شمس الحسيني / الناس نيوز
يُتهم الحب بأنه مجرد عاطفة تعصف بالقلوب فتوقع الأضرار في حياة العاشق، وتورطه في دخول دوامة لا نجاة منها، هذه النظرة للحب خلفت آثاراً كثيرة على حياة البشر وأخذتهم إلى ردات فعل جاهزة تجاه الآخر الذي قد يكون المعشوق أو يكون عاشقاً أيضاً.
بينما إذا استعرضنا تاريخ البشرية في شريط ذاكرة سريع نجد أن الحب هو المؤسس الأول لكل المبادئ الفكرية القائمة عليها الحياة، وهو الركيزة الأقوى للاستمرارية وإرادة التغيير في حياة الإنسان.
تستعرض رواية هيبتا ضمن حبكة جميلة ولغة بسيطة وكثير من الحوارات العامية باللهجة المصرية أنواع الحب بحسب رأي الشخصية الرئيسية في الرواية (أسامة) حيث يلقي محاضرة تتضمن عدداً من القصص تلخص في رأيه جوانب الحب كافة.
ويضمنها في مراحل سبعة يعرف كل واحدة منها في سطر يعبر عن مضمون المرحلة وما تؤدي إليه في حياة العاشق.
- البداية “قيل يوماً ما إنه لا توجد بدايات حقيقية .. بل مجرد نهايات مستمرة”
- اللقاء “قيل فيما مضى أن بمجرد نظرة العين يحدث العشق..كانوا كاذبين!”
- العلاقة “قيل فيما مضى أن الحياة لا تكتمل إلا بالحب..لكنهم لم يعلمونا شيئاً عن الاكتمال”
- الإدراك ” قيل فيما مضى إن الحب عادة ما يصاحبه الألم.. لم يعرفوا أن البشر هم الجناة”
- الحقيقة ” لا توجد حقيقة مطلقة ..مجرد أكاذيب عشقوا تصديقها”
- القرار “كل ثانية يوضع أمامك اختيار بسيط قد يجعل الحياة كلها مختلفة .. وكل ثانية تختار أن تؤجل القرار خوفاً، فتظل كما أنت..”
- هيبتا
يستهل الرواية بحكمة جميلة تختزل الكثير من الأسئلة الوجودية التي نطرحها على أنفسنا في كل يوم، ويتحدث عن السلوك الإنساني ضمن مثال بسيط جداً.
“كلنا بلا استثناء بنلف فدواير، لأن الدايرة هي الأسلوب العبقري في ضمان الاستمرارية وعدم التجديد، كل حاجة مربوطة ببعضها قوي، كل حاجة حصلت قبل كدة ومش جديدة” ثم تابع ” الفرق بينك وبين اللي جنبك انك تكسر أي حاجة في الدايرة دي”.
القصة الأولى حول سلمى والرجل (أ)
سلمى تسأل نفسها: ” هل تحبه ؟ ذلك الملل والفتور الذي يتعامل به مع الدنيا كلها ، هل يروقها؟”
يتركها في حيرة تترنح على أرض غير ثابتة فقط لأنه فقد تلك اللهفة إلى أي شيء في الحياة حتى حبيبته. بينما نرى (أ) يبحث عن وسيلة تنشله من حالة الفراغ التي تسكنه، وذلك الألم الجسدي الذي لا يتركه. وتظهر على السطح المقابل لشرفته فتاة تتصرف بجنون فتثير رغبته في الحياة، ويدفعه سحرها ليطلب منها الزواج قبل أن يعرف اسمها (رؤى).
وتخلى عن سلمى في لحظة واحدة. وبعد أن تعرف إلى رؤى أكثر تزوجها، وبدأت بعد ذلك مرحلة التملك والخوف من فقدان واحدهم للآخر.
دنيا والرجل (ب)
ب يسأل دنيا: “هو النيل هو اللي ساحر فعلا؟ ولا احنا اللي عاوزين نلاقي السحر في أي حاجة؟” يجيب على السؤال بنفسه ” احنا اللي عاوزين نلاقي السحر في أي حاجة، النيل والبحر والسحاب والجبال كلها جماد بس كل واحد بيشوف انعكاسه فيهم ..يعني السحر جوانا احنا مش فيهم”
بهذا الحوار البسيط يظهر الكاتب الطريقة التي يرى بها (ب) الأشياء من حوله، ومن ضمنها حبيبته. بينما تحاول هي التركيز على الحديث عن وضعه الصحي الذي يحتاج إلى عناية في الفترة القادمة، بعد إجراء العملية.
تهاجمه مشاعره تجاه سارة فيهرب منها ليعترف لدنيا بحبه لها، تلك الكلمة التي أخفاها عنها لسنوات طويلة. وبعد إجراء العمل الجراحي الخطير للورم الذي فوق عموده الفقري يبدأ مرحلة الاحتياج لوجود دنيا.
