ملبورن – الناس نيوز ::
لعل مقولة الفيلسوف الروماني ماركوس أوريليوس “أفضل انتقام هو ألا تكون مثل من جار عليك” تلخص قصة كفاح ونجاح رجل الأعمال إلياس صليبا، السوري السرياني الأسترالي ، سعيه الدؤوب للتفوق في مرحلة دراسته الثانوية الصناعية جعلته يتبوأ المرتبة الأولى على مستوى سبعة محافظات آنذاك في سوريا ، إلّا أنّ كل تفوق يعود وبالاً على صاحبه في منظومة البعث الأسدية ، إن لم يتم تجيّره وإهداؤه للـ”قائد الملهم” و”الحزب القائد”، وهذا لا يناسب مع كل الأشخاص ومنهم إلياس، تحت منظار مخابراته في كل تحرك.
حقق صليبا طموحه في حجز مقعد في كلية هندسة الميكانيك في جامعة حلب، لكن التميز والتفوق ليس معيارا لدى نظام الأسد في الحصول على أدنى الحقوق والمعاملة بالمثل مع بقية الطلاب، رفضه للانصياع لأوامر الأجهزة الأمنية بالانتساب لحزب البعث حرمه حقه في السكن الجامعي والتوقيف لدى “الأمن القومي” لمدة ثلاثة أيام، غيرت مسار حياته.
كُتِب لصلبيا حياة جديدة بالخروج سالما من الفرع الأمني، لكن الأذى النفسي كان أعمق بكثير تلك التي تركتها سياط الجلاد وأدوات تعذيبه.
في الوطن الجديد
يقول رجل الأعمال الدمث إلياس صليبا لجريدة ” الناس نيوز ” الأسترالية الواسعة الانتشار ، كانت أول خطواتي بعد الافراج عني وانا في العام الأول لدراستي الجامعية مطلع ثمانينات القرن الماضي ، هي استخراج جواز سفر ، وكانت أستراليا هي الوجهة الثانية بعد ألمانيا التي بقيت فيها لمدة عامين واتقنت لغتها ، أستراليا هي وطني الحقيقي الذي منحي الفرصة لإثبات نجاحه ، محبتي لسوريا كوطن ولدت فيه باقية لا ترتبط بنظام شعاره ” الأسد أو نحرق البلد ” ، ولأن العائلة هيي خير من يقف إلى جانب المرء في نجاحاته، كانت زوجتي فريال شريكة النجاحات منذ التأسيس، حيث عملنا معاً في شركة فورد للسيارات كموظفين ، لكن طموح فريال والياس لم يقف عند حدود الوظيفة، فكانت فكرة الانتقال إلى عالم العقارات والبناء والمقاولات واليوم يمتلكان شركة مقاولات واستثمارات في ولاية فيكتوريا وعاصمتها ملبورن.
يكمن سر نجاح صليبا باختيار بيئات العمل البكر لتنفيذ أفكاره ومشاريعه وهذا ما وجده في منطقة “غيبس لاند” ( احدى مناطق الاصطياف التي تبعد نحو 3 ساعات عن قلب ملبورن ) والتي تمتلك واحد من أجمل شواطئ أستراليا، ليبدأ نشاطه العقاري ، باستثمار مساحة أراضي كبيرة وإنشاء محطة وقود ومراكز تسويق مرافقة لها.
صليبا السوري الأصيل
سنوات الغربة جعلت حنين صليبا يزيد لبلده الأم سوريا، فكان وصول السوريين إلى أستراليا فرصة له ليعبر عن حبه لأبناء بلده دون أي اعتبارات، وبشهادة كل من استأجر منزل من شركته كانت للسوريين معاملة خاصة وأسعار مميزة، وبحسب مقربين منه، تحدثت إليهم ” الناس نيوز ” فإن لصليبا أعمال خيرية واسعة لكنه لا يفضل الحديث عنها.
الموروث الثقافي من القامشلي إلى غيبس لاند
حمل إلياس صليبا نكهة من تراث بلاده إلى أستراليا وتحديدا غيبس لاند، إذ نقلها مسافة طويلة من مسقط رأسه في أقصى الشمال السوري إلى هناك، إلا أن الكباب الذي يقدمه صنع علامة فارقة منذ أن دخلت شاحنة الأطعمة التي أسسها للخدمة.
يقول إلياس: “أصبحت المالك المستقل لشاحنة لوتش سبورت منذ سنة ونصف، ولهذا فإن كل زبون يأتي إلى المدينة يطلب عنوان مطاعم الوجبات الجاهزة، ولهذا أسست هذه الشاحنة المتنقلة لتقديم الكباب، وجعلتها تستقر في هذا المكان عندما اكتشفت أنه بحاجة لشيء من هذا القبيل.. كما أنني رغبت بنقل جزء من مطبخ بلادي إلى هنا، وذلك لأن كثيرين يعتقدون بأن وجبة الكباب لبنانية أو عراقية أو تركية مثلاً ، ولهذا رغبت بتصحيح تلك المعلومة وبأن أخبر الجميع بأن أصل الكباب هو بلاد ما بين النهرين، كما أن لها أصلا سريانياً آشوريا، يعود للحقبة البابلية.
