شمس الحسيني — الناس نيوز:
بين المناطق الفارهة والأحياء الشعبية تجري أحداث “غيومٌ داكنة” متمثلة بالتربّص والإجرام والطمع والخيبات، ويبدع الكاتب “أرنالدور أندريداسون” في تحويل المشاعر الإنسانية إلى منعطفات قاسية، تتلاحق من صفحة إلى أخرى.
تبدأ الرواية بكثير من التشويق، والوصف الذي يجعل القارئ ينتظر ما سيحدث في السطور التالية، فأدوات الجريمة الجاهزة، وأكثرها أهمية قناع الموت تتصدر المشاهد الأولى، وترتيب “أندريس” للحظات القتل، والرجل العجوز الذي ينتظر الموت في غرفة مظلمة، كل تلك الإشارات ترفع حالة الترقب في داخلك.
وتتشعب الخطوط وتجتمع مجدداً لتكشف نقاب حكاية أندري الصغير مع هذا الرجل، الذي تسبب له بكثير من الألم، وكأننا للحظة نتعاطف مع مجريات الجريمة وننتظر أن تحدث وتُنهي حياة رجل ظالم، دون العودة إلى الإنسانية ومفاعيلها في داخلنا التي يجب أن ترفض القتل مهما كانت دوافعه.
أندريس الطفل الذي عانى من حياة قاسية حتى بوجود والديه، ومن ثم انفصالهما، وانتقاله إلى الريف البعيد للعيش مع عائلة غريبة لمدة عامين، وبعدها العودة لمنزل والدته، ليعاني التشرد مجدداً، بسبب زوجها الذي عذبه أكثر مما كان يتوقع، حيث كان يغتصبه بشكل دائم ويسجل ذلك على أشرطة الفيديو، مما حوله إلى مجرم فيما بعد.
وتتابع الرواية بتعريفنا إلى الشرطي “سيغوردور” الذي يمثل البطل الرئيسي في الحكاية، لترسم الكلمات ملامحه وشخصيته بشكل مفصل، ونراه في اللحظات الأولى يترصد للص الصحيفة في أحد الأبنية.
لم يستطع أن ينجح في علاقته العاطفية التي تخللتها الكثير من العقبات، وبدا مهملاً لها في كثير من الأحيان، وربما كان السبب في ذلك تلك الفوقية التي ينظر فيها إلى الناس، وتوضح الرواية أنه ورثها عن والدته، أو ربما عدم الرغبة في تحمل المسؤوليات الكبيرة، حيث رفض رغبة حبيبته بتبني طفل، وصارت تلك العقبة محوراً أدى لفراقهما.
ولم يتمكن كذلك من إكمال دراسته في مجال القانون، وليست المرة الأولى التي يعاني فيها من فشل دراسي، فالأمر يعود إلى طفولته، وطلاق والديه، وتنقل أمه الدائم من مدينة إلى أخرى ومن حي إلى آخر، غير آبهة بشكواه الدائمة ومعاناته من تغيير مدرسته.
وبعد أن التزم بعمله كشرطي، وشغل كل وقته، ظل يحلم بأن يلتحق بتلك الجامعة مرة أخرى، وأن يتحول إلى رجل قانون مكتمل الصفات، وما يحفز رغبته كان أحد أصدقائه الذي تحول فيما بعد إلى رجل مغرور ذائع الصيت ولكن لا أحد يحبه.
ويلتقي بعد ذلك بصديقه باتريكو عندما يأتي ليطلب منه خدمة شديدة الغرابة. وتبدأ رحلته في حل قضية تتعلق بأحد الشخصيات السياسية المرموقة، والذي يتعرض لابتزاز أمام فضيحة جنسية كبيرة.
وتحولت حكاية الابتزاز إلى محاولة قتل تتطلب إيجاد الفاعل الذي هاجم “لينا” الامرأة التي كانت مع زوجها، المرشد السياحي الشهير، و يستخدمان بيتهما لحفلات غريبة من نوعها، يتم ضمنها تبادل الأزواج.
وأثناء التحقيق مع إيبي تظهر براعة سيغوردور في الدخول نحو أعماق القضية، والتلاعب بالكلمات، لأخذ المزيد من المعلومات، والتوصل إلى كل ما يمكن معرفته، وربط الأحداث بطريقة متواصلة وذكية، للكشف عن خيوط الحادثة الحقيقية، رغم تشعبها وارتباطها بقضايا عدة أخرى.
عندما تضيق الحياة كثيراً، لتطرح مزيداً من الأسئلة علينا، وتصبح الإجابات مفقودة، نلجأ إلى أكثر الأشخاص قرباً، ونبحث عن حب افتقدناه منذ زمن، لا يكون البحث عن الشخص ذاته عادةً، بل ربما عن المشاعر الجميلة التي رافقت وجود هذا الشخص، لذلك كان سيغوردرو يبحث عن الطمأنينة، فقرر أن يلتقي بيرغثورا، علها تشاركه كل تلك الدوامة التي دخل بها مؤخراً، ولكن الغياب يترك أثره على العلاقة دائماً، وبشكل واضح جداً، لا يمكن إنكاره.
انتهى لقاءه مع بيرغثورا بشكل سيء كما كان يحدث سابقاً، الجدال ذاته، دون الوصول إلى أي نتيجة مرضية، لذلك لم يستطع الحصول على الطمأنينة التي كان يبحث عنها أبداً.
وأثناء التحقيق ندخل إلى حياة الأشخاص الخاصة، لنرى كم تتضمن من خفايا لا يمكن توقعها، فرغم الهدوء الذي قد يظهره الآخرون أمامنا، نجد لو تعمقنا قليلاً آلاف الأسرار والخفايا، حتى يصير الأمر أشبه برحلة لتعرية الأشخاص لا الحقائق.
وفاة لينا تزيد من تعقيد القضية بشكل أكبر، وتعود مسألة ابتزاز الأزواج بالصور المخلة بالآداب أثناء حفلات ” التأرجح” كما كانوا يسمونها، لتظهر من جديد وتتسع أكثر فأكثر.
لماذا يرتبط الجنس بالجريمة، بشكل دائم، سؤال وجودي يصعب إيجاد الإجابة عليه حقاً، هل لأن الجنس دافع للبقاء، والموت هو الفناء والنهاية، هل لأن التناقضات تقف دائماً مصطفةً على خط واحد في الحياة؟ لا بد أن يكون لهذا الأمر إجابة يبحث عنها الكاتب طوال الوقت خلال الحكاية.
حتى عندما نقوم بحل المعضلات وإيجاد المجرم، والإقدام على محاسبة الجاني، يبقى هناك، في زاوية ما من هذا العالم، أو في زاوية ما بداخلنا، شيء ما غير مكتمل، أسرار ودوافع، رغبات وكلمات ناقصة، وسطور لا يمكن أن تتسع لكتابة النهاية.
——————————————————————
رواية: غيوم داكنة
الكاتب: أرنالدور أندريداسون
ترجمة وطباعة: الدار العربية للعلوم
الشخصيات الرئيسية:
سيغوردور:البطل الرئيسي شرطي
أندريس: البطل الثاني، أحد لصوص ريكيافي
روغنفالدور: زوج والدة أندريس
باتركيو: مهندس، صديق سيغوردور
غوفي: رجل قانون صديق سيغوردور
هيرمان: قريب باتريكو
بيرغثورا: مديرة شركة، حبيبة سيغوردور
لينا: ترتب مع عشيقها ابتزاز الآخرين
إيبي : مرشد سياحي، عشيق لينا
ثورارين: تاجر مخدرات
إنتغولفور: قس غير ملتزم