تل أبيب – بيروت – الناس نيوز ::
إندبندنت عربية – تفصل بينهما 3 خطوط غير مستقرة هي الحدود الدولية والخط الأزرق والسياج التقني وثمة 3 محاور تاريخية للتقدم
تحكم الجوار اللبناني مع إسرائيل ثلاثة خطوط جغرافية وترسيمية وتقنية هي بمثابة حدود متحركة ظلت مدار نزاع دائم بينهما، إذ طالما حركت إسرائيل هذه الحدود وفق نشاطاتها العسكرية والأمنية وتحت عناوين مختلفة، مرة لمنع وصول المقاتلين الفلسطينيين ونيران أسلحتهم من الجهة اللبنانية نحو جنوب نهر الليطاني ومن ثم نحو منطقة الجليل، ومرات لمنع وجود مقاتلي “حزب الله” وأسلحتهم في مناطق قريبة من الحدود، لا سيما جنوب الليطاني، وكانت في كل مرة تتقدم مخترقة الحدود اللبنانية إلى مساحات مختلفة بلغت ذروتها عام 1982، حين اجتاحت لبنان وصولاً إلى عاصمته بيروت وإلى أجزاء من شماله وبقاعه.
لم تكتف إسرائيل بالاختراق العسكري والأمني للحدود الرسمية اللبنانية، بل اقتطعت بالاحتلال وفي مراحل عدة أجزاء من الأراضي اللبنانية وحولتها إلى مناطق أمنية وعسكرية تحت حجة حماية حدودها ومستعمراتها القريبة من الأراضي اللبنانية، ومنها مناطق الجليل، وكان لبنان يلجأ في كل مرة إلى مجلس الأمن للمطالبة باستعادة أراضيه المحتلة، ولم يتحقق ذلك إلا عام 2000 عندما انسحبت إسرائيل من جنوب لبنان، لكنها تركت بعض النقاط العالقة التي تعتبرها الدولة اللبنانية أملاكاً وطنية وجبت استعادتها، مثل “مزارع شبعا” والأجزاء اللبنانية من قرية “الغجر”، ونحو 13 نقطة عالقة بين أعالي “كفرشوبا” شرقاً و”الناقورة” غرباً تتوزع على مساحة 120 كيلومتراً، هي امتداد الخط الأزرق.
تبلغ المساحة التي اقتطعها الخط الأزرق من لبنان لمصلحة إسرائيل نحو 485 ألف متر مربع، بينما تصل مساحة الخروقات الإسرائيلية الدائمة على حدود لبنان الجنوبية إلى قرابة 17 ألف متر مربع.
الخطوط الحدودية
كما أسلفنا، ثمة ثلاثة خطوط حدودية غير مستقرة تفصل بين لبنان وإسرائيل، تأتي في طليعتها الحدود الدولية، وهي كناية عن خط الحدود المعترف بها دولياً بين لبنان وفلسطين (قبل أن تصبح إسرائيل).
تم تحديد هذا الخط عام 1923 كخط فاصل بين النفوذ الفرنسي (لبنان) والنفوذ البريطاني (فلسطين) نتيجة عمل لجنة فرنسية–بريطانية ترأسها من الجانب الفرنسي المقدم بوليت Paulet ومن الجانب البريطاني المقدم نيوكومب Newcomb.
وتم تأكيد هذا الخط في اتفاقية “الهدنة” بين لبنان وإسرائيل عام 1949، إذ جاء في (المادة الخامسة) منها “يتبع خط الهدنة الحدود المعترف بها دولياً”.
في الـ14 من أغسطس (آب) 1967، أعلنت إسرائيل إسقاط الهدنة مع لبنان ومع غيره من الدول العربية، وامتنعت عن حضور اجتماعات لجنة الهدنة المشتركة، على اعتبار أن الاتفاقية أضحت لاغية، وأعلنت أنها ملتزمة فقط باتفاق وقف النار، وفي الوقت نفسه رفضت الأمم المتحدة التصريحات الإسرائيلية، وأعلنت أن اتفاقية الهدنة لا تزال قائمة.
الخط الأزرق، هو خط يبلغ طوله 120 كيلومتراً وضعته الأمم المتحدة بعد الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000، لتأكيد هذا الانسحاب، ويتطابق الخط الأزرق مع خط الحدود الدولية في قسم كبير منه، لكن توجد فوارق في عدد من الأماكن بلغت 13 فارقاً، مما جعل لبنان يتحفظ على الخط الأزرق في هذه المناطق.
السياج التقني، هو سياج مجهّز بوسائل إلكترونية أقامه الجيش الإسرائيلي بمحاذاة الطريق الذي تسلكه دورياته على طول الخط الأزرق، يتطابق معه في بعض الأماكن ويخرقه في عدد من النقاط، كما أنه يبتعد عنه في أماكن مختلفة بحسب طبيعة الأرض ولمسافات قد تصل أحياناً إلى 200 متر.
