[jnews_post_author ]
كان حسني الزعيم يعاني من مرض السكري، إضافة لعدة أمراض أخرى، وخلال فترة حكمه القصيرة في سوريا، كان يتصل دوماً بطبيبه الخاص الدكتور مدني الخيمي، أحياناً في ساعات متأخرة من بعد منتصف الليل، للاستفسار عن دواء مُعين أو لكي يشكو علّة ما. سئم الدكتور الخيمي من اتصالات الزعيم المتكررة، ووضع له وصفة “سحرية” قال إنها كفيلة بحمايته من أي مكروه: تفاحة واحدة في الصباح الباكر. وردد على مسمعه العبرة الغربية الشهيرة: “An Apple a Day Keeps the Doctor Away.”
كانت مكانة الخيمي مُقدسة عند حسني الزعيم وقد تعامل الأخير مع نصيحته بمنتهى الجديّة، ولكنها طبعاً لم تنجح في حمايته من الموت، ليس بسبب أي مرض مُزمن بل رمياً بالرصاص بأمر من اللواء سامي الحناوي، فجر يوم 14 أب 1949. كثيرة هي قصص الأطباء مع رؤساء الدول، منهم الدكتور حسني سبح والرئيس شكري القوتلي مثلاً، الذي كان يُعاني من قرحة ونزيف في المعدة، ويستدعي طبيبه للتشاور كلّما لزم الأمر. كان سبح ظلّ القوتلي حيثما توجه وتنقل، وكانت لكلمته اليد الطولى في أي نشاط رئاسي، تعلو فوق أي نصيحة أمنية أو سياسية. الأمر لم يكن حكراً على السوريين بل على كل رؤساء وملوك العالم، الذين قرّبوا الأطباء منهم واستمعوا لهم بكافة الأمور، حفاظاً على صحتهم وعلى حياتهم.
ولكن يبدو أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب كان دوماً مخالفة لتك القواعد، فوحده بين رؤساء العالم استخف بكلام الأطباء، وأصر على عدم الوقاية من وباء كورونا، الذي أُعلن مؤخراً عن إصابته به هو وزوجته. فمنذ أن بدأ الكوفيد 19 بالانتشار والرئيس ترامب يتعامل معه بمنتهى السخرية، فيطالب مثلاً برفع الحظر عن المدن الأميركية ويُصر على تسميته “الوباء الصيني،” حتى أنه وخلال المناظرة الرئاسية الأخيرة، استخف بالمرشح الديمقراطي جو بايدن لأنه يرتدي الكمامة، قبل ساعات قليلة من إصابة الرئيس بكورونا. في الوقت الذي أصر ترامب على عدم ارتداء الكمامة الطبية كان الكثير من الشخصيات السياسية الأقل شأناً منه لا يظهرون في أي اجتماع إلا مع مراعاة التباعد الاجتماعي وهم يرتدون الكمامة، مثل إسماعيل هنية مثلاً وحسن نصر الله في اجتماعهما الأخير في بيروت بشهر أيلول الماضي.
يبدو أن ترامب لا يسمع النصائح، لا من أطبائه ولا من مستشاريه في التاريخ. ولو فعل، لكان سمع برجل يُدعى زاكاري تايلور، الرئيس الثاني عشر للولايات المتحدة الأميركية. كان تايلور، مثل ترامب، يتمتع بثروة فاحشة، جمعها من تجارة الرقيق. ومثل ترامب أيضاً، كان دخيلاً على عالم السياسة، لم يتسلّم أي منصب تشريعي أو تنفيذي بحياته، وليس له أي إنجاز سياسي يُذكر قبل انتخابه رئيساً للولايات المتحدة. أجمع حوله زعماء حزب اليمين (Whigs)، نظراً لضعف قياداتهم التاريخية يومها، تماماً كما حصل مع الجمهوريين قبل سنوات عندما قرروا ترشيح ترامب للرئاسة الأولى. الفارق بين ترامب وتايلور أن الأخير كان يتمتع بإحترام كبير في المجتمع الأميركي نظراً لدوره البارز في الحروب الأميركية المكسيكية، عكس ترامب الذي تهرب من الخدمة العسكرية خمس مرات.
ولكن المفارقة كانت في مدى التزام كل من هؤلاء الرؤساء بإرشادات الأطباء. الرئيس تايلور، مثل الرئيس ترامب، كان جبّاراً متعجرفاً، بعتبر نفسه معصوماً عن الخطأ والمرض. وقد شاخ وكبر في السن دون الدخول إلى أي مستشفى، نظراً لصلابة بنيته الجسدية، مما جعله يعتبر نفسه أقوى من أي مرض. وذلك وفي صيف العام 1850، تجاهل الرئيس تايلور نصيحة الأطباء وحضر نشاطا صيفيا في واشنطن، قام خلاله بتناول كمية كبيرة من الحليب مع فواكه يبدو أنها كانت غير طازجة، مما أدى إلى إصابته بإسهال شديد. نقل إلى المستشفى نتيجة هذا الإهمال، وتوفي يوم 9 تموز 1850، قبل إكمال شهره السادس في البيت الأبيض.
المرض لا دين له ولا يُفرق بين الكبير والصغير ولا بين الأمير والفقير. تايلور كان في الخامسة والستين من العمر يوم وفاته، أي أنه أصغر من ترامب اليوم بعشر سنوات. لا نعرف إن كان الرئيس الأميركي سينجو من الكورونا، فالعِلم عند الله وحده، ولكن المؤكد أنه ونظراً لسنه المتقدم، لن يكون علاجه سهلاً ولا سريعاً.
——————————————–
أمير سعادة