[jnews_post_author]
حدثني صديقي الذي كان يعمل صيفاً في زحلة فقال:دخلت صالون حلاقة وانتظرت دوري، وحين جلست على كرسي الحلاقة راح الحلاق ينتف شعري بيديه، صرخت من ألمي، وراح يشتمني على وقاحتي :كيف لواحد مثلي أن يدخل على حلاق لبناني ، وطردني رفساً. وقس على ذلك مئات الوقائع التي كانت تدل على اضطهاد العمال السوريين في لبنان.
إنه لسؤال يحار المرء في الإجابة عنه : ما سبب هذا الحقد العميق لبعض اللبنانيين ومن جميع الطوائف في لبنان على السوري و الفلسطيني؟
سأحصر الإجابة في هذا المقال عن حقد لبناني على السوري ،على أن أفرد مقالاً آخر عن علاقة اللبناني بالفلسطيني الذي يعيش لاجئاً على أرض هذا الأول.
وهذا الحقد على السوري لا يعود إلى مرحلة دخول قوات الأسد وأمنه إلى لبنان والتصرف كقوات احتلال متخلفة، كما هو سلوكها في سوريا، كما لا يعود الحقد على الفلسطيني إلى مرحلة دخول المقاومة إلى لبنان, بل إلى مرحلة تسبق هذين الحدثين.
فالنخبة السورية السياسية ساهمت في إنشاء دولة لبنان الكبير التي أسسها غورو، ومنحت لبنان الأقضية الأربعة :حاصبيا وراشيا والبقاع وبعلبك.ولم يصدر عن السوريين أي شعور عدائي تجاه أي طائفة لبنانية.وشمال فلسطين وجنوب لبنان لم ينفصلا تاريخياً، إلا بعد احتلال فلسطين من الحركة الصهيونية.
فيما قبل الاحتلال الأسدي لبنان، كان عدد كبير من فلاحي حوران وغيرها من المناطق السورية يعملون في قطاع الخدمات المتعددة في لبنان.كانت معاملة هؤلاء العمال قاسية جداً، وظروف حياتهم صعبة إلى أبعد الحدود، فضلا عن شعور لبناني بالتعالي عليهم.
في منطقة المصنع في جديدة يابوس يتصرف الأمن اللبناني مع السوريين بطريقة فظة جداً جداً، أسوأ من تصرف الإسرائيليين مع الفلسطينيين في معبر أريحا.وقس على ذلك.
حتى أن كثيراً من أفراد النخبة السياسية الحاكمة في لبنان كانت حاقدة في أعماقها على الجماعة الحاكمة في سوريا ، وذليلة كل الذل أمامها.
أعود للسؤال:كيف نفسر هذا الحقد؟
أولاً:إن العدوانية التي يمارسها اللبناني على العمال السوريين نوع من الشعورالطبقي المتعالي.فالسوري يقوم غالباً بالأعمال التي لا يقوم بها اللبناني ،فيشعر اللبناني بسيادة زائفة على السوري.
ثانياً:إن هناك شعوراً لبنانياً شبه عام بأن استقلال لبنان عن سوريا أمر أقرب إلى المستحيل بسبب العلاقة الجغرافية من جهة، والمصالح المرتبطة بهذه الجغرافيا، وهذا ما يولد انحراف الحقد، فبدل أن يكون الحقد على الجغرافيا يتحول الحقد على الناس.
ثالثاً:الطائفية في لبنان ذهنية عامة، فالنظام الطائفي نظام ذهني أيضاً، فتتنوع علاقة اللبناني بالسوري وفق الانتماء الطائفي.فالعلاقة بين مسيحيي لبنان بمسيحيي سوريا علاقة عضوية وعائلية وحبية.
فالانتماء الطائفي هنا أيضاً يحدد العلاقة مع الطائف المختلفة.فيما علاقة الطائفة السنية اللبنانية مع الأكثرية السنية السورية علاقة وعي بالانتماء للأكثرية وليس وعي طائفي.لكن كره سنة لبنان للنظام في سوريا قد ينسحب على كره السوري.وقس على ذلك علاقة دروز لبنان بدروز سوريا.
فيما علاقة الشيعة السياسية الطائفية في لبنان علاقة عدوانية بسنة سوريا الذين يناصبون النظام العداء بوصفه نظاماً طائفياً.والحقد على السنة شيعياً لا يساويه أي حقد آخر،لأنه ذو أسس تاريخية قديمة، وجزء من الوعي المتوارث.فما زالت المعركة قائمة بين يزيد بن معاوية والحسين بن علي.
رابعاً :صحيح بأن لبنان بلد ذو نظام طائفي وديمقراطية طائفية، لكنه بلد الحريات، فالحرية في لبنان صنعت الشعور بالتفوق على سواهم ، وخاصة على السوريين الذين لم ينعموا بالحرية خلال خمسين عاماً.
لا شك بأن هناك آلاف اللبنانيين المتعاطفين مع الشعب السوري وبخاصة من النخبة المثقفة، لكن هؤلاء لا يشكلون ذهنية عامة.
أحمد برقاوي