بات معظم المواطنين اللبنانيين، لا سيما الجنوبيون منهم يعرفون أن السياج التقني ليس الخط الأزرق، وذلك من خلال حملات توعية قام الجيش اللبناني بالتعاون مع “اليونيفيل” لتوضيح هذا الأمر، وللتدليل على حق لبنان في هذه الأراضي المسلوبة من قبل إسرائيل.
خط اشتباك ساخن
بقي الخط الأزرق منذ ترسيمه عام 2000 إضافة إلى نقاط خلافية جديدة في 2006 خط اشتباك ساخن بين القوات الإسرائيلية ومقاتلي “حزب الله”، وتخرقه إسرائيل باستمرار، إذ اجتاحت لبنان في عدد من العمليات، ولو بصورة محدودة، أبرزها اشتباك عام 2012.
وفي ديسمبر (كانون الأول) 2018 شهدت المنطقة توتراً، على إثر إصرار إسرائيل مواصلة بناء جدار خرساني فاصل في المنطقة الحدودية بين البلدين، في خطوة اعتبرها لبنان “مساساً بالسيادة الوطنية”، مما أدى إلى تصاعد التوتر واستنفار أمني من الجانبين.
وعادت مسألة الخط الأزرق إلى الواجهة من جديد في صيف 2023، وجلبت توتراً أمنياً متصاعداً بسبب محاولات القوات الإسرائيلية إنشاء جدار إسمنتي في المنطقة، ووضعت سياجاً شائكاً وجداراً إسمنتياً حول كامل قرية “الغجر” السورية التي تتمدد في ثلثيها على أراض لبنانية.
يعتبر لبنان هذا العمل احتلالاً وخرقاً للقرار (1701) وأعلنت قوات “اليونيفيل” أن إسرائيل و”حزب الله” ارتكبا انتهاكات عدة، خرقاً للالتزامات الدولية على خط التماس وما بعده.
القرى الحدودية المباشرة
تنتشر عشرات القرى والبلدات الجنوبية على امتداد ما يسمى جنوب نهر الليطاني الذي يفصل هذه المناطق عن شمالها ابتداء من البقاع مروراً بمناطق حاصبيا ومرجعيون وبنت جبيل وصولاً إلى صور.
وكانت هذه البلدات، جنوب النهر، أكثر عرضة للمد والجزر الإسرائيليين، في تقدمه نحو الأراضي اللبنانية الجنوبية أو انكفائه، لكن ثمة مجموعة من هذه البلدات عانت كثيراً هذا الجوار، نظراً إلى ملاصقتها التامة للحدود الفاصلة بين الجهتين، وكانت في كل مرة تتقدم إسرائيل نحو لبنان احتلالاً أو “انتقاماً” تتعرض هذه البلدات أكثر من غيرها إلى تهجير أبنائها وتدمير منازلها ومؤسساتها ومتاجرها، تماماً مثلما حصل منذ نحو عام، منذ الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، إذ دمرت إسرائيل أكثر من 25 في المئة من مساكن هذه القرى ومؤسساتها وثرواتها الحرجية والزراعية والاقتصادية.
تمتد القرى اللبنانية الملاصقة للحدود بصورة مباشرة من “الناقورة” غرباً وصولاً إلى مرتفعات “كفرشوبا” و”شبعا” شرقاً وهي، الناقورة (ويقع فيها المقر العام للأمم المتحدة منذ عام 1978)، علما الشعب، الضهيرة، يارين، البستان، مروحين، رامية، عيتا الشعب، رميش، يارون، مارون الراس، عيترون، بليدا، ميس الجبل، حولا، مركبا، العديسة، كفركلا، الخيم، الوزاني، العباسية، الماري، المجيدية، (مزارع: حلتا، بسطرة وسدانة)، كفرشوبا، وشبعا.
يبلغ عدد القرى والبلدات الجنوبية التي كانت تحت الاحتلال الإسرائيلي المباشر بين 1978 و2000، 125 قرية، يضاف إليها 33 قرية أخرى كانت تحت سلطة ما يسمى بـ”جيش لبنان الجنوبي”، وكانت جميعها تتبع إدارياً سبعة أقضية هي، صور، بنت جبيل، مرجعيون، حاصبيا، البقاع الغربي، النبطية، جزين، أي بين جنوب الليطاني وشماله.
