احمد عزيز حسين – الناس نيوز :
حظيت القصّة القصيرة في سوريّة بمن يكتب عنها كتابةً منهجيّةً منذ ثلاثة عقود ونيّف، وقد اتّسمت المؤلّفات المكتوبة عنها بالغزارة وتنوُّع المناهج والرّؤى النّقديّة، وفي هذا الصّدد يمكن أن نذكر مساهمات حسام الخطيب وخلدون الشمعة ونبيل سليمان وعدنان بن ذريل وعبدالله أبوهيف ورياض عصمت ومحمّد كامل الخطيب وعبدالرزّاق عيد وأحمد جاسم الحسين وغيرهم.
والملاحَظ أنّ ثمّة نزوعاً ساخراً بدأ بالتّوضُّع داخل الفضاء القصصيّ السّوريّ منذ الخمسينيّات في نتاج حسيب كيّالي وزكريا تامر، ويوسف أحمد المحمود، ثمّ في بعض نتاج وليد مدفعي وأديب النّحويّ وسعيد حورانيّة. وقد انضمّ إلى هؤلاء الكتّاب في العقدين الأخيرين من القرن العشرين عدد لافت للنّظر من الكتّاب، اقتصر بعضهم على كتابة القصّة السّاخرة كخطيب بدلة، وجمع بعضهم الآخر بين القصّة السّاخرة والقصّة الجادّة كوليد معماري، وحسن م. يوسف، وجمال عبود، وأحمد عمر، ونجم الدين سمّان، ولقمان ديركي، ومحمّد منصور، ونجيب كيّالي، ومحمود عبدالواحد، ومالك صقور، وعبدالحميد يونس، وقد وشى هذا التّنامي باستمرار النّزوع السّاخر في القصّة السّاخرة، وتحوُّله إلى مشروع اتّجاه أو ظاهرة .
والواقع أنّ هذا النّزوع لم يلقَ إلى الآن اهتماماً نقديّاً يحلّله ويؤطّره شأنه في ذلك شأن كثير من الظّواهر الأدبيّة والثقافيّة في سوريّة، وقد اقتصرت مقاربته على كتاب يتيم قام بإعداده القاصّ خطيب بدلة عنوانه (السّاخرون)، وعلى دراسة نقديّة كتبها القاصّ والنّاقد الرّاحل محمّد محيي الدّين مينو، وخصّصها لدراسة (عالم خطيب بدلة السّرديّ)، كما ظهرت خلال القرن الماضي بعض الدّراسات النّقديّة القيّمة لصلاح صالح ورضوان القضماني، واكبتْها بعض المراجعات النّقديّة ذات الطّابع الإعلاميّ المتعجّل، لكنّ طابع الاحتفاء طغى على أغلب الكمّ المنشور؛ بحيث لم يُضِئ هذه التّجربة من الدّاخل، ولم يُفلح في وضع إطار منهجيّ رحْب يُقاربها من خلال تفكيك بنيتها النّصيّة، والملاحَظ أنّ هذه المساهمات، وإنْ حاولت دراسة حسيب كيّالي ومن تلاه من كتّاب القصّة السّاخرة، إلّا أنّها بقيت تدور في المحيط الخارجيّ للتّجربة، واقتصرت طبيعة مقاربتها على المطابقة بين البنية النّصيّة والبنية الاجتماعيّة، أو على الفصل بين لغة الكيّالي السّاخرة وبنية القصّة لديه؛ بحيث بدا واضحاً أنّ السّخرية، وفق المساهمات السّابقة، تنبثق في تجربة الكيّالي من اللغة وحدها مفصولةً عن البنية السّرديّة المُندغِمة فيها، أو عن طبيعة المتن الحكائيّ نفسه؛ وهكذا لم نعرف، مثلاً: لماذا استعان الكيّالي أو يوسف أحمد المحمود بمفردات محليّة معيَّنة في قصصهما، ألأنّهما أرادَا ذلك وتقصّداه بمعزل عن علاقته بالمعمار الفنيّ الذي تعالق معه، أم لأنّ موضوع القصّة وآليّة سردهما له هما اللّذان أملَيَا عليهما استدعاءَ هذه المفردات دون غيرها ؟
إنّ فهم السّخرية في تجربة الكيّالي / المحمود لا يتجاوز، في أغلب الدّراسات السّابقة، النّظر إلى الألفاظ معزولةً عن بنيتها النّصيّة، وإلى المبنى الحكائيّ بوصفه بنيةً نصيّةً صغرى مُنتَجةً في سياق بنية نصيّة كبرى، إذا استخدمنا مصطلحات سعيد يقطين.
