ترجمة د . ممدوح حمادة – الناس نيوز ::
من الأعمال الكاملة . كان لخماتوف، الموظف السابق في دائرة تموين الجيش ووكيل الكلية المستقيل، يجلس إلى المائدة في منزله، وبعدما غبّ القدح السادس عشر بدأ يفكر بالأخوّة والعدالة والحرية.
وفجأة، من خلف المصباح، أطل عليه شيطان، ولكن لا تخافي أيتها القارئة، هل تعرفون ما هو الشيطان؟ إنه شاب له مظهر سار، وجهه أسود كجلد الحذاء، وعيناه حمراوان معبرتان، وعلى رأسه قرنان، رغم أنه غير متزوج، وتسريحة شعره ala كابول(1)، جسمه مكسو بشعر أخضر وله رائحة الكلاب، وفي أسفل ظهره يتدلى ذيل نهايته على شكل سهم.. مكان الأصابع له مخالب، ومكان الرجلين قائمتا حصان.
عندما رأى لخماتوف الشيطان شعر بشيء من الخجل، ولكنه عندما تذكر أن لدى الشياطين الخضر عادة غبية هي الظهور لأولئك الذين شربوا شيئا من الخمر، عاد إليه الهدوء فورا.
-مع من أتشرف بالحديث؟ توجه بالكلام إلى الضيف غير المدعو ثم تابع لخماتوف، لا داعي للخجل، اقترب أكثر أنا شخص لا أؤمن بالخرافات ويمكنك الحديث معي بأريحية.. من القلب إلى القلب.. من أنت؟
اقترب الشيطان من لخماتوف متردداً، وبعد أن لوى ذيله تحته وانحنى بلطف:
-أنا شيطان.. أو إبليس، قال معرفا بنفسه، موظف المهمات الخاصة لدى فخامته، مدير دائرة الجحيم، السيد الشيطان الأكبر.
-سمعت بذلك.. سمعت.. تشرفنا.. هل ترغب بالفودكا؟ سعدت جداً.. وماذا تعمل؟
ارتبك الشيطان أكثر..
-يمكن القول إنه لا يوجد لدي عمل محدد، أجاب بامتعاض ساعلاً ومتمخطاً بـ (اللغز)(2) ثم تابع، سابقا كان لدينا عمل فعلاً.. كنا نقوم بإغواء الناس.. نحيدهم عن طريق الخير إلى دروب الشر، هذا العمل الآن (أنتر نو سوادي)(3) لا يستحق حتى البصقة(4)، لم يعد هناك طريق خير، من غير الممكن أن نحيد أحداً عن شيء، وإضافة إلى ذلك فقد أصبح الناس أكثر مكراً منا.. كيف يمكن إغواء الشخص إذا كان قد ختم كل العلوم في الجامعة، درس الماء والنار والأنبوب النحاسي، كيف يمكنني أن أعلمك سرقة عشرة روبلات إذا كنت قد نهبت آلافاً بدون مساعدتي.
-صحيح.. ولكن لا بد أنك تمارس عملاً ما.
-نعم.. يمكن القول إن مهمتنا السابقة أصبحت الآن شكلية.. ولكننا مع ذلك نملك عملاً.. نقوم بإغواء المعلمات، ندفع الشباب لكتابة الشعر، نجبر التجار السكارى على تكسير المرايا… لم نعد نتدخل في السياسة والأدب والعلم منذ زمن بعيد.. إننا لا نفقه شيئاً في ذلك.. الكثيرون منا يعملون في (اللغز)، يوجد أيضاً البعض ممن هجروا الجحيم وانتموا إلى بني البشر.. هؤلاء الشياطين المستقيلين الذين انتموا إلى البشر تزوجوا من أرامل تجار غنيات، ويعيشون الآن بشكل ممتاز، والبعض منهم يعمل في سلك المحاماة، والبعض الآخر يصدر الصحف، إنهم بشكل عام أناس عمليون جداً ومحترمون.
-عفوا على السؤال غير المتواضع.. كم هو المرتب الذي تحصل عليه؟
-الوضع عندنا لا يزال على حاله، أجاب الشيطان، الملاك لم يتغير أبداً.. الشقة والإنارة والتدفئة كما في السابق، من الخزينة.. لكن ليس لنا رواتب، لأننا نعتبر خارج الملاك، ولأن الشيطان عدا عن ذلك منصب اعتباري.. وبشكل عام، أقولها بصراحة، نعيش بشكل سيء، تدبر أمرك اذهب حتى، وتسول، شكراً لبني البشر علمونا كيف نتقاضى الرشاوى، وإلا لفطسنا.. هذا كل ما لدينا من دخل.. نسلم المؤونة للآثمين ونتقاضى ما تيسر.. الشيطان الأكبر أصبح هرماً، يسافر متابعا “تسوكي”(5)، لا وقت لديه لدفاتر المحاسبة الآن..
سكب لخماتوف للشيطان قدحاً من الفودكا، فشربه هذا وانطلق لسانه، باح له بكل أسرار الجحيم، فتح له قلبه، بكى، أعجب لخماتوف جداً لدرجة أنه تركه يبيت عنده، نام الشيطان في الفرن وكان يهذي طوال الليل.. وقبيل الصباح اختفى.
الملاحظات:
1-a la كابول: (كما وردت في النص وتعني مثل كابول) نسبة إلى مغني التينور الفرنسي جوزيف كابول (1824- 1930)، الذي كان يقدم عروضه على مسرح أوبرا بطرسبورغ وكان ناجحاً كمغن وكرائد في مجال الموضة. ( المترجم)
2-اللغز: (ريبوس) مجلة كانت تصدر في روسيا في القرن التاسع عشر وقد اشتهرت بنشر الأخبار الغريبة والمواد عن الظواهر المدهشة والخيالية. ( المترجم)
3-أنتر نو سوادي: وتعني “الكلام بيني وبينك” (عن الفرنسيةentre nous soit dit )، وردت في النص بالأحرف الروسية. (المترجم)
4-يبصق الروس إلى الخلف من فوق الكتف الأيسر عند ذكر الشيطان. ( المترجم)
5-تسوكي: (فرجينيا تسوكي) راقصة باليه إيطالية كانت تقدم عروضها في روسيا في فترة 1882. ( المترجم)
هامش:
نشرت هذه القصة لأول مرة في مجلة “شظايا” العدد 6 في 8 فبراير/شباط 1886(سمح بنشرها من قبل الرقابة في 7 فبراير/شباط). الصفحة 3-4. وقعت باسم: (شخص بدون طحال).
يوجد قصاصة من المجلة عليها ملاحظة الكاتب: (N B. لا يتم إدراجها في الأعمال الكاملة) (المركز الحكومي للأرشيف الأدبي والفني).
بقيت هذه القصة عند ن.أ. ليكين (رئيس تحرير شظايا) كاحتياط وقد نشرها في العدد 6 بدلاً من قصة “آنيوتا” التي لم تسمح بها الرقابة.