جنوب الليطاني
بعد حرب يوليو (تموز) وأغسطس (آب) 2006 وصدور القرار الدولي (1701)، تقرر نشر وحدات من الجيش اللبناني في قطاع جنوب الليطاني إضافة إلى مناطق في قضاءي حاصبيا ومرجعيون، وذلك في الـ20 من يناير (كانون الثاني) 2007 وأطلق على هذه القوة “الجيش اللبناني- قطاع جنوبي الليطاني”، ومن مهماته “تنفيذ قرارات القيادة، والتخطيط والإشراف على عمليات الدفاع عن الحدود اللبنانية ضد الاعتداءات الإسرائيلية”.
في الأول من مارس (آذار) 2007 انطلق العمل في القطاع “الذي تتبع له عملانياً جميع الألوية المنتشرة فيه (وهي الألوية: السادس، الـ10، الـ11 والـ12) وجهاز الارتباط بين قيادة الجيش اللبناني وقوات الأمم المتحدة الموقتة في لبنان. ترتبط هذه الألوية الأربعة بقائد القطاع عملانياً، وأي عمل عسكري عملاني في أي منها كالدوريات والتمركز، وكذلك العمل على مراقبة ومتابعة الخط الأزرق، كأي خرق له مثلاً، تمر جميعها بقيادة القطاع.
تردد أخيراً أن قيادة الجيش اللبناني ومع إعلان إسرائيل نيتها تنفيذ عمليات لقواتها داخل المناطق الجنوبية القريبة من الحدود قام بسحب حواجزه ونقاطه، خصوصاً بعد سقوط عنصرين من الجيش في اليومين الأخيرين في منطقة الوزاني الحدودية وقرب مشغرة في البقاع (وآخر في الطيبة- مرجعيون اليوم الخميس)، لكن قيادة الجيش نفت هذا الخبر وقالت في بيانها الصادر أول من أمس الثلاثاء أن “بعض وسائل الإعلام تناولت معلومات غير دقيقة حول انسحاب الجيش من مراكزه الحدودية الجنوبية كيلومترات عدة في ظل تحضيرات العدو الإسرائيلي لتنفيذ عملية برية داخل الأراضي اللبنانية”. وأوضحت أن “الوحدات العسكرية المنتشرة في الجنوب تنفذ إعادة تموضع لبعض نقاط المراقبة الأمامية ضمن قطاعات المسؤولية المحددة لها.” مشيرة إلى أن التعاون والتنسيق مع قوات الأمم المتحدة الموقتة “اليونيفيل” مستمر.
محاور “توغل” تاريخية
ثمة محاور محددة تتوغل من خلالها القوات الإسرائيلية البرية إلى الأراضي اللبنانية تفرضها جغرافية المناطق الحدودية بين لبنان وإسرائيل، منذ الاجتياح الأول عام 1978 (عملية الليطاني)، و1982 (سلامة الجليل)، و1993 (تصفية الحساب)، و1996 (عناقيد الغضب)، و2006 (حرب يوليو)، وهي تتوزع على ثلاثة محاور رئيسة، هي الغربي والأوسط والشرقي.
حول ما جرى من مواجهات قرب الحدود يقول العميد الركن المتقاعد في الجيش اللبناني حسن بشروش، الذي شغل موقع رئيس الفريق اللبناني لترسيم الحدود ورئيس اللجنة الثلاثية التقنية لترسيم الحدود (بين 2006 و2017)، “لقد حاول الإسرائيليون التقدم من ثلاث نقاط، هي تلة العديسة، وتلة مارون الراس، ويارون، من بوابات قريبة، وجهزوا لهذا الأمر قوات من النخبة بغية اختبار احتكاك ورد فعل الجهة المقابلة إذا كانت ستقاوم أو تتصدى، لكن بمجرد دخول القوة الإسرائيلية من البوابة وقبل الدخول إلى الحدود تمت المواجهة ووقعت الإصابات. حاولوا من جهة مارون الراس، ومن يارون، لكن كل الأمكنة التي حاولوا منها جوبهوا بمقاومة عنيفة، وهذا إن دلّ فعلى أن كل بلدة في الجنوب ستكون فيها مقاومة مماثلة من أبناء هذه القرى وأبناء الجنوب”.
ويضيف العميد بشروش، “من يعرف طبيعة الأرض ومحاور التقدم العسكري والمعنويات المنهارة للجيش المتوغل ونمطه الأمني والعسكري، يعلم أن ثمة ثلاثة محاور رئيسة وتاريخية يتقدم من خلالها العدو نحو الأراضي اللبنانية، المحور الغربي، وهو محور الناقورة من خلال الطريق العام ويتحضر عادة للدخول من خلاله بقصف مدفعي كثيف بغية تدمير كل قوة يمكن أن تكون في الناحية المقابلة على خط التقدم، والمحور الأوسط بحسب التسمية العسكرية والجنوبية، هو محور بنت جبيل باتجاه تبنين وقرى القضاء، ويتقدم العدو إليها من رميش ومارون الراس ويارون. والمحور الثالث هو المحور الشرقي، أو محور مرجعيون، ويبدأ من العديسة وكفركلا وسهل الخيم والوزاني، وهذه هي المحاور التي كان الجيش الإسرائيلي يعتمدها دائماً”.
