fbpx

الناس نيوز

جريدة إلكترونية أسترالية مستقلة

رئيس التحرير - جوني عبو

Edit Content
Generic selectors
Exact matches only
Search in title
Search in content
Post Type Selectors
Filter by Categories
آراء
أخبار
أستراليا
إدارة وتكنولوجيا
إعلان
اقتصاد
اقتصاد أستراليا
اقتصاد عالمي
اقتصاد عربي
تقارير وتحقيقات
ثقافة وفنون
حكايا
خبر رئيس
رياضة
رياضة أستراليا
رياضة عالمية
رياضة عربية
سياحة وسفر
سياسة أسترالية
سياسة عالمية
سياسة عربية
صحة
صور
عدسة
فن الناس
في الوطن الجديد
فيديو
كاريكاتير
لايف ستايل
متفرقات
مجتمع
مجتمع الناس
موضه
Generic selectors
Exact matches only
Search in title
Search in content
Post Type Selectors
Filter by Categories
آراء
أخبار
أستراليا
إدارة وتكنولوجيا
إعلان
اقتصاد
اقتصاد أستراليا
اقتصاد عالمي
اقتصاد عربي
تقارير وتحقيقات
ثقافة وفنون
حكايا
خبر رئيس
رياضة
رياضة أستراليا
رياضة عالمية
رياضة عربية
سياحة وسفر
سياسة أسترالية
سياسة عالمية
سياسة عربية
صحة
صور
عدسة
فن الناس
في الوطن الجديد
فيديو
كاريكاتير
لايف ستايل
متفرقات
مجتمع
مجتمع الناس
موضه
Edit Content
Generic selectors
Exact matches only
Search in title
Search in content
Post Type Selectors
Filter by Categories
آراء
أخبار
أستراليا
إدارة وتكنولوجيا
إعلان
اقتصاد
اقتصاد أستراليا
اقتصاد عالمي
اقتصاد عربي
تقارير وتحقيقات
ثقافة وفنون
حكايا
خبر رئيس
رياضة
رياضة أستراليا
رياضة عالمية
رياضة عربية
سياحة وسفر
سياسة أسترالية
سياسة عالمية
سياسة عربية
صحة
صور
عدسة
فن الناس
في الوطن الجديد
فيديو
كاريكاتير
لايف ستايل
متفرقات
مجتمع
مجتمع الناس
موضه

جريدة إلكترونية أسترالية مستقلة

رئيس التحرير - جوني عبو

د . ممدوح حمادة – الناس نيوز :

 

غادرت أرض الوطن حاملاً معي التهاباً في القصبات، وهذا ما كنت أجيب به عندما كان الطبيب يسألني عما إذا كنت أعاني من شيء ما في أثناء جولتي على أطباء مستوصف الطلبة رقم 33، ولكن الطبيب كان يوقع الورقة التي بين يديه ويتكلم مع المترجم المتطوع محمد زينو فيقودني هذا السيد إلى غرفة أخرى فيها طبيب آخر أو طبيبة أخرى، وأتلقى السؤال نفسه وأجيب الإجابة نفسها: ((أعاني من التهاب القصبات))، ولكن الطبيب أو الطبيبة يوقع في المكان المقرر له ويحدث محمد بشيء ما ثم نخرج إلى غرفة أخرى، وهكذا حتى خرجنا من المستوصف بعد أن وقع جميع الأطباء على الورقة التي كانت مطلوبة في الجامعة:
• ((دعنا نمر إلى الصيدلية لصرف الدواء الذي كتبه لنا الطبيب)).


