[jnews_post_author]
عشر سنوات حرب كارثية لا تكفي لسوريا ، حتى أعلن رئيس النظام حرباً من نوع آخر يمكن وصفها ب ” حرب الهويات” من منبر وزارة الأوقاف حيث شارك في الاجتماع الدوري الموسع للوزارة ، يوم 7 كانون الأول الجاري.
حربٌ بدأها على الهوية السريانية التي يرى فيها خطراً على “المجتمع السوري وعلى العروبة والإسلام على حد زعمه “.
فتلك الحرب على الهويات كان أعلنها وزير أوقافه محمد عبد الستار السيد خلال خطبة تحريضية عنصرية له في أحد مساجد طرطوس(4 كانون الأول الجاري)، حيث تساءل ساخراً ” شو هاي الأمة السورية. هل سمعتم بالأمة السورية “. مستهزئاً بكل من يقول بالأصول السريانية -الآرامية -الفينيقية للشعب السوري، واتهمهم باستهداف العروبة والإسلام ، إذن منذ ذلك التاريخ حرك النظام موالاته لضرب المكونات الاجتماعية والدينية والفكرية ببعضها لأن ذلك يسهم في تأجيج العداء بين المكونات السورية …
فالأسد في سياق كلمته أمام المشاركين في مؤتمر وزارة الأوقاف ، قال ” هناك موضوع خطير يثار يمس صلب المجتمع يستهدف العروبة والإسلام . طروحات تشكك بعروبة القرآن بالقول إنه سرياني، وبعروبة محمد بالقول إنه مستعرب غير عربي ، وبعروبة سوريا بالقول إن سوريا كانت قبل الإسلام سريانية مسيحية تتحدث وتكتب بالسريانية” . وأضاف الأسد” المستهدف من كل هذه الطروحات، فكرة العروبة، لأنها العنصر الجامع بين الرسول والقرآن وسوريا . فلا بد من ضرب العروبة لتفكيك هذه العناصر وعندها يحل محل هذا العنصر الجامع، العناصر التفريقية المختلفة “. وأردف الأسد “القبائل العربية في تدمر والجنوب السوري كانت موجودة قبل الإسلام في القرن العاشر قبل الميلاد بحسب المخطوطات الآشورية .. وهي كانت تتحدث الآرامية وتكتب بالآرامية لأن الآرامية كانت اللغة السائدة في المنطقة وهي كانت لغة عالمية “. من ثم يقول “اللغة السريانية كانت لغة محكية ولم تكن لغة الكتابة “. الأسد بتناوله تاريخ سوريا ، ما قبل الإسلام ، أوقع نفسه بمغالطات عديدة.
مقاربته جاءت متناقضة بمضامينها وأفكارها. وهو بدا أسير ثقافته البعثية الأمنية المؤدلجة التي تعتمد سياسة فَرّق تَسّد ، وهو نسي أو تناسى ما قاله خلال مقابلة أجرتها معه صحيفة عُمان في كانون الأول 2018: ” اللغة العربية تطورت عن السريانية إلى أن وصلت إلى ما هي عليه الآن”.
دافع الأسد عن عروبته وما يعتقد إنه إسلامه ، ورغم أن طروحاته هي عناصر تفريق وخلاف بين السوريين، لأنهم ليسوا جميعاً عرباً ومسلمين . فيما الأسد طعن بـالسريانية السورية وهي الهوية الوطنية الجامعة . واستبدل “المؤامرة الكونية ” المزعومة على نظامه في سوريا ، وعلى عروبته وإسلامه المزعوم ب “المؤامرة السريانية “. كل هذه الاحتلالات الأجنبية والميليشيات المحلية والمستوردة والتنظيمات الوهابية والشيعية الإيرانية الإرهابية على الأرض السورية ، لم تثر مخاوف وقلق الأسد على سوريا ؟!!! .
لقد شكلت على ما يبدو الأصوات الوطنية المدافعة عن الهوية السريانية السورية التي تشكل العمق الحضاري والتاريخي ليس للدولة السورية القائمة فحسب، وإنما أيضاً للأمة السورية سوريا الكبرى ، المعروفة اليوم بـبلاد الشام .
فقد تقصد رأس النظام في دمشق إخراج الاهتمام بـالسريانية ، من سياقه الوطني وتصويره على أنه “موضوع خطير” للظهور بموقع المدافع الأول عن (العروبة والإسلام). ولإرضاء مستمعيه من العرب السنة حصراً باعتبارهم الحاضنة التاريخية للعروبة وللإسلام التقليدي المحافظ واستمالتهم إلى جانبه في الصراع على السلطة ، بعد أن قاتلهم وقتل وشرد منهم الملايين.
إذن ليطمئن ” الرئيس ” ومسوقه و وزيره الإسلامي محمد عبد الستار السيد بأن ما من قوة في العالم قادرة على تفكيك ونسف العلاقة بين العروبة والإسلام ، فمن حق العرب أن يدافعوا عن الإسلام وأن يتمسكوا به. فلولا الإسلام لما وجدنا اليوم كل هذه الكيانات العربية الإسلامية شرقاً وغرباً .
الهجوم على السريانية والنيل منها، أعاد إلى ذاكرتنا ما كان يُدرس في كتب النظام التربوية القومية التي كانت تنعت الحركة الآشورية – البابلية بـ”الحركة الشعوبية” للنيل من الحركة الآشورية والإساءة للآشوريين سرياناً كلداناً ومن مكانتهم الوطنية وتصويرهم على أنهم دخلاء وافدون على سوريا والعراق .
الحملة الممنهجة على السريانية تؤكد من جديد على سعي رئيس البعثيين والعروبيين الإسلاميين ( الإسلاميون هنا كمفهوم لا نعني به إخوتنا المسلمين بل المقصود الفئة الضالة المتطرفة العدوانية ) على اجتثاث وطمس كل ما يتعلق بالحضارة السومرية – الأكادية – الآشورية- البابلية من سوريا وبلاد ما بين النهرين مهد هذه الحضارة .
إنها منهجية المافيات الغازية المحتلة التي ترى في الوطن كرسياً للحكم وخزينة مالية للسرقة وأجهزة قمع وقتل للشعب بشتى الأساليب .
وسعى نظام الأسد لطمس تاريخ وحضارات الشعوب الأصيلة صاحبة الأرض ومحي وجودها ليشرعن وجوده وبقاءه فيها. هذا النهج جعل من سوريا مقبرة للثقافات بعد أن كانت على مر التاريخ مهداً للحضارات وفضاءً مفتوحاً لتلاقي وتمازج الثقافات والأفكار .
يُخشى أن يكون تهويل الأسد و” دق أجراس الخطر” من نمو الحالة السريانية ، مقدمة لسن قانون يُجرم ويُعاقب كل سوري يدافع عن الهوية السريانية وكل من يشيد بها ويتحدث عنها عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي.
سليمان يوسف… باحث سوري مهتم بقضايا الأقليات.
shiosin@gmail.com