ميشيل سيروب – الناس نيوز :
الجمال والجريمة… على ضفاف النيل
رواية عن الحب والجريمة المنظمة والاعتقال السياسي والتطرف الديني وفساد الحكم “الثوري” في مصر.خمس شخصيات محورية تتناوب على سرد أحداث دامية وفاجعة فترة حكم المَلكية مروراً بثورة الضباط الأحرار، إلى مرحلة الرئيس المؤمن ثُمَّ بدايات مرحلة ربان السفينة.
يبني أشرف العشماوي السرد الروائي على شخصيات حقيقية، الملك فاروق، عبد الناصر، عبد الحكيم عامر…. وتجري الأحداث في حي الزمالك الذي له رمزية في الخيال المصري كمهد للأرستقراطية والفن، وتتناوب تلك الأحداث مع الريف المصري الذي زحف أبناؤه( عباس وزينب) إلى القاهرة قبل انهيار المَلكية وقبل نجاح الثورة.بالإضافة للشخصيات الفاعلة، ثمَّة شخصيات روائية مُتخيلة تجسدُ واقع القاهرة ومآسيها خلال نصف قرن.في الرواية أربعة ركائز أساسية:
1-الحنين إلى عهد المَلكية كبديل للتوحش الذي سادَ في عهد الجمهوريات الثلاث.
2-الجريمة المُنظَمة والعنف.
3-الإرهاب والتطرف الديني والعلاقة بين “البزنس” الاعمال والتدين الزائف.
4-نجاة الجناة من المُساءلة، واستمرار الفساد وتقاسم الغنائم بين أركان الحكومة .
ارتبط نجاح الثورة على العهد الملكي بمصادرة ممتلكات الإقطاع والأثرياء، لكن تلك المصادرات تحولتْ على أيدي هؤلاء “الثوار” إلى لصوصية، حسب الروائي: لم يعدالأمر مُجرد جردٍ للممتلكات إنما تجريد لها، هؤلاء كانوا حفنة من الأوغاد وباسم الشعب تمت مصادرة كتب ولوحات وسجاجيد وأراضٍ باسم الفلاحين الغلابة.
يرصد العشماوي التحول الذي أصاب القاهرة، كيف تحولت مكتبة للكتب الأجنبية وجاليري للتحف واللوحات ومحل لبيع الزهور، إلى محلات أحذية متلاصقة. تُحاول سيدة الزمالك(زينب) التسلل إلى مجتمع النخبة من أهل ذلك الحي الراقي، لكنها تُدرك لاحقاً بأنه: لا الألماس ولا الكاديلاك ولا الرصيد في البنك يسعفها ويجعلها جزءاًمن ذلك المجتمع.
كما في كل الأنظمة الدكتاتورية، كلما تقدم المسؤول في السلم الحزبي والإداري، كلما كان غدره أكبر، ويزداد حذراً خشية الاغتيال. لقد اِنعكس الانفصال عن سوريا سلباً على مزاج القيادة، وبدأت تفاصيل الحياة اليومية تبدو أشد قتامةً. في لحظة مكاشفة ينتهي الأمر بمسؤول المصادرات(عباس المحلاوي) إلى القول:” لم أعد أنام إلا ومسدسي أسفل وسادتي، طلقة جاهزة للإطلاق بالماسورة، وخزانة تحوي أخرى، الأولى لمن سيقبض عليَّ والثانية كي أنتحر بها”ص296. تتسلل الهزيمة إلى نفوس القيادة بعد عام 1967 على الصعيد النفسي والوطني، ويبدأ نشاط القوى الدينية والجماعة الإسلامية بالتنسيق مع السلطات ورجال الأعمال، ويرتدي التدين لبوس البزنس والتحريض على الأقباط والمرأة المسلمة المتبرجة. أصبح الحجاب جزء من ثقافة الأسرة المصرية حتى ساد اعتِقاد بأن الحجاب عامل لزواج البنات أما السافرة فلن يتزوجها أحد وستبور في البيت. تصرخُالعمة زينب في وجه ناديا مُحرضةً إياها وناصحة:”الحجاب يا ناديا… الحجاب.. الشيخ البحراوي قال لازم تطهري قلبك بالإيمان وتتحجبي”ص309.
الإسلام هو الحل!
يتحالف رأس المال الفاسد مع الدعاة والمحرضين على العنف والتكفير. ويسود العجز وتهيمن السلبية وتتصدر عبارة” الإسلام هو الحل” في أوساط الشباب في الجامعة بشكل معلن . تُسلط الرواية الضوء على دور بعض الجهات بتشجيع الشباب على السفر لأفغانستان وباكستان للجهاد ، ثُمَّ تغض الطرف عنهم وهم يغادرون حدودها إلى هُناك. تتفاقم المشكلة بعودة هؤلاء، ويغزون الأحياء بما فيه حي الزمالك وتسودُ ممارسات غريبة عن المجتمع المصري. تعمل الجماعة الإسلامية على تخريب عقول التلاميذ وتحريم الفن …وتبدأ موجة من التفجيرات التي تهز المدينة ( أنجز النجم الفنان عادل إمام عدة أفلام سينمائية عن موضوعات ذات صلة فيها مقاربات ) . أما عن كيفية اِنتقاء المرشحين الجدد للتنظيمات الجهادية، فيتم التوجه نحو الانطِوائي والمنهزم وقليل الحيلة والمنبوذ… كل هذه الصفات تُزكي الطالب وتُعجِّل بانضِمامه للجماعة بعد أن يُقسم على الطاعة والولاء.
الرواية دراسة عن أدب السجون إلى جانب كونها رواية بوليسية بامتياز، وهي أيضاً دراسة عن التحولات الاجتماعية في مصر خلال نصف قرن وانحطاط القيم الأخلاقيَّة وتنامي الأصولية الدينية ….
ملاحظة لا بُدًّ منها: كتبَ الروائي هاني الراهب(1939-2000) رواية”الوباء” عن توحش الدولة الأمنية في سوريا بعد استلام الضباط “الثوريين” أبناء الريف السلطة ما بعد انقلاب الثامن من آذار المشؤوم، لكنه لم يُقارب الواقع بجرأة أشرف العشماوي. رواية “الوباء” صادرة عن دار الآداب في بيروت عام 1988.
*روائي مصري له ست روايات: تويا، بيت القبطية، زمن الضباع، المرشد، البارمان الحائزة على أفضل رواية عربية لعام 2014. أما رواية سيدة الزمالك: فهي من الروايات التي لاقتْ رواجاً كبيراً وأثارتْ جدلاً واسعاً على صعيد مصر. وللروائي كتاب كبحث عن سرقة الآثار المصرية بعنوان”سرقات مشروعة”. يعمل الروائي كقاضٍ في محكمة الاستئناف في القاهرة.




