شمس الحسيني – الناس نيوز
نحن لسنا وحدنا في هذا العالم، هناك قوى تفوق أجسادنا بقدراتها، وترتفع بأرواحنا لتنضج أكثر، هذه القوى هي التي تساعدنا لجلب التفوق على الآخرين، من خلال التآلف مع أوجه عدة للروح الغيبية التي لا يراها البشر، وخوض تجارب متنوعة، ترتقي بالقوى غير المعروفة نحو مراحل أكثر نضوجاً في الحياة.
على هذه الإيديولوجيا الفكرية الموجودة منذ قرون طويلة بنى الكاتب تفاصيل الحكاية، وجعل القارئ يسافر نحو عالم آخر، ليس من الخيال تماماً، بما تعنيه كلمة الخيال من نقيض للحقيقة أو القابل للتحقيق، بل نحو عالم مختلف؛ وفي السياق نرى عقدة العنصرية تبوح بوجودها، فكما جرت العادة يتخذ الناس غالباً مسلكاً عنصرياً تجاه كل شيء لا يشبههم أو لا يستطيعون تفسيره أو السيطرة عليه.
تبدأ الرواية بشخصية “زهير” الذي يخرج من بناء السجن متخطياً الجثث التي خلفها هجوم “النسالى” (قوم يتخذون من الجبال والوديان مسكناً لهم)، ويصل إلى بيته لتدور حوارات كثيرة، تجعلنا نأخذ موقفاً معادياً من تلك الفئة، التي تبدو في السطور الأولى أنها متوحشة للغاية “هل يأكلون قتلاهم؟” سؤال توجهه أخت زهير إليه “إنهم يقتلون فحسب، تركوا وراءهم العديد من الجثث”؛ يجيبها، ليترك للقارئ شعوراً سيئاً تجاه النسالى.
ونكتشف فيما بعد أن عمه “كيوان” هو حاكم “جارتين” ومدنها، ونرى الصراع الذي يعيشه زهير حينما يلتقي معتقلاً في قصر “كيوان” بعد أن تحول إلى كائن مفترس، ويعلم أن صديقه “آدم” هو الذي اصطاده، ثم يلتقي آدم الذي يروي له حكاية القبض على هذا النسلي السجين، ويظهر من خلال السياق أن آدم أيضاً يمتلك قدرات غير طبيعية، ويختتم الكاتب ذلك المقطع المشوّق بجملة مثيرة للجدل يقولها زهير لوالده “إن آدم ينتمي إليهم”.
ويبدأ صراع “زهير ” مع نفسه بعد أن يمنحه والده سلاحاً من ذلك النوع المخصص للقادة، كي يقتل به صديقه “آدم” في حال تحوله إلى نمر في أية لحظة، ويخبره والده بأن نقطة الموت الوحيدة في جسد النسلي وخاصة بعد تحوله هي القلب “حيث يضع النسالى وشمهم”.
ويتورط زهير فيما بعد بالانضمام إلى المعسكر الشمالي كي يرافق “آدم ” الذي انضم إلى جيش الأشراف، وقد أرادوه بينهم بسبب قدرته على إخماد ثوران النسالى.
لكن غفران التي تنتمي إلى النسالى الأشداء، وهم من يستعينون بالأرواح وقدراتها خلال الرواية، ترسم خطاً جديداً لصورة هذه الفئة في أعين القرّاء.
فرّت من حكم الإعدام الذي كاد يُنفّذ بها، لولا مهاجمة النسالى للسجن، واتجهت نحو وديانهم التي يحتمون بها من مدافع جنود “كيوان”، ويبدأ هنا كشف الستار عن المتحولين من قوم النسالى، الذين يأخذون أشكال الأرواح التي ينادونها، أو التي تختار أجسادهم مسكناً لها، وبعضها تتحول إلى نمور الشامو، وهي فصيلة من النمور “الفارسية” المهددة بالانقراض حالياً.
يختار النسالى غفران لتقود انتقامهم ضد الأشراف، الذين يدأبون على مطاردة أبناء النسالى وخاصة من بلغ الــ 25 من عمره .
وتتضح الحكاية أكثر في حوار داخلي تسرد ضمنه غفران سبب الخلاف بين النسالى والأشراف في بلاد “جارتين” وتفكر في اتخاذ القرار الصائب لحل هذه القضية ” تمنيتُ داخل نفسي أن ينصاع كيوان وسادة جارتين إلى مطلبنا بحقنا في القاعدة الثانية، ومساواتنا بالأشراف دون إراقة نقطة دم واحدة”.
وفي اليوم التالي استطاعت غفران اتخاذ القرار الصائب، ضمن عملية سياسية تحقن الدماء، رغم يقينها بأن المتحولين – أي النسالى، إذا قاموا بهجومهم سينتصرون حتماً على الأشراف.
ومع مرور ثمانية أيام اتخذ “كيوان” خطوة نحو الحرب، فقصف الموانئ ومنع أهل “جارتين” من مغادرة البلاد، ليجبرهم على خوض حرب حتمية مع النسالى.
يفرد الكاتب مزيداً من السطور التي تحمل تفاصيل عن تحوّل النسالى، فالأشد والأقوى هم من ماتت أمهاتهم يوم وضعهم، بإشارة رمزية جميلة، إلى افتقاد الرحمة من قلوبهم لهذا السبب.
