لندن – الناس نيوز ::
يعمل خبراء الطيران على تقليص الوقت اللازم للمسافرين بالرحلات الجوية من بريطانيا إلى أستراليا إلى ساعتين فقط بدلاً من 22 ساعة، وذلك باستخدام تكنولوجيا جديدة ستتيح الطيران بسرعة أكبر بكثير للرحلات التجارية.
وخلص تقرير نشرته جريدة “دايلي ميل” إلى أنه من الممكن تقليص الرحلات الجوية بأكثر من 20 ضعفاً خلال عقد من الزمن، أي خلال السنوات العشر المقبلة فقط، وذلك بفضل خطط طموحة لنقل الركاب إلى دول أخرى عبر الفضاء.
ويبحث خبراء الطيران في كيفية تعامل المواطنين العاديين مع فترات قصيرة من انعدام الجاذبية أثناء السفر لمسافات طويلة، مثل الانتقال بين المملكة المتحدة وأستراليا.
وعادةً ما تستغرق الرحلة من العاصمة البريطانية لندن إلى سيدني في أستراليا على متن طائرة تجارية أكثر من 22 ساعة، لكن الرحلات الجوية «دون المدارية» وهي تكنولوجيا طيران جديدة يتم تطويرها حالياً، ستقلل ذلك إلى ساعتين فقط، محطمة الرقم القياسي الذي سجلته طائرة «كونكورد» الشهيرة في عام 1985.
ويقول الخبراء إن الركاب سيواجهون ما يُسمى «قوى G» أثناء الإقلاع والهبوط، كما سيوجهون «انعدام الجاذبية» في منتصف الرحلة ما يعني أنهم سيضطرون إلى إبقاء أحزمة الأمان الخاصة بهم مربوطة.
ويمكن نصح المسافرين أيضاً بإبقاء مقاعدهم مائلة للخلف أثناء الإطلاق وأثناء العودة إلى الغلاف الجوي للأرض.
ووفقاً لصحيفة «التايمز» البريطانية فقد أجرت هيئة الطيران المدني في المملكة المتحدة «CAA» دراسة تبحث في آثار الرحلات الفضائية شبه المدارية على جسم الإنسان.
وتم نشر البحث في مجلة متخصصة بعلوم الفضاء والطيران، ووجدت الدراسة أن معظم الناس يمكنهم التعامل مع «قوى G» لرحلات الفضاء دون المدارية، على الرغم من احتمال وجود «استجابات فسيولوجية» محتملة.
والرحلات الفضائية التجارية شبه المدارية متاحة الآن للسياحة والبحث العلمي، ومن المتوقع في النهاية أن تنضج لتصبح رحلة سريعة للغاية من نقطة إلى نقطة – على سبيل المثال من لندن إلى سيدني- وسوف يتمكن هذا النوع من الطيران من قطع المسافة في أقل من ساعتين.
ويقول الخبراء إنه «تماماً كما هو الحال بالنسبة للسفر الجوي، فهناك حاجة إلى معرفة أساسية قوية بعلم وظائف الأعضاء الأساسية المتعلق بالرحلة لإبلاغ عملية صنع القرار الطبي وزيادة الوصول الآمن إلى الرحلات دون المدارية».
ويضيفون: «ملامح التسارع تحت المداري جيدة التحمل بشكل عام ولكنها ليست منطقية من الناحية الفسيولوجية».
وقال الدكتور رايان أندرتون، الرئيس الطبي لرحلات الفضاء في «CAA» لصحيفة «التايمز» إن ذلك «ليس خيالاً علمياً بالتأكيد» وسيحدث «في وقت أقرب بكثير مما يعتقده الناس.. بالتأكيد أقل من 10 سنوات».
وتُعرَّف «الرحلات دون المدارية» بأنها تلك التي تدخل الفضاء ولكن ليس لديها سرعة كافية للبقاء هناك، ما يعني أن المركبات شبه المدارية تعود إلى الأرض. وتتناقض «الرحلات المدارية» مع تلك التي لها مسار أكثر قوة حتى تتمكن من البقاء في الفضاء والدوران حول الأرض مرة واحدة على الأقل، مثل حالة المحطات الفضائية أو الأقمار الصناعية.
وتكلف الرحلات دون المدارية، مثل تلك التي قدمتها بالفعل شركة «VirGin Galactic» لريتشارد برانسون، أكثر من 350 ألف جنيه إسترليني (430 ألف دولار) لكل مقعد. لكن المنظمين توقعوا أنها ستكون قريباً أقل تكلفة، لتصبح في النهاية خياراً للسفر عبر القارات يمكن لأي شخص الوصول إليه.
ويعتقد الخبراء أن الرحلات الجوية التجارية شبه المدارية بين البلدان يمكن أن تحدث «خلال عقد من الزمان» على الرغم من أن البحث لا يزال جارياً، ولكن من غير الواضح كم ستكلف المسافر بالضبط.
كيف ستعمل هذه الرحلات؟
تقول جريدة «دايلي ميل» في التقرير الذي اطلعت عليه «القدس العربي» إن الرحلة التجارية شبه المدارية ستقلع من موقع إطلاق مُكيَّف خصيصاً في مطار حالي (مثل مطار هيثرو بلندن) أو مطار به مساحة أكبر أكثر ملاءمة لعمليات إطلاق الرحلات الفضائية.
وسيتم نقل الركاب إلى الفضاء على متن مركبة شبه مدارية مثل «Dream Chaser» وهي طائرة فضائية طورتها شركة «Sierra Space» الأمريكية.