عُلا والرجل (ج)
تبدأ الحكاية في جلسة تجمع عدداً من الأصدقاء، عندما يقوم الرجل (ج) برسم عُلا على منديل في المقهى كردة فعل سريعة على سخرية أحد الموجودين من عمله كرسام .
“علا الوحيدة التي أثار الرسم خوفاً مبهماً داخلها، وهي تنظر ل (ج) الذي يمزح ويسخر من الناس كأنما لم يفعل شيئاً على الإطلاق.. ربما لأنها شعرت لأول مرة أن هناك من يعرفها جيداً..ربما أكثر من نفسها”. – الرسم يحمل هواجسها “الجناحين والقيود والحزن والحرية“.
وتأتي اللحظة الفاصلة عندما تحاول أن تهرب إلى علاقتها المستقرة بحبيبها فتتصل لتشكوه تصرف (ج) الذي استفزها بأن ترك لها بريده الإلكتروني على المنديل، لكن حبيبها لم يسمعها لأنه مشغول بأشياء أخرى، لا يهم ما الذي يشغله، إلا أن تلك اللحظة حددت فيما بعد مسير الحكاية، كما يحدث دائماً.
“الإرادة الحرة.. لعنة كل الخطايا” بتلك الجملة تنبئنا الرواية بحدوث غير المتوقع، وتزداد علاقة علا بالرجل (ج) مع الأيام.
في لحظة ما يقول الرجل (ج) لعلا: “المشكلة في حبك إنه إدمان” كم من المرات نردد هذه الكلمة داخل عقولنا أو نجهر بها لتسقط قلوبنا في حيرة لا تنتهي، هل من سبيل للتخلص من هذا الإدمان؟؟
طلب (ج) الزواج من علا ووافقت دون تفكير، لكن الحقائق تُغير القرارات في لحظاتها الأخيرة.
شخصية الصبي (د) والفتاة الصغيرة مروة هي الإشكالية في المحاضرة التي يلقيها أسامة لأن عمره سبع سنوات فقط. لكن المحاضر يقول مبرراً طرحه لهذا المثال ” أول حب في الحياة هو اللي بيحدد البني آدم ده إيه أصلاً وهيكمل ازاي”
إلى أين يعيدنا الكاتب في هذه القصة إلى مراحل الطفولة الأولى وتلك المشاعر المشاكسة التي تثير الابتسامة على وجوهنا دون أن نستطيع ردعها.
تطرح الرواية غير الممكن في أحداث بسيطة ويرتب الأحداث المربكة التي ربما مررنا بها يوماً ما، أو قد تمر بنا لنعيشها دون طرح الكثير من الأسئلة المنطقية.
يقول أسامة خلال المحاضرة ” أنا هنا عشان أقول لكم ازاي الواحد مننا بيقع في نفس الفخ اللي بييجي منو كل الوجع والحزن و الألم”.
في المرحلة الخامسة التي هي مرحلة الحقيقة بحسب الرواية يقول المحاضر “الواحد بيغلط غلطة دايماً في المرحلة الخامسة، بيوعد وعود كتير قوي، هو مش عارف عمقها ولا آخرها”
ينقلهم المحاضر بين المراحل واحدة تلو الأخرى ويتابع سرد القصص ليدخل الجانب المؤلم حقاً، عدم الرضا، الرغبة في التغيير، والغيرة التي تقلب موازين الحياة.
ترميز أسماء الرجال في أحرف أبجدية يشعرنا أن هناك معادلة رياضية علينا حلها كي نصل إلى نتيجة ما، لا يعطينا إياها الكاتب مجاناً بل يتركنا لنبحث عنها ونجدها.
لنكتشف فيما بعد المفاجأة المدهشة بأن (د) هو (ج) وبأن كل واحد من الآخرين قد يكون هو ذاته في مراحل وأدوار مختلفة لكنها الروح العاشقة ذاتها التي تحيا العشق إلى أن تصل إلى مرحلة (هيبتا).
الشخصيات الرئيسية في الرواية:
أسامة: المحاضر الذي يشرح مراحل الحب وصولا إلى هيبتا
علا: فتاة حالمة كئيبة تبحث عن الفرح
سارة: فتاة تعاني من السرطان لكن بروح قوية
رؤى:فتاة تعرضت للاغتصاب فتحررت من عالمها
سلمى:فتاة تقليدية
دنيا:فتاة في مقتبل العمر
مروة:طفلة مشاكسة
الرجل (أ)
الرجل (ب)
الرجل (ج)
الطفل (د)
محمد حسن: أحد الحضور في المحاضرة
يحيى المهندس: أحد الحضور
حمزة: أحد الحضور
نجوى: إحدى الحاضرات
نورا: بين الحضور
أحمد: أحد الحضور
فاطمة: ممرضة في المشفى
العقيد هشام: شريك الرجل (ب) في الغرفة
عبد الحميد صالح: مريض في نفس المستشفى
منى :صديقة علا