وفي رأيي المتواضع أنّ ما كُتِب عن جيل حسن م. يوسف ووليد معماري وخطيب بدلة وأحمد عمر ونجم الدّين سمّان وغيرهم لا يتجاوز المقاربة السّابقة، ولا يرتقي فوق المفهوم الشّائع لعلاقة اللّفظة السّاخرة بالقصّة السّاخرة، مع ملاحظة أنّني لا أعتقد بوجود لفظة ساخرة معزولة عن محيطها السّرديّ، ذلك أنّ المشتغلين، في حقل السّرديّات، يرون أنّ الكلمة في المتن الحكائيّ ما هي إلا عنصرٌ مُكوِّنٌ لمبناه، والمبنى كيفيّة فنيّة يتجلى بها المتن الحكائيّ نفسه في معمار سرديّ، ولهذا فالسّخرية لا توجد في المتن الحكائيّ وحده، بل هي مُتناسِجة في المبنى الحكائيّ بوصفه تشكيلاً فنيّاً للمتن الحكائيّ نفسه.
وفي هذا الحوار الذي أجريته مع الدكتور عبدالسّلام العجيلي بعد سنتين من انعقاد المهرجان الأول للقصّة السّاخرة في سورية(1)، وجّهت مجموعة من الأسئلة إلى الأديب السّوريّ الرّاحل بوصفه رئيساً لـ (عصبة السّاخرين) في سورية، وذلك استعداداً لإقامة المهرجان الثّاني للقصّة السّاخرة الذي لم يُعقد بعد خروجي من سورية منذ ربع قرن،
وقد بقي الحوار في أدراجي طيلة السّنوات السابقة إلى أن قرّرت نشره اليوم في (جريدة النّاس نيوز الأسترالية الإلكترونية) التي تصدر في أستراليا باللغة العربية، وفي ما يلي نصّ الحوار:
* الحسين: دكتورعجيليّ، نُسِب إلى أرسطو كما تعلم أنّه قسّم أنواع الهزل في النّصّ الأدبيّ إلى أربعة أنواع: الظّرافة، والمزاح السّاخر، والهزء، والتّهكُّم الجارح، ومن هذه الأنواع يتشكّل الأدب السّاخر.
فإلى أيّ مدى لا تزال تحتفظ هذه المقولة براهنيّتها حتى الآن ؟ وما هي في رأيكم الفروق المفهوميّة بين المصطلحات التّالية: الاستهزاء، التّهكُّم، الدُّعابة، المزاح، الضّحك، المكر، السُّخرية، الفكاهة ؟؟
* العجيلي : قبل كلّ شيء أقول: إنّي لسْتُ منظِّراً في القضايا الأدبيّة، كما أنّي لا أهتمّ بالتّنظير ولا أجيده، وأعتبره أمراً من مهمّة النّقّاد لا من مهمّة الكتّاب المبدِعين، وصلتي في الأدب تنحصر في الكتابة فيه لا بالتّقصِّي في خصائصه أو بواعثه أو مذاهبه، ومع ذلك فسأحاول أن أجيب عن أسئلتك بقدر ما أملك من المعرفة .
وجواباً عن سؤالك الأوّل أقول : لا اعتراضَ لي على تقسيم أرسطو لأنواع الهزل في النّصّ الأدبيّ، وأقترح أن يُضاف إليها نوع خامس هو (التّهريج)، وقد أطلِق هذا الاسمُ على لونٍ من الهزْل الغثّ كما نشاهده في بعض المسرحيّات المصريّة، والسّوريّة كذلك، والقائم على ترديد بعض الألفاظ البذيئة أو الكنايات الوضيعة المصحوبة بقهقهات ممّن يقولونها، وليست من مشاهدي المسرحيّة.
أمّا عن الفروق التي تسمّيها ماهويّة فأعترف بضعف إدراكي لها؛
لذا لا تجد لهذا الشّطر من السّؤال جواباً عندي .
