ميشيل سيروب – الناس نيوز :
هل عُبادة الموصلي شخصية حقيقية أم أسطورة؟ الرواية بحث في الموسيقى وسعي نحو كمال الروح عن طريق الصوفية. يعتمد الروائي أحمد القرملاوي على المقامات وعلاقتها بالعمارة ويجسد روح المكان عبر شخصيات تتصارع لِعرض جمالية الأحياء في القاهرة من جهةأولى، وقبح السلفيين في سعيهم لهدم تراث الصوفية الإنساني الذي أقيمَ منذ قرون على أرض الكنانة من جهة ثانية.
ذاكر رسلان وريث وكالة الموصلي خادم الطريقة الصوفية عن طريق الموسيقى، ومعلم بارع بتوظيف المقامات التي دونها المعلمون الأوائل لاكتشاف طريق الخلود عبر الألحان. يُدرك ذاكر أن نهايته وشيكة وعليه تأمين مُريد من بعده ليكمل الطريق ليحفظ تراث المتصوفة وصيانة روح الموسيقى كطريق نحو فضاءات عالية. يوسف هوالشخص الأوفر حظاً لاستلام مفاتيح الوكالة والاستمرار على نهج المتصوفة. يصطدم يوسف بالسلفيين الذين تصدح حناجرهم بذّم الطرق الصوفية ولعن الآلات الموسيقية، ويسعون لهدم الوكالة لأنها تنشر الفسق والفجور بتعليمها الموسيقى للذكور كما للأناث. تتشتت عواطف يوسف بين زينة ورحمة. إننا إزاء رمزية كامنة في الحياة اليومية المصرية: سعيٌ نحو الحداثة من جهة، ورغبة من البعض بالعودة لعقود إلى الوراء وطمس هوية المرأة وجعلها خادماً مُطيعاً وشخصية مُستكينة وساذجةكما تُجسدها رحمة. أما الفتاة العصرية والمُشبعة بروح الغرب والتكنولوجيا وعلوم النانو، هي تلك الفتاة التي تسعى لتطوير آلة العود وتجاوز عصر زرياب والموصلي نحو آفاق عالمية بعيداً عن الخرافة والموروث القديم: زينة ديناري تؤمن بقوة العقل بعيداً عن الإيمان بالغيبيات”مرجعيتي هي العقل والمنطق وأؤمن بكل ما يمكنني إخضاعه للتجربة “ص193. الرواية إلى جانب كونها تتأرجح بين التراث والحداثة، هي أيضاً حسب بعض النقاد تُعيد للمكان زهوته، كثلاثية نجيب محفوظ التي أبرزت عظمة العمارة وجمالية تفاصيل الحجارة في علم الهندسة وتراث مصر. آفاق العلاقة بين المجتمع المصري والألماني تجسدتْ قديماً بشخصية ذاكر وزواجه من المانية وإنجابه زينة( الأخت الشقيقة لرحمة)، تتجدد العلاقة عبر الموسيقى، اللغة الإنسانية العالية، بين يوسف وزينة لنتواجه باختلاف في وجهات النظر حسب زاوية الرؤية للأشياء: الشرق الروحاني والغرب العقلاني المهووس بالتكنولوجيا والعلوم.
مقامات الحب والموسيقى
يحظى الرقم 7 بمكانة مرموقة لدى المتصوفة، فهو عدد المقامات التي تُهذب النفس البشرية: الندم، التوبة، الإنابة، المراقبة، المجاهدة، الرجاء، والغناء، وهو أيضا عدد مقامات النغم: الصّبا، الحجاز، البياتي، الكُرد، الرست، النهاوند، والعجم. يستعرض أحمد القرملاوي العلاقة بين مقامات النغم ومقامات الصوفية،كطريق أمثل للانتقال إلى السماوات السبع بعد تجاوز المعلوموالمحسوس لبلوغ الذات الإلهية.
في الرواية فصول عن تأثير اموال النفط على الشباب في مصر، عبر علاقة تتحكم بتفاصيلها الانتهازية والأنانية الفردية. يُقدم زياد خدمات مشبوهة سرية ولا أخلاقية للسيد مشغل لابتزازه والسعي للإثراء على حساب قيم العائلة والمجتمع. في منتجع سيدي عبد الرحمن”… فتيات جامعيات طموحات في شبكة سياحية ترفيهية مُحكمة.. زبائن مُحترمون، معلومو الهوية والفتيات ينتمين لأسر ميسورة ، ينتظرهن مُستقبل مُحترم لهذا تخضع الخدمة لسريّة تامة”ص185. في الرواية جرعة من الأمل عندما تعلن زينة انتهاء عصر الرجعية وازدراء العقل، وتدعو لمشروع حضاري نهضوي تنوي إقامته على أرض الوكالة التي حرقها فقهاء الكراهية المتلبسين ثوب الدين . يحمل المشروع اسم”شرق غرب” إنه سعيٌ نحو المستقبل بشائره أمطار صيفية.
أحمد القرملاوي روائي من مواليد 1977 ، كتب مجموعة قصصية” أول عباس” وله أيضاً رواية: بعد التدوينة الأخيرة، ونداء أخير للركاب، و ورثة آل الشيخ. نالت روايته أمطار صيفية جائزة الشيخ زايد للرواية عام 2018. أحمد القرملاوي حاصل على درجة الماجستير من جامعة أدنبرة في الهندسة