مهما اشتدَّ ظلمه، وهي بالأصل من المرجعيات الرافضة لكل نشاط سياسي. علماً بأن الألباني ترك أثراً بالغاً بأبي محمد المقدسي أحد مُنظري تيار السلفية الجهادية.
فالسلفيون يُقدمون أنفسهم على أنهم المسلمون الحقيقيون، حُماة التوحيد ونهج السلف وحراس العقيدة وهم لا يؤمنون بالحوار لأنه بلا طائل لأن الدين الصحيح محفوظ وبيِّن، بل وينصحون الجاليات المسلمة في الغرب بتجنب الاختلاط بالسكان الأصليين في أوروبا وأمريكا وكندا، تجنباً لتأثير نمط الحياة الغربية، وهذا النهج يُعرف كنهج طهراني ودعوي.
تاريخياً، ترتبط السلفية بابن حنبل(780-855م) الذي أحيا عقيدة السلف، ثُمَّ بابن تيمية(1263-1328م) الذي تشدد ببعث الروح لسلفية ابن حنبل، ولاحقاً تصدر المشهد محمد بن عبد الوهاب(1703-1791م). شهدت شبه الجزيرة العربية سلفية بصيغة جديدة تجمع بين الحنبلية وسلفية ابن تيمية وتجلت بالوهابية التي قُدمتْ كمحاولة ثالثة لتجديد الدين، واليوم تُعتبر الوهابية إحدى أهم مصادر السلفية الجهادية في العالمين العربي والإسلامي ، فالسلفيون يؤكدون ليل نهار بأن الإسلام دين ودولة. أما اليوم، فالإصلاحات التي تجري على قدم وساق هي في إحدى جوانبها محاولة لإبعاد سيف”الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر” عن المجتمع المدني في تلك البلدان والحد من تأثيرات الوهابية ..
في متن الكتاب، يستعرض عزمي بشارة العلاقة بين السلفية والصوفية، الهند نموذجاً، لقد نشطتْ جماعة التبليغ والدعوة السلفية في أجواءٍ صوفية وكذلك النقشبندية والقادرية والسهردورية. مع التذكير بأن السلفية تُناصب الصوفية العداء، بالرغم من ذلك انتشر الإسلام في شبه القارة الهندية مع العداء للنمط الغربي وسعى الدُعاة هُناك إلى نشر الإسلام القويم بعد أن تعمقت العلاقة مع شبه الجزيرة العربية.
في ثلاثينيات القرن الماضي شهدت مصر اتجاهين فكريين: اتجاه تبناه طه حسين ومحمد حسين هيكل(1888-1956)، ويتلخص بالسير على هُدى الغرب وطريق الأوروبيين بخيرها وشرها، بحلوها ومرها.أما الاتجاه الآخر فقد تمثل برفض حسن البنا(1906-1949م) وسيد قطب(1906-1966م) بالدعوة لمقومات النهضة والتقدم على الطريقة الأوروبية، بل أجاب حسن البنا عن سؤال النهضة بلغة النهضة الشرقية الحديثة وهذه النهضة عِمادها:الإسلام ديناً ودولة، ومصحفاً وسيفاً، وهوية ومعتقداً للحفاظ على هوية مصر الإسلامية. هذا الخطاب هو استقطاب لكل عربي وإسلامي وصوفي وإصلاحي. كانت نظرية حسن البنا نظرية جامعة لكنها لم تكن واقعية لذلك اصطدمت بالدستورية الملكية وتصادمت مع الناصرية بعد عام 1954.
من بين جميع مُنظري الإسلام السياسي كان مُصطفى السباعي السوري(1915-1964م) رائداً في التنوير وفقيهاً مُجدداً، مستوعباً التغييرات الدولية وتأثير الاشتراكية على شعوب آسيا وأفريقيا آنذاك، لذلك حاول أن يُلائم الاشتراكية مع مفهوم الإسلام. كان من حظّ الإسلام السياسي لو تحولت أفكار الإخوان المسلمين آنذك لدعوة تنويرية أسوة بأحزاب الديمقراطية المسيحية في الغرب، لكن التجربة لم تستمر لأن الديمقراطية في سوريا وُئدتْ بعد سنوات الوحدة، ولاحقاً بعد صعود البعث للسلطة.
- الدكتور عزمي بشارة : باحث ومفكر وأكاديمي وسياسي من فلسطينيي الداخل . يشغل حالياً منصب مدير عام المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة . له عدة مؤلفات في مسألة القومية والعلمانية والمسألة العربية. يرأس أيضاً مجلس أمناء معهد الدوحة للدراسات العليا. تعرض لهجمات من الإعلام العربي الرسمي لدوره الوازن في ثورات الربيع العربي، والمعروف عن د. بشارة، وقوفه في صف الشعوب ضد الاستبداد والقمع المُمارس من قبل تلك السلطات .