الحسين: ثمة نزوعٌ ساخرٌ بدأ بالتّوضّع داخل الفضاء القصصيّ السّوريّ في الخمسينيّات ، في نتاج حسيب كيالي ويوسف المحمود، ثم في بعض نتاج سعيد حورانيّة، وأديب النّحويّ، وعبدالسّلام العجيلي، ووليد مدفعي كما تعلم … وقد انضم إلى هؤلاء الروّاد فيما بعد عددٌ لافت للنّظر من الكتاب، نذكر منهم : حسن م. يوسف، ووليد معماري، وأحمد عمر، وخطيب بدلة، ووشى هذا التّنامي بتحوّل هذا النّزوع إلى مشروع اتّجاه أو تيّار أو ظاهرة .
فما هي، في رأيكم، المؤثّرات والعوامل التي أسهمت في نشأة هذا النّزوع ونموّه وتحوّله إلى مشروع (جنس أدبيّ) مستقلّ ذي خصائص نوعيّة محدّدة في الأدب السّوريّ المعاصر ؟
العجيلي: لم ينشأ الأدب السّاخر في القصة السّوريّ في الخمسينات، ولا توقّف عندها. وشخصيّاً كتبت القصص السّاخرة أو الزّوايا السّاخرة المكتوبة بشكل قصص منذ بداية الأربعينات وربّما قبلها. ويمكنك أن ترجع في ذلك إلى كتابي (المقامات) إذا استطعْتَ أن تقع على نسخة منه، وإلى الزّوايا التي كنتُ أكتبها في جريدة (الصّباح) بعنوان (خيوط من نور) وبتوقيع (مصباح) .
وليست هناك فيما أعتقد عوامل أو مؤثّرات معيّنة تدفع إلى كتابة الأدب السّاخر، وموهبة (السُّخْر) في الأديب هي التي تدفع بكاتب إلى إنتاجه، والعوامل الأخرى هي عوامل إضافيّة إلى هذه الموهبة .
* الحسين: ما مفهوم (السّخرية) لديكم ؟ وهل هناك خصائص نوعيّة تميّز القصة السّاخرة من القصة الجادّة ؟ ثم …هل هناك تقنيّات سرديّة يعتمد عليها هذا النّوع من القصّ ؟ وتبعاً لذلك : أيّ الكتّاب لدينا تنطبق عليه صفة ( القاصّ السّاخر) بامتياز بدءاً من جيل الخمسينيّات وانتهاءً بجيل التّسعينيّات ؟
* العجيلي : أكرّر أنّي لا أستطيع أن أعطي تعريفاً جامعاً لمفهوم السّخرية عندي أو عند غيري، فذلك تنظيرٌ لست مؤهَّلا للقيام به، كلّ ما أستطيع بيانه هو القول بأنّ هناك فكاهة وهناك سخرية وكلاهما يدعو قارئ أدبهما إلى الضّحك. الفرق هو أنّ الفكاهة داعية إلى المرح المجرّد، أمّا السّخرية فإنّها تجمع إلى عنصر المرح عنصر الانتقاد. وفي رأيي لا سخرية إذا لم يكن وراء إضحاكها انتقادٌ .
هناك كتّاب سُخرية كثيرون، وقد سمّيتَ أنت عدداً منهم، وأَوّلهم حسيب الكيّالي، ولكنّي لستُ متابعا للنّشاط القصصيّ في العقود الأخيرة، ولذلك لا أستطيع أن أذكر أسماء معيّنة، أو أفضّل واحداً منهما على الآخر.
* الحسين : يُعدُّ حسيب كيالي أحد المؤسّسين للقصّة السّاخرة في سورية، وكان لبيئة (إدلب) كما يرى بعض الكتّاب أثر في اكتساب أدبه روح الطّرافة، والسُّخرية، والتّهكّم الجارح. وقد قدّمتْ إدلبُ للقصّة السّاخرة في سورية أسماء مهمّة أخرى منها : خطيب بدلة، وتاج الدين الموسى، ونجم الدين سّمان .
فهل توافقون على أن (روح المكان الإدلبي) هي التي منحت أدب حسب كيالي فرادته أم أنّ حسيباً هو الذي ارتقى بـ ( إدلب) من مستوى المكان العاديّ إلى مستوى الفضاء التّخييليّ ؟؟
* العجيلي: لفت نظري تميُّز الكتّاب الأدالبة بروح السّخرية في ما يكتبون منذ زمن طويل، وقلت لبعضهم : إنّهم يسيرون على طريق حسيب كيالي، ومن خلّف ما مات ! ولكنّي لست على معرفة بأجواء مدينة ( إدلب) ومنطقتها حتى أستطيع الحكم بأنّ جوّها هو الذي نمّى روح السّخرية في هؤلاء الكتاب .