وبما أن بلاد الرافدين لم تعد موجودة في يومنا هذا، لكن دولها وشعوبها ماتزال قائمة، لذا فإن دول الجوار أخذت تلك العادة منها وباتت جزءاً من تراثها.
ويتحدث إلياس عن نفسه فيقول: “ولدت في سوريا ودرست فيها، ثم درست في ألمانيا، وانتقلت للعيش في ملبورن منذ 34 عاماً، أتحدث 6 لغات .
تنحدر أصولي من مدينة سورية صغيرة تقع على الحدود السورية – العراقية – التركية في أقصى شمال شرقي السوري، تعرف باسم قبري حيوري، ( قبور البيض أو القحطانية ) لكنني اليوم أوزع وقتي بين مزرعتي في ملبورن وغيبس لاند التي أخطط لافتتاح فندق سياحي فيها ، ولهذا فإني أعتز بكوني أصبحت جزءاً من هذا المجتمع ، وأفتخر بوطني أستراليا .
يخبرنا إلياس أن ردود الفعل التي تلقاها على مطعمه المتنقل كانت إيجابية حتى الآن من سكان المنطقة وزوارها ، ويعلق على ذلك وهو يضحك: “إننا ملوك الكباب، وهو رائج لأننا نقدم خدماتنا لهذا المجتمع المحلي ولكل من يرغب بتذوق هذا الطبق، وهو يشبه أنواع الكباب الأخرى، إلا أن النجاح يكمن في المكونات وفي المقدار الصحيح الذي يوضع ضمن وجبة الكباب ويشمل ذلك الصلصة واللحم والسلطات، لذا فإن نجاح هذه الوجبة يكمن في طريقة خلط تلك المكونات مع بعضها”.
ويضيف: “لي باع طويل في العمل في مجال الضيافة والاستقبال، لكني أحب الطهي في مطبخ بيتي، والآن أصبح بوسعي أن أجعل الجميع يتذوقون وجباتي”.
يعتبر مشروع إلياس للكباب في لوتش سبورت مشروع حيوي في أستراليا يستعين بشاحنة لتقديم الأغذية، حيث يتم طلب الوجبات عبر الشابكة من تلك الشاحنة من خلال منظومة Food Truck Pub الأميركية، ما يتيح للزبائن تجنب الوقوف في طوابير عبر اختيار الوقت المناسب لهم.
وعن ذلك يقول إلياس: “لقد توسعت تلك المنظومة عبر الشابكة ببطء، ولكننا نتوقع لها أن تكبر كثيراً خلال فترة الأعياد القادمة.
بيد أن بعض الناس مايزالون يفضلون أن يأتوا إلى هنا ليطلبوا وجباتهم بأنفسهم”.
ويخبرنا إلياس أنه يرغب بعرض المزيد من الخيارات أمام زبائنه في لوتش سبورت، إذ يقول: “نود أن نقدم الكباب المشوي على الفحم، وإقامة مطعم في مقر ثابت خلال مرحلة لاحقة، ولكننا سنتابع كيف ستجري الأمور معنا، لأننا نود أن نستقطب زوار جيبسلاند حتى يأتوا إلى لوتش سبورت ويجربوا شيئاً مختلفاً في هذه المنطقة…
كما أنني لن أنقل شاحنة الطعام لدي إلى حيث تقام الحفلات، وذلك لأني خصصت شاحنة الكباب هذه لتكون موجودة في لوتش سبورت، حتى يقصدها الزبائن نظراً لجودة أطباقها، إذ تلك هي المنهجية التي أتبعها في عملي.
كما أن الزبائن صاروا يرون في شاحنتي معلماً من معالم المدينة، ويصفونها بأنها مختلفة عن غيرها، ثم إن رقائق البطاطس التي نقدمها هي الأفضل” بحسب صحيفة بلدية المنطقة التي أشكرها على التشجيع المستمر كلما اقترحت مشروع حيوي تنموي في المنطقة ، فالبلدية متعاونة وتستحق كل تقدير لتفهمها أهمية إحياء المنطقة .
وعن عاداته اليومية يتحدث إلياس ” للناس نيوز ” فيقول: “نفتح أبوابنا في وقت مبكر صباحاً، وذلك لأن بعض الزبائن أخبروني بأن استراحة الغداء في العمل لديهم بين الساعة 11 و12 ظهراً، ونحن نصغي لزبائننا، كما أصبح لدينا رصيد كبير في هذه المدينة، بعدما زاد الطلب على وجباتنا، ولهذا نتقدم بالشكر للمجتمع المحلي وللزوار على ما يقدمونه لنا من دعم، ونخبرهم بأننا هنا من أجلهم”.
قصة نجاح إلياس لا تختصر في مشاريعه الأخيرة كرجل أعمال يسهم في تطوير مجتمعه من أبواب تخصصه العملي ومقدراته ، بل تمتد لطموح مستقبلي تضع هذا النجاح تحت نظر الاجيال المهاجرة ، لتكون متأكدة من أن النجاح متاح للجميع في أستراليا الوطن الجديد العظيم .

