شكّلت حادثة استهدف ناقلة النفط الإسرائيلية “ميرسر ستريت” قبالة سواحل سلطنة عُمان حدثاً كبيراً على الصعيدين الإقليمي والدولي، نظراً لمقتل اثنين من طاقمها، أحدهما بريطاني والأخر قبطان روماني، وحجم الضرر الذي لحقها، والأهم في هذا السياق، هو تجرؤ إيران على القيام بهذا العمل التخريبي قبل ساعات من تنصيب الرئيس الجديد إبراهيم رئيسي، وبالتالي، أصبحت مراكز صنع القرار الإيراني مزيجاً من الراديكالية المذهبية، مما يدفع المنطقة إلى مزيد من السخونة وقد تمتد نيرانها إلى الداخل الإيراني الذي يشهد احتجاجات شعبية مناهضة للسلطات هناك.
وعلى الضفة المقابلة، فإن وصول حكومة إسرائيلية جديدة، بزعامة نفتالي بينيت لن تقبل بأي حدث يضعفها، ويعيد الإسرائيليين بالذاكرة إلى عهد نتنياهو، الذي لم يتوانى في الرد المباشر والقاصم عن أي تطاول إيراني على مصالح بلاده، سواء كان في سوريا أو حتى في البحار.
هذه المرة، وجدت إيران نفسها أمام ضغط دولي كبير، وغير قادرة على التنصل من تبعات استهداف الناقلة الإسرائيلية، الأمر الذي دفع المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده إلى إيصال رسالة مفادها أن أي عمل ضد بلاده سيؤدي إلى رد منها.
على ما يبدو، الإيرانيون لم يكونوا ينوون قتل أي من أفراد طاقم السفينة في الهجوم على الناقلة “ميرسر ستريت” لكنهم أخطؤوا التقدير هذه المرة، الأمر الذي قد يعرضهم لمزيد من العقوبات والعزلة الدولية، لا سيما بعد حالة التراخي والصبر الاستراتيجي الذي ينتهجه الفريق الأمريكي المفاوض مع نظيره الإيراني في فيينا، بخصوص ملف إيران النووي.
بعد أن اتضح للعالم أجمع، بناءً على معلومات استخبارية إسرائيلية، أن إيران هي المسؤولة عن الهجوم، بدأت تصريحات لوزراء خارجية ومسؤولين رفيعي المستوى في بريطانيا والولايات المتحدة تلوم إيران، مهددين بالانتقام منها دون تحديد ما إذا كانت العملية، ستكون دبلوماسية أم عسكرية لأن جميع الخيارات مطروحة على الطاولة.
تجدر الإشارة إلى أن ثلث مواد الطاقة المنقولة عبر البحار تمر من المنطقة التي تشهد صراعاً وهجمات متبادلة بين إسرائيل وإيران، وبالتالي، فإن استمرار الوضع الحالي سيؤدي إلى تعطيل النشاط البحري في خليج عمان، وميناء الفجيرة الإماراتي، ما يُصعب عمل السفن تشغيل أنظمة الملاحة القائمة على نظام المواقع العالمي (GPS) وتحديد وجهة إبحارها.
تشير الاحصائيات إلى أن 32 %من النفط العالمي يمر عبر مضيق هرمز، و8 %عبر باب المندب، فيما يمر 10% منها عبر قناة السويس، و28 % عبر مضيق ملقا في جنوب آسيا بين ماليزيا وجزيرة سومطرة الإندونيسية، و22 بالمائة عبر مضائق أخرى.
في الحدث الحالي، يبدو أن الإيرانيين قاموا بالتشويش على GPS، ما عطل عمل أنظمة الملاحة في عدة سفن، بالإضافة إلى محاولة اختطاف سفينة من قبل مسلحين لم يعرّفوا بأنفسهم على أنهم إيرانيون.
ووفقاً لصحيفة ذا تايمز البريطانية فإن “طاقم سفينة أسفلت برينسِس التي ترفع علم بنما، قاموا بتعطيل المحركات حتى لا يتم اختطافها ونقلها إلى إيران”.
في ضوء ذلك، رُبما يريد الإيرانيون إبلاغ الغرب بأن لديهم قدرات عمل متنوعة في منطقة الخليج العربي وبحر عُمان، وفي حال تصرف الغرب بتشكيل حلف ردع بحري كما أُعلن ضد إيران، فإن لديها مجموعة متنوعة من الردود.
بقاء الوضع على ما هو عليه، يشجع الإيرانيين على مواصلة ابتزازهم للغرب، كما فعلوا عندما أوقف البريطانيون ناقلة النفط الإيرانية “غريس1 في جبل طارق صيف عام 2019، ردًا على ذلك خطف الإيرانيون السفينة البريطانية “ستينا إمبيرو”. في نهاية الأمر أطلق البريطانيون سراح الناقلة الإيرانية، وأفرج الإيرانيون عن الناقلة البريطانية، وبذلك أنهوا الأزمة حينئذ.
السؤال هنا، ماهي الأدوات التي يمكن للغرب استخدامها في مواجهة العنجهية الإيرانية في حرب البحار، وتعطيلها جزء مهم من مساحة الملاحة العالمية؟ لا شك أن لدى الغرب عدد لا بأس به من الوسائل الدبلوماسية لردع إيران عن أعمالها الإرهابية في البحار، أقلها فرض مزيد من العقوبات وتجميد المفاوضات بين مجموعة الخمس زائد واحد مع إيران، وذلك مع وجود عدة تقارير تتحدث عن قرب امتلاك طهران، المواد الانشطارية اللازمة (اليورانيوم أو البلوتونيوم)، لصنع قنبلة نووية.
على العكس من ذلك، قامت الإدارة الأمريكية الحالية عقب وصول الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض، بإزالة جماعة الحوثي الموالية للحرس الثوري الإيراني من لوائح الإرهاب، الأمر الذي شجعها على استهداف ناقلات النفط السعودية عدة مرات عند مضيق باب المندب.
حتى اللحظة، لا تزال دوافع إيران في مضايقة السفن الإسرائيلية والخليجية غير واضحة، غير أن لديها الرغبة في لعب دور المشاكس في نزاعات المنطقة، كما أن قادتها يدركون جيداً أن معادلة القوة في الشرق الأوسط قد حُسمت لصالح قوات الدفاع الإسرائيلية IDF، بعد امتلاك الأخيرة مئتي رأس نووي، وغواصات الدولفين ذات الردع النووية. بالإضافة إلى اختراق إسرائيل البرنامج النووي الإيراني، وضربها لمنشأة “نطنز” النووية وتعطيلها، وقتل العالم الإيراني محسن فخري زاده في وسط طهران بعملية استخباراتية، وصفتها الصحافة الدولية حينها بـ “الضربة الموجعة”.
وقد يعود السبب في ذلك، إلى العقوبات الأمريكية والأوروبية على النظام الإيراني بسبب سياساته التوسعية وسلوكه المتمرد تجاه الأسرة الدولية، ومعرفة قادة طهران بتفوق دول المنطقة من حيث الطائرات المقاتلة وأنظمة الدفاع الجوي، على نظرائهم في إيران، السبب الذي أدى خلال العقد الماضي إلى رفع قدراتهم من الصناعات العسكرية في مجال الطائرات المسيرة Drones، فقد انتجت خلال السنوات العشر الماضية عدة نماذج، مثل، مهاجر 6، كرار، فطرس، سيمرغ، شاهد 129، كمان 22، غزة.
درويش خليفة