بيروت – الناس نيوز ::
هي ثوانٍ معدودة كفيلة باستفزاز الإنسانية، تضمنها مقطع فيديو التقط لرجل يلقب بــ “الشاويش” خلال قيامه بتعنيف عدد من الأطفال السوريين في حقل زراعي، في بلدة غزة اللبنانية.
ووفقا لما تناقلته وسائل الإعلام فقد استشرش “الشاويش” على الأطفال، ضربهم بيديه وبالحزام، صرخ في وجههم سائلاً إياهم “هل تريدون أخذ عطلة بعد الآن”؟! من دون أن يبالي ببراءتهم ودموعهم ومدى القهر الذي يعيشونه، استغل ضعفهم ليفجر كل طاقاته السلبية بهم، وكما هو واضح فإنه كان يعلم بتصوير جريمته، ما يطرح علامة استفهام، كم من مرة تعرض هؤلاء الأطفال وغيرهم للتعنيف من دون أن يتم توثيق لحظات رعبهم وألمهم!
وقد سبق أن حذّر تقرير صادر عن اليونيسف في ديسمبر الماضي من أن الأطفال في لبنان يواجهون خطر العنف الجسدي أو النفسي أو الجنسي في الوقت الذي تكافح الأسر لمواجهة الأزمة المتفاقمة في البلاد، مشيرا إلى أن حوالي 1.8 مليون طفل، أي أكثر من 80 في المئة من الأطفال في لبنان، يعانون من فقر متعدد الأبعاد، بعد أن كان العدد حوالي 900 ألف طفل في عام 2019، وهم يواجهون خطر تعرّضهم للانتهاكات مثل عمالة الأطفال أو زواج الأطفال بهدف مساعدة أسرهم على تغطية النفقات.
يبين التقرير أن عدد حالات الاعتداء على الأطفال والحالات التي تعاملت معها اليونيسيف وشركاؤها ارتفع بنحو النصف تقريبا (44 في المائة) بين أكتوبر 2020 وأكتوبر 2021، وفي الأرقام ارتفعت تلك الاعتداءات من 3913 حالة إلى 5621 حالة.
يارب لطفك تفضل هالمنوذج "البشري"!!
شاويش من بلدة غزة البقاعية (اسمو ع.ج)
فوق جريمة عمالة الأطفال التي يرتكبها يقوم بتعنيفهم وضربهم بوحشية لما يعتبره "تقصير بشغلهم" وبقلون "اليوم دابحكم خالص"!#وحش_غزة_البقاعية
برسم النيابة العامة @LebISF #Lebanon https://t.co/x70gw6Jp8f— ramia al ibrahim – راميا الابراهيم (@ramiaalibrahim) August 17, 2022
“رق واستعباد”
يقوم بعض الأشخاص ممن يلقبون بـ”الشاويش” في بعض مخيمات لبنان بتشغيل الأطفال، وكما تقول مسؤولة قسم المناصرة والحماية القضائية في جمعية “حماية”، باسمة رمّاني “يحدد الشاويش ساعات عملهم ويشرف عليهم أثناء الدوام، كما في بعض الأحيان يمنعهم من التوجه إلى المدرسة، حيث يمارس سلطته كيفما شاء مغتنماً فرصة حاجة عائلاتهم للمأوى والمال، لاسيما في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد”.
من جانبها تقول رئيسة “اتحاد حماية الأحداث” أميرة سكر لموقع “الحرة” إن “الشاويش ظاهرة تذكرنا بتجارة الرقيق، تتخذ من مخيمات اللاجئين السوريين مكاناً لها، ورغم علم بعض رؤساء البلديات بوجودهم وتشغيلهم واستغلالهم للأطفال إلا أنهم إما يغضون النظر عن ذلك أو يسهلون عملهم، بدلا من ممارسة الرقابة عليهم للحؤول دون معاملتهم الأطفال بالوحشية التي ثبّتها مقطع الفيديو، والتي لا شك أنهم يمارسونها بشكل دائم، من دون أن يجري توثيقها لفضح همجيتهم”.
ويصف رئيس اتحاد بلديات السهل رئيس بلدية غزة، محمد المجذوب، “الشاويش” بـ”المجرم الذي لا يكتفي بتشغيل الأطفال بل فوق ذلك يقوم باستعبادهم” وفيما إن كانت المرة الأولى التي يجري فيها تعنيف أطفال في السهل أجاب في حديث لموقع “الحرة” “ربما يحصل ذلك، لكن المؤكد أن أي قضية مشابهة نعلم بها نتدخل على الفور”.
وكانت جمعية “حماية” تقدمت بإخبار إلى النيابة العامة صباح أمس للتحقيق بما حصل ومعاقبة الفاعل، وذلك بعد الاطلاع على مقطع الفيديو، وبحسب ما قالته رمّاني “حوّل المدعي العام الإخبار إلى فصيلة جب جنين، وكلفنا بمتابعة التحقيق وحضوره أثناء إدلاء الأطفال بإفادتهم، أما الخطوة التالية فهي متابعة وضعهم وأسرهم على كافة الصعد، بهدف التقدم بطلب حماية لهم أمام قاضي الأحداث في البقاع، الذي تم إبلاغه من قبلنا بموضوع هذه القضية”.
بعد أن ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالفيديو اللإنساني، أكدت القوى الأمنية في بيان أن “شعبة المعلومات أوقفت الشخص المعتدي وهو ع.ع، سوري الجنسية، والذي يقوم بتشغيل الأطفال من التابعية السورية في الزراعة وتعنيفهم، وقد أوقف رهن التحقيق”.
