دمشق – الناس نيوز ::
صدر حديثاً في مطلع العام الحالي 2024 عن “دار الكتاب” في تونس رواية ” الوريث” للكاتب البلجيكي من أصل عراقي حازم كمال الدين، وتقع الرواية في 375 صفحة من القطع المتوسط مقسمة إلى خمسة أقسام: القسم الأول بعنوان بلاد الرافدين، القسم الثاني الولادة، القسم الثالث الطريق إلى المنفى، القسم الرابع أوروبا، القسم الخامس مونولوغات المنفى.
تتناول الرواية الجديدة لحازم كمال الدين (الوريث) شخصية أيّوب، المنفي العراقي الثوري الذي يعيش في الغرب. قريبا ستشتعل حرب في بلده بين رجلين إرهابيّين، أحدهما حاكم “شرقي” والثاني غازٍ “غربي”.
وفي الأفق لا حلّ سوى حرب نتيجتها دمار لا يعني المنتصر ولا المهزوم. يكتشف أيّوب الذي قضى أكثر من نصف عمره في الغرب أنّه أصبح مهمّشا وحركته الثورية في مجرى الصراع يرافق هذا الاكتشاف المتأخر إدراكه بأنّ خياراته أصبحت تقتصر فقط على الاصطفاف إلى جانب أحد طرفي الصراع الإرهابيين أعليه أن ينضوي تحت لواء الإرهابي، ابن الوطن/ أم الإرهابي الغربي؟ وإذا أبى الانضواء تحتم راية واحدة من الإرهابيين هل يستطيع المساهمة في الدفاع عن وطنه؟ كيف؟ في الغرب، حيث يعيش، ينظرون إليه كشخصية مريبة بأفكار مناهضة للإرهاب الغربي، بينما ينظر له أبناء وطنه كخائن ارتضى الاصطفاف إلى جانب الأعداء، نظراً لموقفه المعادي للإرهاب الشرقي. أمران يدفعانه للتفكير بالعودة إلى وطنه دفاعا عنه، رغم علمه أنّ تهمة الإرهابي الغربيّة، ستلتصق به إذا فعل.
الدفاع عن وطنه يعني إرهابا واصطفافا مع الديكتاتور، والتبرؤ من الديكتاتور يعني خيانة للوطن! أيّ الخيارين؟ أليس الأفضل له أن يدير ظهره ويمضي؟ أليس صواباً أن يختار الغياب عن اللعبة؟ في خضمّ صراع مثل هذا يجد أيّوب نفسه منحازا إلى فضاء اللاّ خيار. فالإيجابي في هذا الفضاء هو أن أيّوب لن يلوّث يديه.
لكنّ السؤال الطبيعي هو: هل يوجد شيء اسمه اللاّ خيار؟ هذه المساءلة تتّخذ طريقاً سردياً شكله خلفيات أيّوب المتناقضة؛ يساري منتم لعائلة دينية “مقدسة”، عائلته معارضة تخوض نضالا ضد الفاشية من جهة، وهي مدنّسة بالخطايا من جهة ثانية. كما أنّه يظنّ بأنّه “مُخلّصٌ” ثوري بينما يرى فيه الآخرون مخلّصا ميثولوجيا. إلى جانب الرواية نُشرت دراسة ضافية كتبها الدكتور فتحي بن معمّر.
وهنا مقتطف مما كتبه د. بن معمّر: اللافت للانتباه في هذه الرّواية ليس ما ذكرنا آنفا من دلالات وأفهام أو قراءات قد يختلف فيها أو حولها القرّاء باختلاف مشاربهم وخلفيّاتهم بل اللافت فيها فعلا هو هذا التّعاضد الأجناسي الذي يعطينا نصّا يحكمه التّنويع والتحوّل وتشدّ أعنّةَ السّرد فيه قدرةٌ عجيبة على القفز من جنس إلى جنس ومن أسلوب إلى آخر لتنجح رواية “الوريث” التي بين أيدينا في صهر كلّ هذه العناصر والأجناس بشكل سلس، مغرٍ بالقراءة، محفّز على المناقشة والسؤال.