ولكنّ السّخرية ليست مقتصرة على الكتاب الأدالبة. هل (وليد معماري) أو (حسن. م يوسف) أدالبة ؟
* الحسين : يرى يوسف أحمد المحمود أنّ الكتابة الساخرة لا تحصل على وجهها الصحيح إلّا أن تكون ( واقع الواقع )، وأن تُكتب بضمير المتكلِّم. بمعنى أنّ صاحبها ارتضى أن يسخر من نفسه، بل ومن قدره، يكتب بألفاظ حدثه على ما جرى هذا الحدث / واقع الواقع. وهو لا يأنف من استخدام الألفاظ القذرة، البذيئة، المعيبة، السّافلة، المحنّطة، إذا اضطرّه تصوير الحدث إلى ذلك.
وقد لامس المحمود في هذا بعض تقنيّات القصّة السّاخرة، وكشف عن جانب من شعريّتها، وقارب آليّة الإبداع في تخلُّقها.
فهل توافقونه على ما ذهب إليه ؟؟
* العجيلي : لا أفهم معنى (واقع الواقع) . ولستُ مع يوسف المحمود في كلّ ما يقوله عن الكتابة السّاخرة. وقد كتبتُ شخصيّاً أشياء ساخرة كثيرة، ولا أذكر أنّي استعملْتُ في يومٍ ما كلمةً بذيئة في سخريتي التي أضحكت الكثيرين. ولكلّ شيخٍ طريقتُه !!
* الحسين : كتابكم (فصول أبي البهاء)، على ما قرأتُ، نموذجٌ للأدب السّاخر الذي يعارض العبوس والتّجهُّم، وينافح من أجل الأدب السّاخر الباسم .
فما مفهومكم للسّخرية في الأدب ؟ وهل ترون أن السّخرية مرتبطة بالإضحاك دوماً ؟
* العجيلي : لا تخلو (فصول أبي البهاء) من سخرية، ولكنّها قصص مرحة لم أقصد بها السّخرية بل الإضحاك عن طريق إبراز المفارقات في المجتمع، وقدرة الذّكاء على استغلال الغباء أومحاربته .
سخريتي تجلّت بصورة أشدّ في زوايا كثيرة كتبتُها على شكل حكايات، أو مقامات، أو أشعار، وكثير منها لم يُنشَر، أو أنّه نُشِر باسم مستعار.
وكما ذكرتُ قبلا : السُّخرية عندي هي تهكُّمٌ مبنيٌّ على الانتقاد، وحتّى سخريتي الخالصة، على لذعها، قلّ أن تنطوي على تجهُّم أو عبوس أو مرارة .
* الحسين : شاركتُم في تأسيس (عصبة السّاخرين)، وكنتم رئيساً لها، فهل يمكن أن تحدّثونا عن هذه التّجربة بعامّة: النّشأة، والجماعة، والأهداف، ثمّ ما قدّمته، وما بقي منها راهناً ؟؟
* العجيلي: كنّا شباباً نجتمع في المقاهي، ونتبادل الأحاديث المرحة والانتقادات السّاخرة، ونحن كّلنا نمارس الأدب، وننشر أعمالنا في صحف تلك الأيّام، بل كان بعضنا صحفيّين محترفين، وقد خطر لبعضنا أن نكوّن تجمعاً أدبيّاً على هيئة الجمعيّات الثقافيّة، التي كثيراً ما تألقت في المجتمع الدّمشقيّ، وقامت بنشاطات أدبيّة وفكريّة فيه، ثم توقّف نشاطها .
وقد كنتُ أرى أنّ النّسبة إلى الأدب أو إلى الثّقافة في أسماء تجمُّعات من هذا القبيل أصبحت مُبتذَلة، لذلك لم أوافق على أن يحمل تجمُّعنا هذه النّسبة، واقترضتُ له اسم (عصبة السّاخرين)، بالنّظر إلى أنّ السّخرية كانت ممارسة دائمة لأكثرنا في اجتماعاتنا.