وتم تصميم «Dream Chaser» التي تم عرضها في معرض الإلكترونيات الاستهلاكية العام الماضي، لنقل ما يصل إلى سبعة أشخاص من وإلى مدار الأرض المنخفض.
لكن المركبة المختارة يمكن أن تتمتع بسعة أكبر من هذا، بما يتماشى أكثر مع قدرة الخطوط التجارية الحالية، لجعل المشروع فعالاً من حيث التكلفة.
وسيواجه أولئك الذين كانوا على متنها ما يسمى «قوى G» وهي أربعة أضعاف قوة جاذبية الأرض. وستستمر هذه القوى لمدة 20 إلى 30 ثانية بعد لحظة الانفجار، لكنها ستهدأ بعد ذلك.
وبعد فترة ليست طويلة من الإقلاع، ستدخل المركبة فترة من الجاذبية الصغرى، مما يعني أنه قد يتعين ربط المسافرين بمقاعدهم لمنعهم من الانزلاق. وعندما تصل المركبة إلى وجهتها، تصل «قوى G» إلى ذروتها بستة أضعاف أثناء الهبوط لحوالي 10 إلى 15 ثانية. وقد تكون هذه مشكلة لأن الطيارين والركاب فوق مستوى «5 G» معرضون لخطر حصول نزيف بالدم من رؤوسهم.
واختبر البحث الجديد الذي تم إجراؤه بالتعاون بين «كنجز كولج لندن» وسلاح الجو الملكي البريطاني، حدود المواطنين الطبيعيين الأصحاء.
ووضع العلماء 24 شخصاً يتمتعون بصحة جيدة من مختلف الأعمار داخل جهاز طرد مركزي بشري في سلاح الجو الملكي البريطاني. وأجهزة الطرد المركزي البشرية عبارة عن غرف كبيرة تحاكي تأثيرات التسارع العالي، والتي تم تصويرها بشكل لا يُنسى في فيلم جيمس بوند مونراكر عام 1979.
وعند التعرض لـ«قوى G» على غرار الإطلاق في الفضاء، وجد الباحثون أن المشاركين أظهروا «تغيرات ديناميكية عالية» في معدل ضربات القلب وضغط الدم والناتج القلبي، بالإضافة إلى انخفاض مستوى الأكسجين في الدم. وعلى الرغم من ذلك فلم يكن ثمة تأثيرات ضارة على القلب والأوعية الدموية، إلا أن الأعراض التنفسية والبصرية كانت شائعة، حيث أبلغ 88 في المئة من الأشخاص عن تعتيم أو ضبابية في الرؤية.
وتعرض أحد المشاركين من أصل 24 إلى فقدان الوعي على الرغم من تعافيهم بمجرد انخفاض «قوى G». ويشير هذا إلى أن المسافر دون المداري يمكن أن يفقد وعيه أثناء الإقلاع والهبوط ولكن سيكون على ما يرام أثناء الرحلة.
ووجد الباحثون أيضاً أن التأثيرات الفسيولوجية تقل عموماً عند اختيار مقعد معين، حيث من المعروف بالفعل أن الجلوس بزاوية يمكن أن يزيد من تحمل قوة التسارع.
وقال مؤلف الدراسة الدكتور روس بولوك: «بتغيير موضع الكرسي، فإنك تغير الاتجاه الذي تمر به قوى جي خلال الجسم، وعندما يكون الكرسي منتصباً تحصل على قدر كبير من قوة التسارع من الرأس إلى القدمين».
وأضاف: «هذا في الواقع يدفع الدم بعيداً عن رأسك وعينيك لأسفل باتجاه ساقيك، وبالتالي، ليس لديك ما يكفي من الأكسجين للوصول إلى تلك الأجزاء من الجسم وتتغير رؤيتك ومن المحتمل أن تفقد وعيك».
وقال الدكتور بولوك إن إمالة الكرسي لها تأثير أقل على نظام القلب والأوعية الدموية ولكن لها تأثير أكبر على الجهاز التنفسي، لذلك سيكون الركاب «أكثر ضيقاً في التنفس» وإن لم يكن شديداً.
واستنتج فريق المؤلفين أن التسارع تحت المداري «جيد التحمل بشكل عام» ولكنه «ليس غير منطقي من الناحية الفسيولوجية». ويقولون في ورقتهم البحثية: «يمكن أن تتفاعل التأثيرات الديناميكية الدموية الملحوظة والتسوية التنفسية العابرة مع العوامل المؤهبة لتسبب تأثيرات قلبية رئوية ضارة لدى أقلية من المشاركين».
وقبل الذهاب في مثل هذه الرحلة ، قد يستفيد الناس من «التعرف على أجهزة الطرد المركزي» والتقييم الفسيولوجي، خاصةً إذا كانوا «حساسين طبياً».
وقال الدكتور بولوك إنه «من الصعب للغاية تحديد تكلفة رحلة الركاب هذه، على الرغم من أنها ستكون على الأرجح مكلفة للغاية للبدء بها قبل أن ينخفض السعر وتصبح وسيلة مجدية للنقل الجماعي».
يعتقد الدكتور بولوك أيضًا أن الأمر سيستغرق ما لا يقل عن 15 إلى 20 عامًا قبل أن تصبح الرحلات الجوية التجارية شبه المدارية وسيلة نقل جماعي.
وقال: «ستكون هناك حاجة إلى تطوير بعض المركبات الفضائية للسماح لها بتحقيق الارتفاعات والسرعة المطلوبة للسفر» كما أشار إلى أنه لكي تكون الطائرة تجارية من أجل وسيلة سفر واقعية يجب أن تكون الطائرة أيضاً أكبر من ذلك بكثير.