عمر أبو نبوت – الناس نيوز :
رغم أن مفهوم دولة القانون مفهوم معاصر إلا أنه قديم جداً. كتب أرسطو في كتابه السياسة بأن دولة القانون هي دولة دستورية تكون فيها سلطة القانون أعلى من الإرادة الفردية لصاحب السيادة، الرئيس، وأعلى من الإدارة الحكومية، الحكومة، ومن الإرادة الشعبية، الشعب.
وعلى ذلك فإن الشرط الأساسي لبناء دولة القانون هو الاعتراف بسيادة القانون على الحاكم والمحكوم دون استثناء.
وكان أول نموذج معاصر لدولة القانون قد ولد في فرنسا، وخاصة بعد الثورة الفرنسية لعام 1789. حيث صدر إعلان حقوق الإنسان والمواطن ونص على أن “القانون هو تعبير عن الإرادة العامة. يحق لجميع المواطنين المشاركة شخصياً أو من خلال نوابهم في تشكيله. يجب أن يكون هو نفسه -القانون- للجميع، سواء كان يحمي أو يعاقب”، ووظيفته ضمان مساواة الحقوق والواجبات والفصل وتوزيع السلطات.
وهكذا نشأ النموذج الأول لدولة القانون في العصر الحديث، تلك الدولة التي عملت على وضع العلاقات القانونية محل العلاقات العائلية، العرقية، والدينية والعرفية. فسلطة القانون هي المرجعية الأعلى التي يستمِد منها الحاكم والمحكوم الحقوق والواجبات، والتي تعد المرجعية الرسمية لهما في حل الخلافات.
ودولة القانون تقوم على توزيع وفصل السلطات، وتقوم على مؤسسات وليس على أفراد: مؤسسة تشريعية، مؤسسة تنفيذية، مؤسسة قضائية. وما يوحد ويربط بين هذه السلطات الموزعة هو وحدة واحترام القانون الذي يرسم لكل سلطة مجالها واختصاصاتها وحدودها. فالمعيار والمرجع في دولة القانون هو احترام القانون وسيادته ، والعمل على تطبيقه من قبل الحاكم والمحكوم ، لإزالة الخلافات و الاختلافات .
منذ تسلق عائلة الأسد، الطغاة ، السلطة واحتلال سدة الحكم في سوريا عملت العائلة الحاكمة، منذ نصف قرن، على تفكيك نسيج المجتمع السوري، وتجميده سياسياً وتحطيمه اقتصادياً ، وتغييب القانون والحكم بالعرف ، وبالبطش الأمني . حيث بدأت الدولة السورية تتجرد من هويتها القانونية لتُطبع بهوية سلطويّةٍ مافيويّة وأصبحت مهمتها تمزيق الهوية الوطنية للشعب السوري للسيطرة عليه عبر مفهوم فرق تسد.
وكانت آثار هذا السياسة السلطوية المافيوية واضحة، خاصة خلال الثورة السورية، حيث تقسم السوريين وخاصة الفاعلين السياسيين، القانونيين، الاقتصاديين والاجتماعيين إلى أجزاء مجزأة، تطالب بمطالب متناقضة ولم نجد منها أي مشروع وطني جامع لكافة المكونات السورية، إلا قلة قليلة لا نستطيع إنكار جهودها.
تعيش سوريا الآن مرحلة تغيير ( مخاض عسير ومؤلم ) مهمة في تاريخها الحديث. ثورة 18 مارس/آذار وآثارها السياسية، الاجتماعية والاقتصادية، يجب استثمارها في بناء عقد وطني جامع مبني على رؤية مشتركة بين كافة المكونات السورية.
يكون هذا العقد هو البناء الصلب والمتين لدولة القانون السورية التي بدورها ستعمل على تعزيز وتنمية الهوية السورية الوطنية الجامعة التي تقر بالتنوع الثقافي، الديني، الفكري، المجتمعي بين كافة مكونات الشعب السوري، دون إقصاء أي مكون.
صياغة هذا العقد يكون عبر عدة مراحل ومن أهمها وأولها، استقطاب الخبرات والكفاءات السورية التي تتشارك الرأي حول المشروع الوطني الجامع لدولة القانون السورية. وثانيها، مراجعة واستخلاص الدروس من عقود التمزق الاجتماعي، والتجميد السياسي والانكسار الاقتصادي. وثالثها، بناء هوية قانونية وأخلاقية صلبة للدولة السورية قائمة على مفهوم العقد الوطني الجامع. رابعها، بناء هوية وطنية جامعة للشعب السوري ترتكز على الاتحاد وليس على الإقصاء. وأخيرها، مشاركة الشعب في التصويت، عبر استفتاء، على هوية دولتهم السورية وعلى هويتهم كشعب سوري.
وتثبت تجارب الشعوب المتقدمة ، أن دولة القانون السورية يجب أن ترتكز على الإرادة العامة للشعب السوري في تقرير هويته وهوية دولته، وعلى سلطة وسيادة القانون لتكون هي المرجعية العليا ، والتي يستمِد منها الحاكم والمحكوم الحقوق والواجبات، وعلى توزيع وفصل السلطات القضائية، التشريعية والتنفيذية.