ويشير إلى أن القوات المواجهة تجري ما يسمى “اكتنافاً” في بعض الأحيان كما جرى في اجتياح 1982، إذ تقدمت قوات إسرائيلية من مرتفعات البقاع ووصلت إلى الباروك ومنها إلى بيروت بموازاة الدخول من الجنوب، لكن جميع هذه المحاور اليوم جاهزة للتصدي إذا حصل أي تقدم بري وسوف يتكبد المهاجمون خسائر جسيمة. لقد بدأت المعركة وأثبتت الكمائن فاعلياتها في العديسة، وفي تلة المحافر، ومارون الراس، والنقطة 44 قرب الحديقة العامة، وعيترون، والكيلو 101، وكلها محاور مقاومة”.
الجيش في الجنوب
ينفي العميد بشروش أن يكون الجيش اللبناني قد تخلى عن مواقعه جنوب نهر الليطاني، ويقول “هذا كلام غير دقيق، الجيش منتشر في الجنوب بمجموعات عسكرية وكتائب وألوية وأفواج، تتبع كلها لقطاع جنوب الليطاني ومقره في مدينة صور.
هذه القوى مسؤولة عن مراقبة الحدود من الناقورة إلى شبعا، لم تنقص، يمكن أن تكون هناك سرية ما لديها مركزان في الخلف وثلاثة في الأمام ووحدت مركزها كي لا تشتت أفرادها إذ ما حصل أي هجوم.
لا سرية أو كتيبة أو لواء إلا وبقيت في مراكزها الرئيسة وضمن المسؤوليات المناطة بها بالتعاون مع قوات الأمم المتحدة المنتشرة جنوب الليطاني”.
ويؤكد العميد بشروش، “ليست جميع مناطق وقرى التخوم هي محاور تقدم للعدو، هناك محاور ثابتة يمكن أن يدخل منها بآليات كبيرة، ربما هناك بعض الطرق والبوابات المتفرعة في بعض الوديان لكنها غير مؤهلة لدخول قوات أو آليات كبيرة.
كل المحاور صعبة، لكن أسهلها المحور الغربي الساحلي، وكلما توجهنا صعوداً تصبح الصعوبة أكبر، مع العلم أن جيش العدو ومنذ بداية الحرب في الثامن من أكتوبر 2023، استهدف القرى الأمامية من الناقورة حتى شبعا وكفرشوبا، ودمر من منازلها ما نسبته بين 20 و25 في المئة مع تهجير سكانها تحضيراً لأي عمل قد يفكر أن يقوم به، لكن ذلك لا يمنع وجود مقاومة في كل قرية وبلدة”.
المزارع المحتلة
بين عامي 1948 و1968، كانت المنطقة هادئة إجمالاً عدا بعض عمليات القضم التي مارستها إسرائيل على الحدود، إذ كانت تزيح العلامات الحدودية 20 متراً هنا و50 متراً هناك، وتتعدى على الأراضي الزراعية المجاورة.
ومن ضمن الأراضي اللبنانية التي لا تزال تحت السيطرة الإسرائيلية “مزارع شبعا” وهي منطقة تصل مساحتها إلى ما يقارب 250 كيلومتراً. وقد أقدمت إسرائيل على قضم هذه المزارع بصورة تدرجية، فأولى المراحل كانت في الخامس من يونيو (حزيران) 1967. ثم تابعت إسرائيل في السبعينيات من القرن الماضي السيطرة على قسم من المزارع. وفي أواخر السبعينيات حازت قسماً آخر، وتتابعت العمليات للأجزاء الأخرى في الأعوام 1982 و1985 و1989.
تتبع “مزارع شبعا” إدارياً قضاء حاصبيا، ويبلغ عدد مزارعها 14 مزرعة تسكنها 1200 عائلة بصورة دائمة و600 عائلة في موسم الشتاء، وفيها ملكية لأكثر من 1000 عائلة أخرى. ويبلغ عدد المنازل الموجودة فيها 1458 منزلاً.
وتنتشر “مزارع شبعا” في موقع جغرافي ذي أهمية إستراتيجية بالغة على ملتقى الحدود بين لبنان وسوريا وفلسطين. وتتميز هذه المنطقة بقممها الجبلية العالية التي تصل إلى حوالى 2600 متر والمطلة على هضبة الجولان وسهل الحولة والجليل وجنوب لبنان وسهل البقاع.