غادة بوشحيط – الناس نيوز ::
قليلة هي علاقات الصداقة التي ربطت وتربط بين مشتغلين بالأدب و”سوبر ستارز” الموسيقى العالمية، رغم التحولات العميقة التي يعرفها عالم الأدب مجملاً، متأثراً بتحولات الأسواق، أزمات العالم المتلاحقة، وإيقاع الحياة الإنسانية المتسارع الذي يبدو أكثر ما يدفع باتجاه إنتاج أدبي أكثر غزارة، أقل حجماً، وأكثر تركيزاً، تمكن من الصمود حتى وقت قريب عكس الموسيقى التي كانت عرابة لتصنيع الفنون.
يعود طيف غابرييل غارسيا ماركيز هذه الأيام مرغماً ليخيم على الأذهان، في خضم الجدل الكبير الذي أثارته ولا تزال الحسناء الكولومبية شاكيرا مبارك، بعد انفصالها الصاخب عن أب ابنيها، ونجم كرة القدم جيرارد بيكيه، واحتفالها بعيد مولدها السادس والأربعين، الذي خلدته بأغنيتها “الثأرية « music session » التي تراجعت إلى المرتبة الثانية في نسب المشاهدات على منصة “يوتيوب” بعد شهر من تصدرها للتريندات، محققة أزيد من ثلاثمئة مليون مشاهدة، هي التي ربطتها علاقة صداقة مميزة مع صاحب النوبل في الآداب لسنة 1967 ، صداقة بدأت بمقال مطول كتبه غابو في مديح مواطنته وهي بعمر الثانية والعشرين بالكاد، وقد تحولت لإحدى أيقونات موسيقى البوب العالمية، وظلت قائمة حتى أيام ماركيز الأخيرة، إذ كانت أصيلة “بارنكيلا” أحد المبجلين الذين حظوا بزيارة رائد الواقعية السحرية في أيامه الأخيرة بمكسيكو.
في المقال الذي غدا أحد النصوص الأكثر تأثيراً في مسيرة شاكيرا مبارك وصفها ماركيز بـ”الشهوانية البريئة”، قبل أن يتوقف عند ميزاتها الكثيرة من حب للكتب، تميز الصوت، العمل الدؤوب، الإبداع، الأمر الذي حثه ربما بعد سنوات من ذلك لدعوتها للمشاركة في كتابة سيناريو فيلم “الحب في زمن الكوليرا”، الذي أنتجته هوليوود، بعد عقود من العلاقات المضطربة بين المثقف اللاتيني وبلاد العم سام، ولم ينته الأمر هنا مع صاحبة أجمل “سرة في العالم” بحسب غابو إذ أدت أغنيتين في هذا الفيلم.
لكن المتابع لمسيرة الشقراء اللاتينية، سيتوقف ضرورة عند عمل خالد آخر لغابرييل ماركيز وروايته التي نال عنها جائزة نوبل: “مئة عام من الوحدة”، وتحديداً عند شخصية “ريبيكا” التي سيبدع رائد الواقعية السحرية في اختراع عوالم عجائبية لها. ف”ريبيكا” هي ابنة “أورسولا” وزوجها بالتبني، تحط بقرية “ماكوندو” التي لم يعرف قبلها أهلها الموت، ذات يوم لوحدها تجر خلفها حقيبة بها رفات والديها، تتكلم لغة غير لغتهم، تأكل التراب، مصابة بوباء ” الأرق الدائم” الذي سرعان ما سيصيب جميع أطفال القرية قبل أن ينتقل إلى البالغين.
تكبر “ريبيكا” وتنتظر سنين طوالاً حتى تجتمع الظروف التي تخولها الزواج أخيراً بخطيبها الإيطالي الفنان المرهف “دون كريسبي”، قبل أن تغرم بشقيقها بالتبني “خوسي أركاديو” ذي العضلات القوية، والقامة الفارعة، لا يعرف غير استخدام عضلاته لكسب قوته، ليتزوجا ويتخذا بيتا على تخوم “ماكوندو”. تستمر مغامرات الثنائي طويلاً، خصوصاً وأن الرواية تحكي قصة أجيال من سكان الضيعة المتخيلة. قارئ “مئة عام من الوحدة” هذه الأيام سيشعر بالاضطراب وهو يتابع سيرة “ريبيكا” تحديداً، التي ستحافظ على عادة مص إبهامها في أشد المواقف إثارة للارتباك والقلق، والشبه الكبير بينها وبين صديقة “غابو”، وسيرتها.
حتى أننا نكاد نتساءل: ألم تكن في النهاية شاكيرا تخليقاً للشخصية التي ولدها خياله قبل أن تولد هي بمدينة غير بعيدة عنه أزيد من عقد كامل بعدها؟ خصوصاً وأن ولعه بمواطنته يبدو منطلقاً من شخصيتها هي، ومن تأثيرها، لا من موسيقاها، ولا من فنها، فجل ما كتبه ماركيز حولها، تمحور حول شخصها، إعجاباً بتطورها داخل صناعة لا تعترف سوى بالعمل الكثير، لا بموسيقاها التي لم يشر إلى عنوان وحيد من عناوين أغانيها الكثيرة، ولم يعلق على خيار موسيقي وحيد لها.
لم تحول “مئة عام من الوحدة” إلى فيلم سينمائي، بل إلى مسلسل من إنتاج نتفليكس، سنة بعد وفاة كاتبها، بعد أن باع ورثته (ابناه) حقوقها للمنصة الأشهر، واشتغلا منتجين منفذين لها، غير أن السلسلة لم تلق رواجاً، ربما لأن عوالم أدب “غابرييل غارسيا ماركيز” وعوالم ال “مينستريم/mainstream ” لا تلتقيان إلا على مستوى العلاقات الإنسانية.