نينا عامر – الناس نيوز ::
توضيح : كل كتاب أو رواية لم نقرأها فالقراءة ستكون جديدة ، بغض النظر عن تاريخ الصدور ، وان كنا قد قرأناها ، فإن القراءة الثانية تلحظ زوايا مختلفة ومعالجة قد لا تكون لفتت انتباهنا في القراءة الأولى .
كتابة/ نينا عامر، كاتبة يمنية. رئيسة تحرير مجلة إيلداللأدب والإبداع النسوي

لا تنتهي الحروب ولا المعاناة بمجرد توقيع اتفاقيات سلام أو كتابتنا لقصص عنهم، لكنها شهادات حيّة على وجود الإنسانية رغم استمرار المأساة.
في رواية “دفاتر فارهو” للكاتبة العُمانية ليلى عبد الله، والصادرة عن منشورات المتوسط – ميلانو، نقرأ قصة رجل أربعيني في أحد السجون الأمريكية، حيث يَطلب منه الصحفي “كارل” أن يروي له قصته لتحويلها إلى فيلم وثائقي.
فيسلمه دفتر مذكّراته، الذي كتب فيه كل ما مرّ به منذ نزوحهم إلى مخيم بوصاصو وحتى وصولهم إلى المنفى.
ورغم مرور سنوات عديدة، فقد جاء في تقرير شبكة الأمن الغذائي في الصومال (FSNAU) في أبريل 2025، بحسب البحث الذي أجريته قبل كتابة هذا المقال، أن حوالي 3.4 مليون شخص في الصومال لا يزالون يعانون من انعدام الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي.
رواية “دفاتر فارهو” لكاتبتها ليلى عبد الله تسلّط الضوء على ظروف ومعاناة اللاجئين من مختلف الجنسيات والأعراق، بدءًا من بلدانهم حتى وصولهم إلى المنافي، حيث تبدأ مشكلات أخرى، ربما تكون أشدّ قسوة من مجاعة الجسد.
هذا العمل السردي الكثيف، ورغم كونه الرواية الأولى للكاتبة، يكشف عن قدرة واضِحة في استخدام أدوات السرد، ودقّة في تكوين شخصيات نشعر بآلامها بعمق، ونراها تمشي معنا من قسوة الحرب حتى القسوة النفسية التي لا تُرى.
من أبرز شخصيات الرواية: “عائشة”، الطفلة التي لم تتجاوز الحادية عشرة، والتي تُستغل جسديًا لتوفير مؤونة غذائية لعائلتها. قصتها لا تقلّ بشاعة عن حوادث الاغتصاب المتكررة التي شهدتها الصومال بعد سقوط الدولة. وكذلك شخصية “منغستو” أو “منصور”، الذي قرر مغادرة وطنه باكرًا إلى إحدى دول الخليج، وظل شبحًا يطارد تلك العائلة الصغيرة التي لم تكن تريد سوى حياة هادئة وبسيطة، بعيدًا عن الفوضى والجرائم التي اجترّ إليها الطفل الصغير بطل الرواية “فارح” أو “فارهو”، كما أسماه صديقه الباكستاني عبد الصمد.
الرواية لا تُعالج فقط ظروف الحياة اليومية القاسية التي يعيشها اللاجئين، بل تتطرق أيضًا إلى الجهل والتشدّد الديني، الذي يؤدي إلى مآسٍ لا تقلّ قسوة، مثل ما حدث مع والدة “قاسم” التي أُحْرِقَتْأمام طفلها فقط لأنها أحبّت الشِّعرْ. وهي حادثة ترمز إلى كمّ من الحكايات الواقعية، المتكررة حتى يومنا هذا، تحت أسماءٍ وأعذارٍ مختلفة. رغم كل المناشدات والشعارات التي ترفعها المؤسسات والمجتمعات في وجه العنف والجهل والتعصّب، تظل مأساة “فارهو” و”عائشة” ووالدة قاسم قائمة، تتكرر كل يومٍ بأسماءٍ أخرى وأمكنةٍ أخرى. لأن الكلمات لا تصنع وعيًا ما لم تُكسر بالفعل.
رواية شيقة تذكرنا بأن بعض الحكايات لا تُروى فقط بل لتبقى يقظة في الوعي.



الأكثر شعبية

بيرلا حرب ملكة جمال لبنان 2025


اليمن بين خلافات الداخل وضغوط الخارج
