د. خالد عبد الكريم – الناس نيوز:
اطلعت على دراسة مسهبة وضعها الباحث اليمني الأستاذ عبد الكريم غانم عن ” الوعي السياسي في المجتمع اليمني” حيث تتميز الدراسة بأسانيد ووثائق وتحليلات مأخوذة عن كبار علماء الاجتماع كابن خلدون، ومحمد جابر الأنصاري، وعن المؤرخين اليمنيين أمثال الأديب والشاعر الكبير عبد الله البردوني، والمؤرخ المناضل سعيد أحمد الجناحي، وأستاذ علم الاجتماع في جامعة صنعاء د. فؤاد الصلاحي.
الباحث اليمني عبد الكريم غانم في الدراسة التي صدرت عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات أسهب في استعراض المحددات الاجتماعية والثقافية والفكرية في المجتمع العربي لتصل إلى 116 صفحة، بعدها تحدث عن الوعي السياسي في المجتمع اليمني أي من الفصل الثالث من الدراسة، كان الولوج في قضايا اليمن عبر البوابة الشطرية لكل شطر على حدة وصولا إلى دولة الوحدة.
الباحث غانم كان موفقا في ربطه بين المكونات الاجتماعية والسياسية في اليمن وتأثيرها في الثقافة السياسية.
تناول البحث الصراع في جنوب اليمن منذ نشوء الحركات الثورية إلى الاقتتال بين الجبهة القومية وجبهة التحرير وإعلان جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية، والتحديات التي عصفت بالجبهة القومية ذاتيا وموضوعيا.
من وجهة نظري أن الباحث وقع في مصيدة المصطلحات التي لا تصيب دائما، خاصة عند تناوله البنية الاقتصادية للنظامين الشطريين في اليمن قبل الوحدة حيث اعتبر أن ما كانت تعرف بالجمهورية العربية اليمنية اعتمدت أسلوبا توفيقيا بين فلسفة رأسمالية كأسلوب للتنمية وبين ممارسة قبلية تقليدية في تحديد تلك الفلسفة ، ووصف الباحث جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية بأنها طبقت السياسة الاشتراكية العلمية.
وفي اقتباس آخر للباحث في حديثه عن ملامح الاقتصاد اليمني كشف أن اليمن تصنف ضمن الدول المتخلفة اقتصاديا لسيطرة الملامح الرئيسية للتخلف و اعتماد الاقتصاد على النشاط الزراعي البدائي وتأخر أساليب الإنتاج. ( هذا فيما يتعلق بالشطر الذي وصفه بالرأسمالي).
أما عن الشطر الذي طبق الاشتراكية العلمية فيذكر الباحث أن البنى الاقتصادية في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية سابقا تعرضت لضعف في عملية التحديث وتدهور القطاع الزراعي وباقي القطاعات الأخرى، واتسمت البنية الاقتصادية بالهشاشة، وأن الاقتصاد في اليمن الديمقراطي لم يكن متوازنا، معتبرا ذلك سببا للنزعات المناطقية وارتماء الأفراد في أتون الهويات الضيقة، بدلا من الاكتفاء بالهوية الوطنية.
الدراسة أنصفت دولة الوحدة الجمهورية اليمنية عند تطرق الباحث لملامح النظام الاقتصادي وأثرها في عملية تبلور الوعي السياسي حيث يعترف الباحث بأن الجمهورية اليمنية قامت بإنجازات هامة في مجال الخدمات التعليمية والصحية والهياكل التحتية وبناء المؤسسات، ويستطرد الباحث عبد الكريم غانم بالقول: لكن هذه الحداثة توازت مع استمرار الطابع التقليدي والثقافة القبلية وسيادة النمط الاقتصادي العائلي أو القبلي في الجمهورية العربية اليمنية وفرضه على دولة الوحدة.
تناول الباحث عبد الكريم غانم الدولة الشطرية وعلاقتها بالمجتمع المدني وعمل على تحليل كيفية تعاطي الدولة الشطرية مع الركائز الأساس للثقافة السياسية، سيادة القانون، المواطنة، الديمقراطية، مستوى الوعي السياسي لدى المرأة اليمنية ومدى القبول بمشاركتها السياسية.
الدراسة تحلل تداخل الماضي في الحاضر حيث يرى الباحث غانم ” طبيعي أن تظل عيون أغلبية أفراد المجتمع مشدودة إلى الماضي تنتظر منه الفرج”.
ذلك التعلق بالماضي بحسب الباحث مرده ضعف برامج التنمية الاجتماعية التي قدمت للمواطن نموذجا مشوها من الحداثة ليظل تعثر برامج التنمية مبررا لعدم انهيار النظام القديم انهيارا تاما ، فالموروث الثقافي من القوة والعمق بحيث يصعب تجاوزه في الواقع العملي وإن تم تخطيه نظريا.
الفصل الرابع والخامس شملا خصائص أكاديمية لفئات من المبحوثين من طلاب جامعة صنعاء في 130 صفحة تقريبا.
الدراسة البحثية التي بذل كاتبها جهدا يدل على اطلاع وقدرة على التحليل في علم الاجتماع السياسي، توقفت زمنيا وثورة الربيع العربي 2011م، لم يتناول التطورات التي أعقبت ذلك الحراك السياسي، على الرغم من أن الدراسة نشرت في عام 2016م .
كان أجمل لو تناولت الدراسة بالتحليل مبادرة دول مجلس التعاون الخليجي للتسوية السياسية في اليمن وآلياتها التنفيذية والتي وقعت في 23 نوفمبر 2011م قبل خمسة أعوام من نشر الدراسة في طبعتها الأولى.
كان أجمل أيضا لو عملت الدراسة على تحليل وبحث تأثيرات مؤتمر الحوار الوطني الشامل والوثيقة الهامة التي صدرت عنه في 2014م وتضمينها هذه الدراسة القيمة باعتبارها تتويجا للوعي السياسي في المجتمع اليمني.
وهناك مسودة متداولة منذ 2014م لدستور اليمن الاتحادي الجديد كنت أتمنى أن تتطرق إليها الدراسة بالبحث والتحليل من منظور علم الاجتماع السياسي، لتبيان مدى الوعي السياسي الذي بلغه المجتمع اليمني إن لم يحتكم للسلاح .