اسطنبول – أروى غسان – الناس نيوز
يستحوذ على حواسك جميعاً بمجرد دخوله والتجول في زواريبه الصغيرة، فلحي الفاتح الإسطنبولي روائحه وأطعمته وأجواؤه الشامية التي تفرد كامل سلطانها في شهر رمضان المبارك.
تتعالى أصوات البائعين وتتسيد اللهجة الشامية المشهد، فتأخذك لوهلة إلى حي الميدان الدمشقي بحلوياته وقطائفه ومعروكه المغطى بجوز الهند، وصنوفه غير المنتهية من البقلاوة والحلويات السورية، ولا عجب أن يحضر حي باب سريجة بضجيجه وخيراته الرمضانية ببالك وأنت تتجول في الحي الإسطنبولي، كذلك ستُذكّرك عربات مشروب العرق سوس والتمر هندي والجلاب، ومحلات الصفيحة والأوزي والمعمول بكل تلك الأحياء الشامية التي تنضح بأطايب الطعام في الشهر الكريم.
حي الفاتح الواقع وسط إسطنبول القديمة، يعتبر اليوم خزان البضائع السورية والعربية بأنواعها، بعد لجوء عدد كبير من السوريين والعرب للإقامة فيه هرباً من الحروب او اوضاعهم العامة الدائرة ، هؤلاء نقلوا ثقافتهم وخبراتهم وسلعهم إلى هناك، وافترشوا الأسواق مع الأتراك ، اصحاب الخبرة اللذين يطبعون رمضان بخصوصيتهم ، لكنهم مع وجود جمهور واسع من العرب والسوريين اصبح الحي الشهير وسوقه الشعبي التاريخي ، تركيا على الأرض لكنه بنكهة سورية وعربية فغالبية ما في المكان ينطق بلغة الضاد، بلافتاته وواجهات محلاته، ومن الوارد جداً أن يرحب أحدهم بزبون باللغة التركية فيجيبه بالعربية، ويحدث العكس كثيراً في المدينة التي تتشابه فيها ملامح السكان،ويشبهه في ذلك حي إسنيورت الذي يقطنه آلاف السوريين.
ولحي الفاتح الواقع في القسم الأوروبي من مدينة إسطنبول، خصوصية تاريخية ودينية وتراثية كبيرة، يستطيع الزائر أن يلمسها في كل ركن هناك، فيجدها مرسومة على البيوت العتيقة والجوامع والدكاكين المتلاصقة، التي تحدثنا جميعها عن حضارة عريقة تمتد جذورها في عمق التاريخ.
ويكتسب الحي طابعه الروحاني في رمضان من جامع الفاتح العريق الواقع على كتف السوق والذي بني عام 1436 ميلادية وأعيد بناؤه في 1771 ميلادية بعد تعرضه لزلزال، حيث تصدح مآذنه البيضاء بحضارة إسلامية عمرها خمسة قرون.
وقبل انتشار الوباء المستجد، كان هذا المسجد التاريخي عامراً بالمصلين والزوار، وكان من الصعب أن تجد فيه موطأ قدم لشدة التوافد عليه ولاسيما أثناء صلاة التراويح.
لا كورونا ولا غيره استطاع أن يحدّ من عطاء هذا الحي في شهر الكرم ، حيث تجود أسواق الفاتح الشعبية بمحالها وبسطاتها وكل بضاعتها، فمتع ناظريك بالفرجة الممتدة من أول السوق لآخره واختر ما تشتهي نفسك ويناسب جيبك، وإن كانت جيبك فارغة اكتف بالتجول في بزوريات الفاتح واستنشق رائحة “ماورد” الشام، وتذكر طقوس مصر ، وتذوق تمر العراق ، واستمتع بمناسف الخليج ، كل ما اشتقتم إليها وطالت الغربة…
ولعل الزائر لمدينة إسطنبول يكتشف اكثر فاكثر انها النموذج الفريد الذي يجمع بين الشرق والغرب وسط جماليات خلابة من المناظر الطبيعية ، الجامعة لتداخل الماء باليابسة ، وهي في عمومها لوحة سارقة للقلوب