معهد كارنيغي – عصام القيسي – الناس نيوز :
حقّق طلاب علمانيون مستقلون انتصارات مدوّية في الانتخابات التي شهدتها جامعات لبنانية عدة. وبما أن الانتخابات الجامعية في لبنان تشكّل مؤشّرًا على ما يمكن أن تؤول إليه الانتخابات النيابية المقبلة، ينبغي على كل من يسعى إلى تغيير السلطة السياسية القائمة أن يقرأ بتمعّن نتائج الانتخابات الراهنة.
وكتب الباحث اللبناني عصام القيسي في مقالة نشرها معهد كارنيغي إن المرشحين الذين يعرّفون عن أنفسهم كعلمانيين مستقلين حصدوا عددًا كبيرًا من مقاعد المجالس الطالبية في كلٍّ من الجامعة اللبنانية الأميركية، والجامعة الأميركية في بيروت، وجامعة القديس يوسف، وغيرها. اعتنق هؤلاء الطلاب هوية سياسية “علمانية” تتعارض بشكل قاطع مع النظام السياسي اللبناني القائم على المحاصصة بين الطوائف الكبرى في البلاد.
ويعتبر الطلاب العلمانيون أن أصل الأزمة السياسية والاقتصادية التي يعانيها لبنان يُعزى إلى النظام الطائفي، ويرَوْن أن العلمانية، التي يعرّفونها بأنها فصل الدين عن الدولة، تعبّد المسار الوحيد نحو الإصلاح الحقيقي. تبنّى هؤلاء الطلاب شعارات عدة من بينها “قاومنا النظام”، ذلك أنهم يحمّلون النظام القائم لائمة الانهيار الاقتصادي في البلاد، ومسؤولية الانفجار الضخم الذي دمّر مرفأ بيروت وعشرات شوارع العاصمة في 4 آب/أغسطس الفائت.
إضافةً إلى حجم الانتصارات التي حصدها الطلاب العلمانيون في الانتخابات الجامعية، كان مُلفتًا إعلان الكثير من أحزاب السلطة انسحابها من السباق الانتخابي في جامعات عدة قُبيل تاريخ الاستحقاق.
ففي جامعة القديس يوسف، إحدى أعرق الصروح التعليمية في لبنان، والتي أسّسها الرهبان اليسوعيون في العام 1875، فازت لائحة “طالب” المستقلة بـ39 مقعدًا (من أصل 101 ترشحت عليها) بالتزكية حتى قبل البدء في إدلاء الأصوات، وذلك لأنها ببساطة لم تلقَ منافسة من أحد، على عكس السنوات السابقة حين كانت تُخاض منافسات شرسة على هذه المقاعد. وهكذا، بلغ مجموع المقاعد التي حصدتها لائحة “طالب” 85 مقعدًا، كما فازت برئاسة جميع الكليّات التي خاضت السباق عليها، وهي اثنتا عشرة كليّة.
أما في الجامعة الأميركية في بيروت، فقد أصدرت النوادي الطالبية التابعة لأحزاب السلطة بيانات أعلنت فيها مقاطعة الانتخابات هذه السنة بحجة عدم انتظام العام الدراسي نتيجة وباء فيروس كورونا، ومُشكِّكةً في فعالية التصويت الإلكتروني. لكن الفوز الكاسح الذي حقّقه الطلاب العلمانيون وقرار الانسحاب من الانتخابات يشيران إلى رفض شرائح واسعة من الشباب اللبنانيين أحزاب السلطة.
ومع أن هذه الأحزاب لطالما ركّزت على العمل الجامعي بحثًا عن كوادر مُحتملين، يبدو أن قرارها الاستراتيجي بمقاطعة الانتخابات نابعٌ من رغبتها في تجنّب الإذلال بعد أن فشلت في إقناع عدد كافٍ من الطلاب بالانضمام إلى صفوفها.
تبعث هذه الانتصارات المتتالية الأمل في نفوس جميع من يتمنّى التخلّص من أحزاب السلطة، بانتظار كيف سيحوّل الطلاب انتصاراتهم إلى حركة وطنية قادرة على انتزاع غالبية مقاعد البرلمان. في الانتخابات الطالبية التي جرت في خريف العام 2017، كان الفوز المدوّي أيضًا حليف الطلاب العلمانيين. لكن، على الرغم من التفاؤل العارم آنذاك، لم تظهر النتائج نفسها في الانتخابات البرلمانية بعد بضعة أشهر في العام 2018.
لكن الطلاب العلمانيين الشباب متفائلون بأن ما ستحمله السنوات المقبلة سيكون مختلفًا. فهُم يَعتبرون أن “ما بعد 17 تشرين الأول/أكتوبر ليس كما قبله”، في إشارة إلى الثورة الشعبية التي اندلعت في العام 2019 ضدّ النظام السياسي اللبناني وقادته الطائفيين.