يطربني الحنين، هكذا بلا مقدمات بين الفترة والأخرى، أتوق لتلك الذكريات التي تشكل كثيراً من تفاصيلي، أسرح هناك، بينما أنا هنا أسير في مفترقات منها الكثير لا يشبهني، أتساءل ما الذي يجب أن نفعله كلنا حينما تطرقنا هذه الذكريات، نغمض عيوننا ونحلم، نستعيد ذلك الحنين الذي يسعدنا أو يحزننا، أو هل نمضي من دون أن نستسلم لتلك اللحظات التي تتملكنا، غالباً تختلط كل تلك المشاعر من دون أن نتمكن من حسم موقفنا ومشاعرنا فنعود لحلمنا باستعادة ذلك الحنين ونعود لترديد ما تعلمناه في مراحل نشأتنا وتكويننا النفسي.
هكذا من دون مقدمات كنت أدندن بأغنية “كبه بلبنيه جاي عبالي كبه ومناقيش ويا امي طبخك يحلالي وبالغربه مافيش” ( أغنية الفنان السوري الكبير ياسر العظمة في إحدى حلقات مرايا ) حينما كنت أتمشى بشارع السوريين في إسطنبول ..
وأكمل وحدي، لا لا هذا ليس حلماً أن أتمشى وأعيش لحظة واقعية، “إيه نعم في كبه بلبنيه ومناقيش وملوخيه وفلافل وفته كمان”، ففي كل حي من أحياء إسطنبول يوجد بقال سوري أو مطعم سوري صغير بعد النزوح البشري القسري الهائل، كلنا نعرف قصتنا وأين وصلنا، يعني ما بمعناه “في كبه بلنيه ومناقيش كمان وكل شي حلو والحلو كتير وأنواع”.
أتجول في أماكن لا أعرفها وأنا هنا من 22 عاماً مع عائلتي، استعدت سوريتي أكثر في السنوات الأخيرة، عدت للتمدد مع الحالة الراهنة، كنا نتحدث أنا وصديق سوري أخبرني بالتنوع السوري الذي بات متوفراً في منطقة الفاتح وعدد من أحياء إسطنبول الجميلة، فرحت جداً وذهلت، ااه عدد كبير من البقاليات والمبيعات وجميعها من المنتجات السورية واللهجات سورية والروح سورية، أي فرح هذا، السعادة تغمرني، الحنين يلفني..
انتقلت إلى الشارع الآخر ، المطاعم السوريه عالية الجودة دخلت أحدها وطلبت كبة بلبنية، لا أصدق ، أتصور مع الصحن الشهي أو أبدأ الطعام لا أقاوم ولا أنتظر، بدأت الأكل ومن دون أن أنتبه لما يحيط بي، ولكن فجأة توقفت بيني وبين نفسي ، مع الأسف، يبدو أن كل شيء يحتاج إلى أن يكتمل، البيئة ككل من ذكرياتي غير متوفرة هنا، الأهل، الأصحاب، الروائح والروح، شعرت بالاختلاف في المشاعر، أحتاج ذلك الشعور الجميل حين كنت آكلها في سوريا… ولم أعرف السبب ربما لأن رائحتها لم تكن ممزوجه بعطر الياسمين الشامي أو رائحة القمح الجزراوي أو أو … .
لا أدري أو ربما أثرث بنفسي ابتسامه النادل التي كانت تخفي وراءها اليأس والتعب والخوف.. لا أدري.
نعم المطعم سوري والأكل سوري وصاحب المطعم سوري والزبائن سوريون لكن الروح ربما لم تكن كسابقتها فأدركت اليوم أنه لا توجد في الغربة لا كبة بلبنية ولا مناقيش.