ميديا – الناس نيوز ::
أنس أزرق – العربي الجديد قدّم عضو القيادة القطرية لحزب البعث، مروان حبش، عدة ملاحظات وتصحيحات تتعلق بما نشر في الحلقة الأولى من هذه السلسلة التي تتعلق بما حصل عشية قيام حافظ الأسد بانقلابه عام 1970 ومصير رفاقه في الحزب والدولة، وكيف استتب الأمر له. وصف حبش، الذي كان ضمن القيادة البعثية التي اعتقلها حافظ الأسد، وقضى في المعتقل ما يقارب ربع قرن، الرواية التي وردت عن اعتقال اللواء صلاح جديد، ومن معه يوم 13-11-1970، وأن علي ظاظا ساقهم كالأرانب “من نسج الخيال المغرض”، مؤكداً أنه “لم يكن يرد بأذهان أعضاء القيادة أنه سيجري اعتقالهم أصلاً”.
وأشار إلى أن علي ظاظا لم يكن رئيس الشرطة العسكرية، وإنما كان رئيس شعبة المخابرات العسكرية، وأن الذي اعتقل الموجودين في منزل زعيّن هي المخابرات الجوية التي كانت تراقب تحركات اللواء صلاح جديد، ورصدته عند دخوله إلى منزل زعيّن. أوضح حبش أن عادل نعيسة لم يرشح نفسه للقيادة القطرية في المؤتمر القطري الرابع الاستثنائي، نيسان/إبريل 1969، وكذلك فعل محمد عيد عشاوي.
لم يكن يوسف زعيّن رئيساً للوزراء عندما اعتُقل، وإنما كان نور الدين الأتاسي رئيساً للدولة ورئيساً للوزراء، وذلك منذ قرار تغيير مراكز القوى الذي اتخذ عام 1968. ومنذ ذلك الحين تسلم يوسف زعيّن مكتب العمل الفدائي في القيادة القومية، وكان عادل نعيسة عضواً متفرغاً فيها.
من تغيير قيادة الجيش إلى تغيير مراكز القوى
أوضح حبش أن هناك “فرقاً بين مطلب تغيير قيادة الجيش وقرار تغيير مراكز القوى”، فمطلب تغيير قيادة الجيش طرح بعد حوالي أسبوعين من هزيمة حزيران/يونيو، حين ناقش اجتماع مشترك للقيادتين القومية والقطرية نتائج الحرب وتقرير القيادة العسكرية لمجرياتها، واتخذ قرارات بإعادة هيكلة الجيش وتسليحه. وطرح اللواء صلاح جديد تغيير قيادة الجيش، معللاً ذلك بأن العرف يقضي بتغيير قيادة الجيش في حالتي الخسارة أو الربح، فإذا خسرت القيادة العسكرية كان من الطبيعي أن تستقيل، وإذا ربحت فيجب تغييرها حتى لا تحتكر السلطة، ولكن “لم يأخذ هذا القرار الموافقة، ولذلك لا يمكن القول إن صوت عبد الكريم الجندي هو الذي أسقط القرار”، رغم أن الجندي كان من المصوّتين ضده.
أعيد طرح هذا القرار في المؤتمر القومي الاستثنائي العاشر، وأدى تبنيه إلى إسراع حافظ الأسد في انقلابه. أما “تغيير مراكز القوى فقد طرح بعد المؤتمر القومي العاشر عام 1968، ويشمل كل مراكز القوى في الحزب والدولة، ومنها الأمين العام والأمين العام المساعد ورئيس الحكومة ووزير الدفاع ورئيس الأركان”، وبنتيجته تخلى يوسف زعيّن عن منصب رئاسة الحكومة وجاء رباح الطويل للداخلية ومحمد عيد عشاوي للخارجية، ولم يلتزم حافظ الأسد بهذا القرار.
البعث وعبد الناصر
يضيف حبش معلقاً بشأن علاقة البعث وعبد الناصر ودور نظام 23 شباط/ فبراير في هزيمة حزيران: “علاقتنا في البعث وسورية بعد حركة شباط كانت أكثر من ودية مع الرئيس جمال عبد الناصر، فأعيد قرار الدفاع المشترك، وكانت هناك زيارات دائمة عسكرية وسياسية وحزبية مع الاتحاد الاشتراكي ولا سيما مع التنظيم السري في الاتحاد (التنظيم الطليعي). أما الحديث عن مزيدات البعث على عبد الناصر، فلم يكن أبدا من سياستنا وإنما كان من أكرم الحوراني وجماعته، حيث لم يهاجم حزب البعث عبد الناصر بأي مسألة وكانت هناك أمور خلافية، ولكن ليس حول فلسطين”.