قلت لمحمد خشية أن يذهب قبل أن نفعل ذلك فلا أجد طريقة للتفاهم مع العاملين في الصيدلية كوني أجهل اللغة، ولكن محمد قال إنه لم يخبر الأطباء بأنني اعاني من شيء لأنهم سيحولونني بالتأكيد الى المشفى الذي سأبقى فيه حتما لأكثر من شهر، وعندها سأندم على الساعة التي سافرت فيها إلى الاتحاد السوفييتي كما أكد لي، ثم وعدني بأن يصحبني إلى كلية الطب حيث يساعدنا أحد الطلاب هناك بكتابة الوصفة، ثم نذهب إلى الصيدلية ونصرف الدواء، وكان الله يحب المحسنين كما ختم كلامه.
ولكن محمد بعد أن اوصلني إلى مسكن الطلبة الواقع في جادة أومسكي قرب ساحة النصر اختفى ولم أرَ وجهه بعد ذلك أبداً، وقد علمت فيما بعد أنه سافر إلى مدينة كييف لمتابعة الدراسة هناك، أما أنا فتابعت حياتي مع قصباتي الملتهبة مستخدماً طريقة العلاج الشعبية التي يستخدمها معظم الناس في الوطن، أي ترك الجسم يصارع المرض حتى يشفى من تلقاء نفسه، ولكن ذلك في هذه المرة لم ينفع، فقد تفاقمت حالتي إلى درجة لم تعد مقبولة. وفي يوم الأربعاء في الساعة الثانية بعد منتصف الليل تقريباً، وعلى الرغم من حبي الكبير للعبة التريكس التي لم أكن أشبع منها، وجدتني بعد أن أصبحت أجد صعوبة في التنفس أرمي الورقات المتبقية في يدي وأطلب من الشباب أن يستدعوا لي الإسعاف، وتعبيراً عن محبتهم نزل الأصدقاء جميعاً إلى الطابق الأرضي حيث تناوب العجوز إيرينا النحيفة والقصيرة القامة، ولم يتمكنوا بلغتهم الروسية الهشة سوى من نطق كلمتين (الدكتور الصديق) ولكن إيرينا فهمت ورفعت سماعة الهاتف وضربت رقماً ما، ولم تمضِ ربع ساعة حتى كان الطبيب يجلس على كرسي قبالة سريري الذي كنت أجلس فوقه ويستمع، فأخذت أروي له بلغتي الإنكليزية المتواضعة ما الذي أعاني منه، وكان هو يهز رأسه دون أن يستفسر عن شيء إطلاقاً. وعندما انتهيت من الكلام نهض وقال شيئاً ما مشيراً براحته إلى الباب، ففهمت أن عليَّ أن أرافقه، ففعلت، وقد لفت نظري أن الطبيب لم يحضر معه لا جهاز قياس الضغط الذي لا يفارق أطباء الإسعاف عادة، ولا سماعات طبية ولا حاول قياس حرارتي أو النظر في حنجرتي، بل كان يستمع لما كنت أرويه كما لو أنه يرفع العتب.
وصلت إلى غرفة الاستقبال في الثالثة ليلاً على وجه التقريب، وعبر كلمات لم أفهمها وإشارات واضحة فهمت أن عليَّ الاستلقاء على سرير هناك، ثم تحلقت حولي طبيبة وعدة ممرضات، الطبيبة أخذت تفحصني بسماعتها، ثم قاست لي ممرضة الضغط، وتم الانتهاء من المعاينة السريرية وقيل كلام كثير لم أفهم كلمة منه، وعند الباب كان يقف ممرض طويل القامة عريض الكتفين قوي البنية قالت له الطبيبة شيئاً ما فانصرف.