“ما خفي أعظم”
في شهر نوفمبر الماضي حذّرت “اليونيسف” من أن “مستقبل جيل كامل من الأطفال في لبنان على المحك جراء تفاقم تداعيات الانهيار الاقتصادي عليهم، من نقص في التغذية والرعاية الصحية، وارتفاع في معدل العمالة في صفوفهم”.
وأظهرت الدراسة التي أجرتها المنظمة على مدى ستة أشهر أن “مئات آلاف الأطفال في لبنان معرضون للخطر”، متحدثة عن تراجع دراماتيكي في أسلوب عيش الأطفال اللبنانيين فيما لا يزال الأطفال اللاجئون يرزحون تحت “وطأة الضرر الكبير”، كما ظهر أن عدد الأسر التي أرسلت أطفالها إلى العمل ارتفع من 9 في المئة إلى 12 في المئة.
يثبت الفيديو المتداول ارتكاب عدة مخالفات قانونية في آن، عددتها رماني “أولها يتعلق بعمالة الأطفال التي يجرّمها القانون اللبناني، لاسيما في الأعمال الزراعية قبل سن لـ18 لما تشكله من خطورة على حياتهم، سواء بسبب المبيدات التي تستخدم لرش المزورعات وغيرها من الأمور، ثانيها الاستغلال، وثالثها سوء المعاملة اللفظي والجسدي، أما رابعها فالتقاط صور للأطفال ونشرها، حيث يبدو واضحاً أن “الشاويش” كان على علم بتوثيق ما يحصل، وهو ما ننتظر أن يجزمه التحقيق”.
إذا كان القانون كما تشدد سكر “لا يمنع عمل الأطفال في سن معين وبشروط محددة، حيث يفنّد نوع العمل المسموح به لكل فئة عمرية وساعات الدوام والاستراحة، مانعاً تعرضهم لأي أذى جسدى ونفسي، إلا أنه لا يتم الالتزام لا بالقانون ولا الأعراف ولا الأخلاق، وكما رأينا يتم تشغيل الأطفال في الزراعة في سن لا يسمح به القانون، وفوق هذا يجري تعنيفهم من قبل الشاويش الذي يستغل سلطته ليعيث فساداً بعيداً عن كل المعايير الإنسانية”.
وكانت بلدية غزة قد عبّرت عن رفضها واستنكارها الشديد لما تعرض له الأطفال من تعنيف على يد شاويش مخيم 005، مدينة كذلك عمالة الأحداث واستغلالهم، داعية في بيان إلى “إيلاء هذه الفئة العمرية الرعاية السليمة بكافة المجالات، لا سيما التعليمية منها وليأخذ هؤلاء حقهم في الحياة” كما دعت إلى “إنزال أشد العقوبة بمرتكب الجرم وعدم التهاون مع هكذا حالات، لأن هذا العمل الجرمي يثير غضب الرأي العام خاصة أنه يمس الجانب الإنساني ويناقض القيم والشرائع الأخلاقية”.
يذكر أن لبنان يشهد منذ صيف 2019 انهياراً اقتصادياً متسارعاً، حيث فقدت العملة المحلية حوالي 90 في المئة من قوتها الشرائية مقابل الدولار، وكان تقرير لـ”الإسكوا” أشار في سبتمبر الماضي إلى أن “الفقر تفاقم في لبنان إلى حد هائل في غضون عام واحد فقط، إذ أصبح يطال 74 بالمئة تقريباً من مجموع السكان، وإذا ما تم أخذ أبعاد أوسع من الدخل في الاعتبار، كالصحة والتعليم والخدمات العامة، تصل نسبة الذين يعيشون في فقر متعدد الأبعاد إلى 82 في المئة”.
يتابع “اتحاد حماية الأحداث” الملف بكل جدية من خلال مكتبه في البقاع، وتشدد سكر “لن نسكت عن حقوق الأطفال بغض النظر عن جنسيتهم، فهم من ضمن اهتماماتنا طالما أنهم متواجدون على الأراضي اللبنانية”.
المشاهد التي تم التقاطها في مقطع الفيديو تعكس كما تقول أخصائية علم النفس، الدكتورة ريما بجاني “ما هو أبعد من الضرب الذي يتعرض له الأطفال، أي نمط الحياة التي يعيشونها والضغط النفسي الذي يرزحون تحته وهو أقسى بكثير من الألم الناتج عن الألم الجسدي”.
لا شك أن ما يواجهه هؤلاء الأطفال سيؤثر على شخصيتهم، التي قد تنمو كما تقول بجاني لموقع “الحرة” “في إطار عدواني نتيجة الشعور بالظلم، إذ عندها سيتبنون سلوك التعدي على الآخرين، أو على العكس من ذلك قد يتخذون مسار الإنطوائية، مع ارتفاع منسوب الخوف لديهم وفقدان القدرة على الدفاع عن أنفسهم، فيتقبلون الظلم وإهدار حقوقهم، وفي كل الأحوال لن تنمو ثقتهم بأنفسهم بطريقة طبيعية وصحية”.
مقطع فيديو “الشاويش” ما هو إلا جزء بسيط من انتهاكات جسيمة يتعرض لها أطفال في لبنان من دون أن تخرج إلى العلن، “فما خفي أعظم” كما تشدد سكر “ولذلك نذّكر دائماً بضرورة كسر حاجز الصمت والتبليغ عن أي عنف، وكاتحاد نحن على أهبة الاستعداد للتدخل ومساعدة أكبر شريحة من الأولاد”.