ويؤكد حبش أن مقولة توريط البعث لعبد الناصر في حرب حزيران/ يونيو 1967 هي من المغالطات التافهة، وأنه ليس صحيحاً أن وزير الخارجية إبراهيم ماخوس قال “إننا ورطنا عبد الناصر”. يسرد حبش قائلاً: “كنت في وفد ذهب إلى مصر في حزيران/يونيو عام 1970 وركبنا طائرة الرئيس عبد الناصر معه للاحتفال بجلاء الأميركيين عن قاعدة عقبة بن نافع في ليبيا، فمازحنا عبد الناصر بالقول: (ورطتموني!). وبدأ الناصريون باستخدام هذه المقولة، وأنا قلت لجمال أتاسي إنكم تسيئون لعبد الناصر كقائد كبير باستخدام هذه العبارة”.
“لم تشن سورية حرب 67، وإنما من قام بها وبدأ العدوان هم الصهاينة والأميركان، ومن يقرأ الوثائق الإسرائيلية سيجد أن مضمون خطتهم حينها: الشبكة في سورية والصيد مصر.
وكان موشيه ديان، وزير الدفاع الإسرائيلي حينها، يقول في كل لقاءاته إنهم كانوا يفتعلون أعمالا استفزازية بالدخول للمناطق المحرمة مع سورية بإدخال جرارات للحراثة والزراعة فيها، ولم يكن الجيش السوري يرد. إذا قرأت مذكرات أمين هويدي، رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية في تلك المرحلة (الفرص الضائعة)، ستجد أن عبد الكريم الجندي، رئيس مكتب الأمن القومي، كان في تلك الفترة نائب رئيس الجهاز، أبلغه خلال زيارته لسورية بأنه لم تكن هناك حشود على الجبهة السورية، وقصة الحشود كلها تأتي من تقرير الملحق السوفييتي في تل أبيب، ويمكن أن يكون هناك عميل مزدوج قد أبلغ الملحق العسكري بذلك، وعلى أساسها أخبرنا السوفييت بذلك، وهم أخبروا الرئيس عبد الناصر، ولا أستبعد هنا أن تكون إسرائيل قد قامت بتمويه، حين أدخلت قوات إلى المناطق الحدودية على الجبهة السورية ظهرا ثم سحبتها ليلا. نحن كنا نقوم أحيانا بهذا التمويه، حيث ندخل في عز النهار آليات كثيرة وحاملات جند ومن ثم نسحبها في الليل.
بعد قرار الرئيس عبد الناصر بسحب قوات الطوارئ الدولية لم نكن نعلم بدقة تطورات الأوضاع، حتى أننا أرسلنا وفدا برئاسة زعيّن لمعرفة نيات وقرارات الرئيس عبد الناصر”.
“بعد حركة 1966 مباشرة أخذنا قراراً بتغيير بنية وهيكلية الجيش كلها، من جيش متمركز في أماكن محددة إلى جيش آلي متحرك على طريقة جيش إسرائيل، بحيث تكون لدينا قوة متمركزة في نقاط حاكمة على الحدود ونسحب الجيش من الخط الأمامي ليتدرب باستمرار، والنقاط الحاكمة قادرة على المقاومة لساعات وتمنع أي خرق حتى يأتيها الإمداد من الثكنات التي يتدرب فيها الجيش. وهذا هو السبب لذهاب وفد عسكري سياسي إلى الاتحاد السوفييتي برئاسة الدكتور يوسف زعيّن، وخلال هذه الزيارة وافق السوفييت على تمويل بناء سد الفرات، وعلى صفقات تسليح كبيرة، وتحويل الجيش من جيش مشاة في الخنادق إلى جيش آلي متحرك”.
“عملنا على تهدئة الجبهة لتأهيل الجيش، فطلبنا إعادة تفعيل لجنة الهدنة فرفضت إسرائيل، فطلبنا من السوفييت الحديث مع الأميركيين بشأن ذلك. كانت هناك نوايا جونسون للتغطية على هزائم فيتنام وتعويم جونسون لكسب الصوت الداعم لإسرائيل”.