بعد أن حقنت بعقار ما شعرت بالاسترخاء وغفوت فوق ذلك السرير حتى الصباح. وفي الصباح جاءت ممرضة كانت مرحة جداً، روت لي أشياء يبدو أنها مضحكة وقهقهت، فضحكتُ معها من باب المجاملة. ثم أشارت إليَّ ففهمت أن عليَّ مرافقتها. وصلنا إلى الجناح الذي سأكون أحد نزلائه على الطابق الثالث من أحد مباني المشفى الواقع في منطقة “نافينكي”، كما علمت فيما بعد، وأول ما لفت نظري ذلك الشبك الحديدي الذي أغلق به الجناح، والذي ذكرني بالشبك الذي كان يغلق باب مهجعنا في سجن حلب العسكري الذي كنت نزيلاً في مهجعه الثاني قبل أقل من ثلاثة أعوام. وعلى الرغم من استغرابي للأمر، إلا أنني بررت لهم ذلك وقلت في نفسي ((ربما لحماية المرضى))، ولكن شمس ذلك اليوم لم تمضِ قبل أن أعرف أن الشبك لم يكن لحماية المرضى وإنما منعاً لخروجهم.
في الغرفة كان معي ثلاثة أشخاص، أحدهم إيراني كان صامتاً معظم الوقت، وأحدهم أندريه، وهو كما فهمت عامل في أحد المصانع، لعبت معه الشطرنج قبل أن يحدثني الشخص الثالث واسمه فاسيلي الذي عرف عن نفسه باللغة الإنكليزية ومد يده مصافحاً، ثم ناولني فاسيلي صورة لكوكب الأرض مرسومة بعناية بقلم حبر ناشف، ولكنها تبدو كلوحة حقيقية وقال لي إنه رسمها من الفضاء، فقد تبين أن فاسيلي رائد فضاء، وهنا لم أستطع إلا أن أعرب عن إعجابي قائلاً في نفسي: ((يا سلام! هذه هي الاشتراكية؛ الجميع يعالجون في المشفى نفسه)). توطدت علاقتي بفاسيلي بسرعة صاروخية، فقد أصبحنا صديقين حميمين قبل أن ينصرم ذلك اليوم، والسبب الأساسي هو أن فاسيلي كان الوحيد الذي يتكلم الإنكليزية التي أستطيع ان أفهمها قليلاً. رسم فاسيلي أمامي صوراً توضيحية كثيرة أظهرت براعته في الرسم، وكانت بالطريقة نفسها التي رسم بها الكرة الأرضية من الفضاء. رسم الصاروخ وكيفية انطلاقه وكيف يتخلص من أجزائه في أثناء الرحلة ودورانه حول الأرض في مدار يساعده على الالتقاء بالمركبة الفضائية وكيف يلتحم معهاـ وحدثني عن حالة انعدام الوزن، وكيف يشعر الإنسان فيها، وعن الطعام الذي يأكله رائد الفضاء في الأعالي ماضغاً إياه بفم مغلق لكيلا يتناثر في الفراغ، وعلى مدى ثلاثة أيام الكثير الكثير من المعلومات التي لم يكن يمل ولا يتوقف عن روايتها، وكنت أنا سعيداً بما أسمعه، فطريقته كانت شائقة جداً، ويمكن القول إن معظم معلوماتي عن الرحلات الفضائية حتى الآن هي مما رواه لي فاسيلي، حتى إنني أشعر في أثناء مشاهدة البرامج التي تتحدث عن ذلك وكأنني شاهدت تلك البرامج من قبل.
الشيء الوحيد الذي كان ينغص عيشي هو دورة المياه، فقد كانت تحتوي على خمس حفر مفتوحة على بعضها بحيث يشعل النزيل لجاره الذي يفعلها على يمينه سيجارته فيشكره ذلك ويتابع قراءة الجريدة التي بين يدي جاره الذي على يساره، والأنكى من ذلك أن الباب كانت فيه كوة زجاجية تسمح لمن يعبر الممر برؤية الذين في الداخل. أنا لم أستطع التأقلم مع هذا، وصرت أنتظر ما بعد منتصف الليل حيث يكون الجميع قد خلدوا إلى النوم فأذهب إلى هناك وأفعل ما أريد دون أن يزعجني أحد. ولكن الرياح لا تجري دائماً كما تشتهي السفن، ففي اليوم الثاني ذهبت إلى هناك في الثالثة ليلاً فوجدت الباب مقفلاً، واضطررت في اليوم التالي إلى الانضمام إلى بقية الرهط المعتاد على ذلك.
