ميديا – الناس نيوز :
توفي قبل أيام في مكناس، أحد رموز البحث الجامعي في المجال المسرحي بالمغرب والعالم العربي، الدكتور حسن المنيعي، بعد صراع مع المرض، وذلك عن عمر ناهز الـ79 سنة.
وأكدت ردود فعل عدد من المثقفين والفنانين المغاربة على خبر موت المنيعي قيمة الرجل العلمية وخصاله الإنسانية وإسهاماته الكبيرة على مستوى إغناء الممارسة المسرحية بشكل عام، والبحث الأكاديمي بشكل خاص.
ونعى اتحاد الكتاب في المغرب الراحل وذكّر بدوره الكبير في التأسيس للدرس المسرحي بالجامعة المغربية، وأيضاً بريادته في التوجيه مسارات المسرح الجامعي والمدرسي على السواء، وبحضوره الأكاديمي الوازن، وبأبحاثه المسرحية والنقدية المتميزة، على مستوى الجامعة المغربية وخارجها، حيث «أضحت كتبه وأبحاثه حول المسرح مرجعاً أساسياً لا مناص منه، في مجال البحث في المسرح المغربي والعربي، فضلاً عن كتاباته في مجال النقد الأدبي الحديث، بمثل ما عرف الفقيد الراحل بكونه أستاذ الأجيال ومؤلف الرجال، حيث تخرج على يديه كثير الطلبة والأساتذة والدكاترة المغاربة وغيرهم، ممن يشهد للأستاذ الراحل بأفضاله الكبيرة والنبيلة، على مستوى التوجيه والإشراف على أبحاثهم الجامعية، وقد أضحوا اليوم أسماء لامعة في مجال البحث المسرحي داخل المغرب وخارجه، بحضورهم الأكاديمي والعلمي الكبير وبأبحاثهم وكتاباتهم النقدية والتحليلية المضيئة والمؤثرة».
حسن المنيعي (1941 – 2020) أستاذ جامعي، باحث وناقد ومفكِّر وصاحب مشروع مسرحي مغربي. عُرِفَ بدراساته وأبحاثه كمؤسِّس لفعل النقد بالمغرب، وانحصرت أكثر أبحاثه في التأريخ والتنظير للمسرح من الجذور والبذور الأولى في بدايات القرن العشرين لغاية اليوم. ولا يتردَّد كناقد موضوعي في اعتبار أنَّ المسرح المغربي الذي أخذ أشكالاً أولى كمسرح الحلقة والبساط من التقاليد الشعبية، هو لاحقًا فنٌّ مستورد، وصل إلى المغرب عن طريق المثاقفة مع الآخر. وكأنَّ د. حسن المنيعي في مشروعه النقدي يأخذ بالعقل من حالة العجز والقهر والتبعية، إلى الحرية في التفكير والقدرة على الإبداع. فنحن إلى الآن لم نشتغل على مشروعنا المسرحي، لأنَّنا نُعامَلُ كـ(رعايا) وليس مواطنين، الأمر الذي يُجهض إنسانية الإنسان وقدراته وإمكانياته، فيصير حضوره مثل غيابه، ووجوده مثل عدمه. المنيعي في دراساته النقدية يبحث عن (الحقيقة) كونها إنسانية، وكون الإنسان حقيقة. فالنقد؛ أيُّ نقد عقلاني عليه أن يصادم ويصطدم مع أيِّ نصٍّ يسلبُ الإنسان وجوده وحقيقته.
وفي مقال للناقد أنور محمد في ملحق ضفة ثالثة، قال الناقد إن المنيعي يستخدم العقل في بحوثه، في مشروعه المسرحي- وهو مشروع نقدي إنساني، بعقلانية مُفكِّر منهجي ثوري- ما يُذكِّرنا ببروميثيوس، في مسرحية “بروميثيوس في الأغلال” لإسخيلوس 525- 456 ق.م. بروميثيوس الإله الذي سرقَ النار وأعطاها للإنسان، فعاقبَه ملك آلهة الأولمب “زيوس” بأنْ قيَّده إلى صخرة في سفح جبل، بروميثيوس الذي سعى نحو تحقيق حياة تليق بكرامة الإنسان مستخدمًا عقله. طبعًا مشروع المنيعي تأسَّس على أنقاض وعي زائفٍ، بصماتُ الاستعمار ما تزال نارها تستعر فيه، ما تركه يخوض صراعًا حتميًا مع الخرافات والأشباح والظلال، بصياغات علمية وإضافاتٍ مادية، فلا يبقى أسير أفكار تلعبُ دور الوحوش في الثقافة المغربية والغربية. لا شكَّ أنَّه لم يُقِمْ قطيعةً مع تراثنا النقدي، ولا مع التفكير النقدي، بل هو في تواصل وتلاق، فالنقد موضوع عقلي، وهو أساس الوجود. والمنيعي عندما ينقد فهو لا يُهاجم، هو يُمسك بـ(العلَّة) التي تعيق عمليات التفكير في العقل، فيعالجها مثل حكيم، لأنَّه ضدَّ تجريد الإنسان من قوَّته؛ من ملكاته وممكناته، فلا يصير كيانات نموذجية للمتسلطين والمستبدين، فيتم إلغاء قدرة الإنسان على الفعل وتحصيل المعرفة، ويقضي على نشاطه وفاعليته في التاريخ.