أما عن الحديث عن احتلال الجولان بدون مقاومة، فيؤكد حبش أنه “كانت هناك مقاومة وإن لم تكن بالمستوى المطلوب، لأنه لم تكن هناك مواجهة بين الجيش الغازي والقوات السورية، وحيث ما جرت المواجهة البرية كانت هناك بطولات، كما حصل مع محمد سعيد يونس في منطقة الخرق (القلع)، والذي ظل يقاوم حتى استشهد”.
“وكذلك في معركة تل الفخار، حتى أنها وصلت لاستخدام السلاح الأبيض، وبعدما اتضح أنه لم تعد هناك إمكانية للمقاومة انسحب الجنود إلى قريتنا (جباتا الزيت)، ومن ثم إلى شبعا، ومنهم علي جحجاح وأسعد بدران الذي رفّع لرتبة نقيب لبطولته.
الخطأ الكبير أن أمر سحب الجيش كان كيفياً من وزير الدفاع بدون علم القيادة، وهذا حصل بعد موافقتنا على قرار وقف إطلاق النار بعد برقية من الرئيس عبد الناصر يطلب فيها منا القبول بوقف إطلاق النار، وأنه قبل بهذا القرار، وكانت إسرائيل قد أعلنت موافقتها على القرار، ولكن إسرائيل خرقت ذلك واستمرت بالتقدم واحتلت مدينة القنيطرة، وخرقت الجبهة في عدة مواضع. لا أحد يتحدث عن هزيمة الجيش المصري، وهو العمدة والأساس في الجيوش العربية، فقد انهزم خلال ساعات قليلة من بداية الحرب، ولذلك أسبابه وظروفه. بكل الأحوال أنا لا أبرر تقصير الجيش السوري”.
استكمال الاعتقالات
اعتقل الأسد صلاح جديد، وبعد أسبوع اعتقل الأتاسي، وفي حزيران تم اعتقال زعيّن وعبد الحميد المقداد، ولاحقاً باقي أعضاء القيادة القطرية السابقة، وقد استطاع ماخوس وحبيب حداد الهروب من سورية.
أنهى النظام الجديد خدمات بعض الضباط المحسوبين على جديد، ونقل بعضهم إلى وظائف مدنية، واعتقل بعضهم لاحقاً، منهم عزت جديد، سليمان العلي، عبد الكريم ناصيف، رئيف علواني، كاسر محمود، نشأت حبش، موسى العلي وغيرهم.
خطفت مخابرات الأسد بعض أعضاء القيادة القومية، من بيروت سلمان عبد الله (عراقي)، حاكم الفائز (الأردن)، وجلبتهما إلى سجن المزة، واعتقلت مجلي النصراوين (الأردن)، في دمشق خلال تسلله لسورية.
إعلان الانقلاب
بعدما اعتقل الأسد خصمه الأول صلاح جديد، فاوض رفاقه البعثيين ليكونوا معه، ولكن معظمهم رفضوا، فاعتقلهم على دفعات، ولكنه قرر تأجيل إعلان حركته رغم فرض سيطرته العسكرية والأمنية على دمشق. تلقى الأسد دعم معظم العسكريين، والكثيرون منهم تقلدوا لاحقا مع الأسد مناصب عليا، ومنهم مصطفى طلاس، عبد الرحمن خليفاوي، عبد الغني إبراهيم، ناجي جميل، علي ظاظا، عدنان دباغ، علي المدني، وليد حمدون، علي زيود، توفيق الجهني، شفيق فياض، إبراهيم الصافي، علي دوبا، علي حيدر، جلال الجهني، عدنان بدر حسن، محمد الخولي وعز الدين إدريس.
شكل الأسد قيادة قطرية مؤقتة، وطلب من مصطفى طلاس ومحمد حيدر وعز الدين إدريس صياغة بيان لإعلان “الحركة التصحيحية”.
جاءت الأخبار عشية 16 تشرين الثاني/نوفمبر بأن طائرة العقيد معمر القذافي تهبط في مطار دمشق، وقرر الأسد أن يكون في استقباله.
اتصل الأسد من المطار برئيس أركانه وتابعه المخلص مصطفى طلاس وأمره بإذاعة بيان الحركة، خشية أن يكون العقيد قد جاء بمحاولة للصلح.
ذهب طلاس إلى التلفزيون وأعطى المذيع مهران يوسف بيان الحركة وطلب منه أن يبث أغنية “من قاسيون أطل يا وطني”، للمطربة دلال الشمالي، بعد إذاعة البيان.