في اليوم الثالث خرجنا إلى الحديقة، وكان هناك مربع محدد علينا النزهة داخله، حيث كان ممرض آخر قوي البنية يشبه إلى حد ما ذلك الذي كان يقف بباب غرفة الإسعاف، كان يمنع من يتعدى حدود ذلك المربع ويعيده إلى المربع، وهنا أيضاً تذكرت فترة التنفس في سجن حلب العسكري، ((يا إلهي لا ينقصنا سوى الجلاد المسعور هايل)). فكرت في نفسي وشاهدت رائدة قادمة نحوي في يدها كيس تبين أن فيه بعض الفاكهة، وكان على وجهها ابتسامة ودودة كانت تحملها معها دائماً. رائدة كانت طالبة في السنة الأولى وكانت تتحدث اللغة الروسية، جلسنا على المقعد بعد أن صافحتني وشكرتها على ما جلبته معها في الكيس، ثم وجهت رائدة إليَّ سؤالاً لم أدرِ ما المقصود منه، حيث سألتني عما أفعله هنا، فأجبت مستغربا بأنني أتعالج، وهنا سألتني بنبرة مريبة:
• ((هل تعرف أن هذا هو مشفى المجانين؟)).
هكذا عبرت رائدة عن تخصص المشفى، بينما اسمه لم يكن في الحقيقة “مشفى المجانين”، وإنما مشفى الأمراض العقلية والنفسية، وهنا فقط أدركت أسرار ما يحدث من أشياء غريبة؛ الشبك الحديدي وباب المرحاض ذو الفوهة الزجاجية ومربع النزهة في الحديقة، وأصابني حزن شديد، أيعقل أيضاً أن فاسيلي أيضا ليس رائد فضاء؟ لا يحتاج هذا إلى سؤال طبعاً. كان عليَّ منذ البداية أن أدرك ذلك، فرائد الفضاء شخصية عسكرية تملك الكثير من الأسرار ولا يعقل أن يتم علاجها في مستشفيات عامة وفيها مواطنون أجانب ولكن سذاجتي العاطفية المنشأ كان أقوى من عقلي.
عندما عدت إلى الجناح أمسكت بتلابيب الممرض القوي البنية وكنت أريد أن أقول له: ((إذا لم أخرج من هنا غداً فإنني سأحطم أسنانك))، ولكنني مع الأسف لم أتمكن سوى من نطق كلمتي “غداً” و”أنا”. ردد الممرض أو ربما الحارس كلماتي بنبرة تهكمية وقلد حركاتي وانصرف، بينما توجهت أنا إلى الممرضة الخمسينية “سفيتلانا فيودوروفنا” التي أبدت تعاطفاً معي قبل، حين أخذت تجلب لي الطعام من منزلها عندما لاحظت أنني الوحيد الذي يأكل من طعام المشفى فقط. اقتربت منها فابتسمت ابتسامة ودية وقالت شيئاً ما لم أفهمه، وحاولت أن أقول لها إنني أريد أن أجري اتصالاً، ولكنني من جديد لم أتمكن من قول أكثر من كلمتين هما “أنا” و”تلفون”، وقمت بحركة تحاكي إدارة قرص الهاتف ووضعه على أذني، فما كان من سفيتلانا فيودوروفنا إلا أن مسحت على رأسي وقالت:
• ((أنت ولد جيد… وكل شيء سيكون على ما يرام)).
