ميديا – الناس نيوز ::
المجلة – عالية منصور – قد تضع الحرب أوزارها بعد أن تتوسع وتحرق ما بقي من هذه البلاد في الشرق التعيس، لكن ما أثبتته الحرب من بين أمور كثيرة، أثبتتها بالدم والنار، هو حجم الاختراق الإسرائيلي لمحور ما يسمى “الممانعة”، من طهران إلى بيروت مرورا بدمشق.
لم يتوقف يوما أصحاب هذا المحور عن اتهام كل من يعارضهم الرأي ويخالفهم العقيدة بالعمالة، ولكن لم يعد بإمكانهم مهما حاولوا أن يخفوا حقيقة أن العملاء من ضمن محورهم، وأن إسرائيل ما كانت لتحقق كثيرا مما حققته لولا اختراقها الأمني لهم.
اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الاسلامية “حماس” إسماعيل هنية داخل مقر إقامته في طهران، ليس الاختراق الوحيد من جهاز الاستخبارات الإسرائيلية، ولا اغتيال فؤاد شكر القيادي في “حزب الله” داخل منزل في ضاحية بيروت الجنوبية، ولكنهما حدثان أمنيان كبيران حصلا في أقل من 12 ساعة، وما كانا ليقعا لولا أن إسرائيل استطاعت أن تخرق هذا المحور وبيئته حتى النخاع. فشكر على سبيل المثال والذي يعد من أبرز الشخصيات العسكرية في “حزب الله” منذ تأسيسه قبل أكثر من 40 عاما، تتهمه الولايات المتحدة الأميركية بالضلوع بدور محوري في تفجير قوات مشاة البحرية الأميركية عام 1983 في بيروت والذي أسفر عن مقتل 241 عسكريا أميركيا. كما كانت واشنطن سابقا قد أعلنت عن مكافأة تصل إلى 5 ملايين دولار مقابل معلومات عنه، وفرضت عليه عقوبات بسبب دوره في مساعدة نظام الأسد في قتال السوريين، ورغم كل ذلك من استطاع الوصول إليه واغتياله بهذه الدقة هي إسرائيل، فهل كان اغتياله ممكنا لولا أن هناك من يمد إسرائيل بالمعلومات والإحداثيات من داخل الحلقة الضيقة لقيادة “حزب الله”.
اغتيال صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لـ”حماس” أيضا تم باستهداف مكتب في الضاحية الجنوبية لبيروت في يناير/كانون الثاني الماضي، وأيضا ما كان ليحصل لولا أن هناك من قدم معلومات لإسرائيل عن زمان ومكان وجوده.
عشرات الاغتيالات التي قامت بها إسرائيل منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول في لبنان لقياديين وعسكريين من “حزب الله” كانت بناء على معلومات لا شك أن “عملاء” من داخل حلقة ضيقة في “الحزب” قدموها لها، وإلا كيف لها أن تعرف مكان وزمان وسيارات ودراجات كل هؤلاء المستهدفين لتطلق عليهم صواريخها وقذائفها وتغتالهم بهذه الدقة؟
اغتيال إسماعيل هنية على يد إسرائيل أيضا ليس أول خرق إسرائيلي داخل طهران، بل أيضا سبقته عشرات العمليات التي نفذها الموساد في إيران خلال سنوات، وقد تكون عملية اغتيال محسن فخري زاده، كبير العلماء النوويين في إيران، التي نفذها الموساد في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 بالقرب من طهران، واحدة من أشهر عمليات إسرائيل في إيران، إضافة إلى تمكن إسرائيل من سرقة آلاف الوثائق الخاصة بالأرشيف النووي الإيراني عبر مداهمة نفذها عملاء للموساد عام 2018، ويومها تفاخر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بدخول عناصر من الموساد الإسرائيلي إلى طهران وخرجوا منها عائدين إلى إسرائيل “محملين بنحو نصف طن من الوثائق”.
في سوريا أيضا قامت إسرائيل بعشرات العمليات العسكرية، بعضها استهدف قيادات في “حزب الله” وميليشيات إيران، وبعضها الآخر استهدف شحنات ومستودعات أسلحة وذخائر قادمة من إيران، وإن كان ممكنا أن بعض هذه الاستهدافات حصل نتيجة رصد إسرائيلي لتحركات ومواقع، مستخدمة أقمارا صناعية وتكنولوجيا حديثة، فإن بعض هذه العمليات ما كان ليحصل أيضا لولا وجود عملاء لإسرائيل على الأرض، يعرفون تحركات هؤلاء القادة والشحنات ويرسلونها إلى تل أبيب.
وقبل أسابيع توفيت مستشارة رئيس النظام السوري بشار الأسد لونا الشبل. قالت دمشق إنه بسبب حادث سير، وهناك من قال إنها عملية اغتيال نفذتها إيران بعد أن كشفت دور الشبل في تسريب معلومات تسببت في استهداف القنصلية الإيرانية في العاصمة السورية واغتيال عدد من قادة “الحرس”.
يستطيع أمين عام “حزب الله” حسن نصرالله، وكل من معه في “المحور” اتهام كل من يخالفهم التوجه والرأي السياسي بأنه عميل وصهيوني وجميع الاتهامات التي باتت سخيفة من كثرة تكرارها، لكن عليهم أن يدركوا أن ثقافة التخوين والتهديد هذه ضد خصومهم جعلت تهم العمالة تشبه تهمة “وهن نفسية الأمة” الشهيرة، وأن ذلك لن يوقف الخرق الأمني الهائل داخل صفوفهم وفي حلقاتهم الضيقة.
رئيس شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللبناني اللواء وسام الحسن تمكن خلال ترؤسه لشعبة المعلومات من توقيف ما يزيد على 30 شبكة تتعامل مع إسرائيل في لبنان، إضافة إلى انجازاته المتعلقة بتوقيف جماعات إرهابية، لكن جهات تمتهن التخوين اغتالته عام 2012.
أذكر هذا الأمر لأقول إن الاختراق الاستخباراتي والأمني الإسرائيلي يهدد الدول، وإن سياسة التخوين التي يتبعها “محور الممانعة” مع خصومهم جعلت من تهمة “العمالة” نكتة سمجة، في وقت أصبح جليا فيه الخطر الذي يمثله العملاء على الجميع، فهل تجعل الاغتيالات الأخيرة “حزب الله” يدرك حاجته لدولة قوية وأجهزة أمنية قادرة، أم إنه سيلجأ مجددا لمعارك داخلية وخارجية تدمر ما بقي من الدولة ونسيجها الاجتماعي.
كاتبة سياسية سورية .