ومع اشتداد التجهيزات التي يقوم بها كيوان، يبحث النسالى عن أبعد نقطة ممكنة لا تصلها قذائف مدافعه، للاحتماء بها.
خلال المعركة الأولى مع النسالى، يتغلب الأشراف بمساعدة آدم عليهم، ويسقط مئتان منهم بين قتيل وأسير، ثم يُذيبون أجساد الأسرى في قدور كبيرة تحوي الأحماض المذيبة، ضمن مشهد يصفه الكاتب بطريقة مثيرة جداً.
تبدأ خطوط الرواية تتمحور حول “آدم” فلقاء خالته نسرين بزهير واكتشافه أنها كانت تعرف وتخفي أن آدم من النسالى، فيقوم بقتلها، وكذلك كلام ” يعقوب” أحد محاربي النسالى لغفران في لحظات احتضاره الأخيرة “كنا على وشك الانتصار لولا ظهور من يحمل روحاً للشامو بين الأشراف” وإثارة الشكوك في قلبها.
ثم تدل الخيوط إلى شخصية “خشيب” وهو جد آدم الذي يعرف سر الأرواح التي تسيطر على النسالى، وفي زيارة غفران لكهفه وقراءة النقوش والرسومات التي حفرت على جدرانه منذ مئات السنين، تعود إلى أذهاننا مذاهب فكرية كثيرة اعتنقت هذه الأيديولوجيا ذاتها.
ويكتشف منذر بعد زيارة الكهف مع غفران وفاضل، أن المحارب النسلي الذي يقف إلى جانب الأشراف، وهو يعني بحديثه “آدم” هو سيد أرواح النسالى ” إنه سيد أرواحنا، وقد اتخذت أرواح النسالى الزائرين عهداً قديماً بطاعة أوامره أياً كانت، لم يحل من هذا العهد إلا أصحاب أرواح الشامو الذين لا يخضعون لأحد، لذلك لم يستجب له يعقوب”.
وتأخذ الحرب بين الطرفين شكلاً آخر، نسميه الحرب الاقتصادية، واستغلال الثغرات الخاصة فيما تنتجه البلاد أو تستقدمه من الخارج، حيث تفكر غفران في نقطة الضعف التي أحدثها كيوان لبلاده بقصف الموانئ ” لقد ارتكب كيوان خطأ جسيماً بتدميره لموانئه وهو يعلم أن بلاده لا تنتج ما يكفيها من غلال وزيوت للمشاعل وتعتمد اعتماداً كبيراً على جلبها من البلدان الأخرى” وتقرر أن يتسلل النسالى إلى مدن جارتين ويهاجمون مخازن الغلال، وقوافل الغذاء والزيوت المتنقلة بين المدن.
ومن جانبه “زهير” ما زال يتحمل مسؤولية مرافقة آدم في كل المهام التي يُكلف بها، وكانت إحداها مهاجمة النسالى في الجنوب، وفي المعركة تحدث مواجهة مباشرة بين غفران وآدم وتعجز عن قتله.
وفي كشف آخر لأحد طقوس ثوران أرواح النسالى ، تعود “سبيل” وطفلها ذو الستة أعوام، فتقع غفران ومعها جميع النسالى في ذهول شديد وتسألها “ألم تذبحي طفلك؟ ” فتجيب سبيل ” لم أقوَ على فعلها” فتسألها مجدداً “إذاً كيف ثارت أرواح النسالى؟!”.
وتعود الذاكرة إلى تفاصيل حكاية “آدم” ونقشه تلك القاعدة فيما مضى على جدران “جارتين” والتي تعبر عن صلب الخلاف بين النسالى والأشراف “يتساوى الأشراف والنسالى في حق اكتساب الروح النقية دون الحاجة للذهاب إلى باحة جويدا”.
ويبدأ الحديث عن بحر أكما وأسراره وتاريخ النسالى الذي حاول الأشراف محوه، حيث حدد مصير شعوب وأقوام تلك المنطقة “عندما انهار جزء كبير من الجدار قديماً وشرع النسالى في بنائه؛ لجأوا إلى ملء النهر الجاف بمياه بحر أكما، عبر بوابة صخرية محكمة صنعوها في الجدار ذاته كي ينقلوا الصخور الضخمة من تلك الجبال إلى أقصى الشمال في أسرع وقت وأقل جهد عن طريق السفن، قبل أن يغلقوا تلك البوابة للأبد قبل إبادتهم ويمحو الأشراف كل ما تعلق بنقل الصخور “.
بعد الهزيمة التي تلقاها الأشراف في معركة الجنوب على أيدي النسالى، وضع الأشراف آدم في قفص ضيق مغطى بالقماش الأسود، ونقله الأشراف معهم إلى معسكر جديد نصبوه على بعد يومين من مكان استقرار النسالى، تحضيراً لمعركة جديدة، كانت من أشد المعارك الدائرة بين الطرفين، وتحرّر خلالها آدم من أسره، وانتصر النسالى، واستطاعوا أخيراً ترويض أمواج بحر أكما متجهين نحو الشمال لاستعادة تاريخهم وللمحافظة على وجودهم.
المؤلف: عمرو عبد الحميد
الصفحات:320
سنة النشر:2020
دار النشر: عصير الكتب للنشر والتوزيع