حنان السيدة سفيتلانا هذا، على الرغم من أنني فهمت كلامها، أزعجني أكثر مما بعث في نفسي الارتياح، فهي اعتقدت أنني في حالة من حالات مرضي، أدركت ذلك بعد أن ضربت على نفسي عزلة لم أعد أخالط فيها أحداً، حيث أصبحت أتناول طعامي وأقضي حاجاتي وأجلس على سريري لا أفعل شيئاً، ما دفع ممرضة شابة متدربة على الأغلب إلى أن تحضر لي الأرشيف السنوي لكل من جريدتي البرافدا والأزفستيا، وهما مجلدان متوفران في جميع المؤسسات تقريباً كما لاحظت لاحقاً، حيث يحتوي كل مجلد من المجلدين على جميع الأعداد التي صدرت في العام الأخير. كانت الجريدتان مقلتين في الصور والرسوم، وحتى الصور التي عادة ما تنشر على الصفحات الأولى فهي مشاهد عمالية فلاحية تتطابق مع سياسة الحزب والدولة. تصفحت الأرشيف بسرعة، وسرعان ما شاهدت جميع تلك الصور من حصادات وجرارات وآليات وآلات مختلفة أخرى، ثم حملت المجلدين وأخذتهما للممرضة الشابة التي وجهت إليَّ كلمات لم أفهم معناها تحتوي على نبرة السؤال، فأجبتها دون أن أعرف عما تسأل بنعم، كما كنت أفعل مع كل الأسئلة، فحين كنت أجيب على أسئلة الأطباء بكلمة “لا” كانوا يوجهون إليَّ أسئلة جديدة، أما حين أجيبهم بنعم فيسجلون في دفاترهم شيئاً ما ويتابعون. بعد قصة أرشيف الجريدتين والممرضة التي ابتسمت ابتسامة حاولت أن تخفيها ربما لكيلا تجرح مشاعري عندما أجبتها على سؤالها فهمت أمراً خطيراً، هؤلاء القوم لا يعرفون أنني لا أتحدث الروسية، وعلى الأغلب أنهم يظنون أنني أتكلم بهذا الشكل بسبب خلل ما، هذا على الأقل ما كنت أعتقده. ولكن الذي كنت واثقاً منه هو أنهم لا يعرفون أنني لا أتحدث لغتهم، ولهذا السبب صرت أتجنب الكلام مع أحد، حتى مع رائد الفضاء الذي اكتشفت لاحقاً أنه حاقد على الاتحاد السوفييتي إضافة إلى أنه رائد فضاء، وحين شاهدت رجلاً من المهجع المجاور الذي كان فيه عدد أكبر من النزلاء مستلقياً على الأرض والممرض الحارس يخاطبه قائلاً:
• ((انهض يا بونابرت قبل أن يأتي كوتوزوف)).
كما ترجم لي رائد الفضاء، نهض الرجل وقال عدة كلمات لم أميز بينها إلا مفردة هيلانة. أصبت بالرعب، فإذا لم أخرج من هنا سأصبح مثلهم بالتأكيد، وصدق القائل بأنه من عاشر القوم أربعين يوما أصبح منهم إن لم يرحل عنهم. أصبت باليأس وبدأت تداهمني نوبات اكتئاب سوداء تسبب لي ألماً كبيراً في الرأس، وكنت أخشى من أن تتطور إلى ما هو أخطر من ذلك. حاولت أن اشرح لهم أنني لست مريضاً، ولكنني كنت مضحكاً وأنا أحاول فعل ذلك بمجموعة المفردات القليلة التي كنت أعرفها، والتي كان معظمها ينتمي إلى الضمائر أو حروف الجر أو ما شابه، ولذلك كففت عن المحاولة خشية أن يتم تحويلي إلى قسم آخر للحالات الأكثر حدة، وهو ما حصل مع بونابرت ورائد الفضاء بعده. وهناك كما أوضحت لي سفيتلانا فيودوروفنا يعاملون النزلاء بشكل أقسى، هذا ما هُيّئ إليَّ أنها حاولت أن تشرحه لي. تسللت مرة عبر الدرج الخلفي الذي تم فتح بابه من أجل إحضار الطعام، ولكن عين الممرضين الساهرة لم تكن غافلة عني، يبدو أنني لست الوحيد الذي جرب ذلك، ولم أكد أقطع نصف الدرج حتى سمعت وقع أقدامهم خلفي. تحدث أحدهم بكلمات لم أفهمها، فضحك الآخر ثم حملاني من تحت إبطي وعادا بي إلى القسم، وهكذا لم يبق أمامي سوى الاستسلام لليأس، وعبثاً انتظرت أن يزورني أحد، فلو كان أحد ما يفكر في زيارتي لفعل خلال الأسبوعين المنصرمين، وعندما بدأت أنسجم مع الزملاء في الغرفة والقسم وخاصة في غرفة المدخنين حيث كنا ندخن، وأصبحت أشعر أن الحياة هنا ليست بذلك السوء وخفت نوبات الكآبة، جاء إلى المستشفى شخص تشادي كان يتقن اللغتين، العربية والروسية، فطلبت منه على الفور أن يترجم لرئيس القسم ذي اللحية الكثة السوداء المونسة بالأبيض، فقال التشادي:
• ((مستحيل… طالما أنك دخلت إلى هنا فلن تخرج قبل ستين يوماً)).
يبدو أن هذه ليست المرة الأولى التي يدخل فيها التشادي إلى هنا، إنه يعرف قوانينهم. وفي نهاية المطاف وافق التشادي على أن يترجم لي، فذهبنا إلى رئيس القسم الذي شرحت له ملابسات قصتي فوعدني بأن يفكر في الموضوع بشكل جدي، وبعد يومين جاءت ممرضة وقالت لي إن هناك من ينتظرني في الخارج، ذهبت فوجدت خلف الشبك الحديدي من الجهة الحرة صديقيَّ اللذين طلبا لي الإسعاف، فصرخت بهما:
• ((أين أنتم يا سفلة؟)).
فأخبراني بأنهما لم يتمكنا من معرفة مكان المستشفى، الذي كان فعلاً خارج المدينة، وأخبراني بأن إدارة الكلية أرسلتهما لاستلامي، لأن الشخص هنا لا يخرج إلا إذا جاء أحد لاستلامه أو تمكن من الهرب وكان ذلك صعباً. في الجامعة ذهبت إلى العميدة وقدمت احتجاجي غاضباً، وطلبت توضيح السبب الذي أوصلني إلى هناك، فقالت العميدة إنني في الساعة العاشرة ليلاً تعرضت لنوبة هيستريا، فجاء فريق الإسعاف وحقنوني بمهدئ، ما وأخبروا العجوز إيرينا بأنه إذا تكرر الموضوع عليها أن تطلب الرقم الذي أعطوها إياه، وبعد البحث والتقصي علمت أن الذي أصيب بالهستيريا هو طالب أفريقي غط في نوم عميق حتى الصباح بعد إبرة المهدئ. وبما أن إدارة المشفى لا تستطيع أن تقول إنني دخلت عن طريق الخطأ، فقد اختلقت لي تشخيصاً ظل يرافقني طوال فترة دراستي، ويتسبب لي بمعاملة خاصة، وكنت في كل مرة تبتسم فيها عميدة الكلية التي لا تبتسم لأحد عندما تقابلني وتحني رأسها قليلاً، أكاد أصرخ: لا تبتسمي يا سيدتي، فأنا شخص عادي لا أعاني من شيء. وكذلك كنت أفعل حين تمر قربي دزينة الطلاب الكوريين الذين يطبقون راحاتهم أمام صدورهم وينحنون ويبتسمون عندما يمرون بموازاتي ويحثون الخطى. باختصار فقد بقيت الطالب المدلل طوال فترة دراستي، ولم يكن أحد يصدق ما أقوله، كان الجميع يصدقون التشخيص المكتوب في الورقة الموجودة في إضبارتي، والذي لم يكن يعلمني بفحواه أحد.