وقد تألّفت العصبة من اثني عشر عضواً، كان البارزون من بينهم ساخرين حقّاً، ولكن كان بينهم أعضاء بعيدون عن السُّخرية، ولكنّنا ضممناهم إلينا نحن السّاخرين، وقسرناهم على أن يمارسوا (السُّخر) في كتاباتهم. ومع الأسف لم يفلحوا كلّهم في أن يصبحوا ساخرين، بل إنّ بعضنا كان ساخراً أصيلا في كلامه ونقاشاته وأحاديثه اليوميّة، ولكنّه كان يلازم الجدّ الصّارم في ما يكتبه وينشره، وأبرز مثال على ذلك سعيد الجزائريّ، الذي كان هو لولب العصبة بملاحقة أعضائها طالباً إليهم الكتابة، وسعيه لنشر ما يكتبه الأعضاء في الصُّحف المختلفة التي يعمل فيها أو يراسلها.
ولم تكن هناك أهداف معيّنة لـ (عصبة السّاخرين) . كان كلّ منا يكتب على هواه، ويذيّل ما يكتبه بحيلة (من عصبة السّاخرين). كما أنّه لم يكن هناك نظام مكتوب لها، وإذا كنت أوصَف أحياناً بأنّي رئيسها أو أمينها العامّ؛ فإنّ هذا الوصف لم أطالِب به أنا، ولكنّ زملائي كانوا يصفونني به حين يتحدّثون عن عصبتهم. وأذكر من أسماء الأعضاء اليوم ماعداي: سعيد الجزائري، مواهب الكيّالي، حسيب الكيّالي، عبدالرّحمن أبوقوس، سعيد القضماني، أحمد علّوش، أحمد عسّة، عبدالغني العطري، عبّاس الحامض، ممتاز الرّكابي، نسيب الاختيار.
وإن أردتَ تفصيلا أكثر عن العصبة وتكوينها وأعضائها فإنّك تجد في مقال لقدري القلعجي منشور في عدد نوفمبر 1950 من مجلة (الأديب) البيروتية، وعنوانه (في دمشق عصبة للسّاخرين) .
* الحسين : طغى التّهكّم الجارح والنقد الاجتماعيّ الماكر المُوارِب على قصائد جريدة (الكلب)، وعلى صفحة (الآخرة) في جريدة ( الدّنيا)، وهيمن المستوى الدلاليّ على المستوى الفنيّ .
إلى أيّ حدّ يمكن أن نقول : إنّ ما نشرته صحافة الخمسينيّات بعامّة ( وطبعاً السّاخرة)، هو شعر لا يزال يحتفظ بقيمة راهنة ؟ وما الوظائف التي كان ينهض بها مثل هذا الشّعر ؟
* العجيلي : السّخرية في صحافة الخمسينات، على علوّ قيمتها الفنيّة وشدّة لذعها، كان الاطّلاع عليها محصوراً بقرّاء صحف تلك الأيّام الذين ما كانوا كثيرين، على الرّغم من أنّهم يمكن أن يعتبروا نخبة المجتمع من النّاحية الثقافيّة أيّامذاك .
والشّعر، ولاسيّما ما نُشِر في جريدة الكلب، وقد ظهر أغلبه في كتاب بعد ذلك، تظلّ له قيمته ونكهته، وإنْ كان من سخِر بهم ذلك الشّاعر قد زالوا، وخلفهم أناسٌ أدعى إلى أن يُسخَر منهم، ولكنّ ظروف المجتمع الحاليّ لم تعد تسمح بان تُوجَّه إليهم السّخرية التي كانت تُوجَّه إلى أسلافهم. هي الظّروف وليس انعدام المواهب السّاخرة عند كتّاب اليوم .
أمّا عن الوظائف التي كان ينهض بها ذلك الشّعر، فإنّها ليست وظائف معيّنة. كانت إبداعاً أدبيّاً محضاً مُستوحَى من تناقضات الحياة التي كانت تسمح بإبداع شعر ذي قيمة فنيّة محدّدة أترك للدارسين مهمّة تحديدها ودراستها .
إحالات :
(1) عُقد المهرجان الأول للقصة الساخرة في سورية في المركز الثقافي العربي بطرطوس في صيف عام 1997 ( بدءاً من 18/5 وحتّى 21/5/1997) ،واشترك فيه: نبيل سليمان، ومحمود موعد، وصلاح صالح، ويوسف أحمد المحمود، ومالك صقّور، ورضوان القضماني، وغسان كامل ونوس، وأنيس إبراهيم، وعبدالحميد يونس، وخطيب بدلة، وتاج الدين الموسى، وأحمد عمر، ونجم الدين سمّان، وحسن.م يوسف، وأحمد عزيز الحسين، وأسهمت في تقديمه القاصّة رباب هلال، وأشرف عليه كاتب هذه السّطور.