سوزان المحمود – الناس نيوز ::
تجربة فريدة اختبرها مجموعة من الأشخاص “من كتّاب ومؤدين وجمهور” اجتمعوا في إحدى زوايا مدينة دمشق ليعيشوا تجربة خلق نص مسرحي يكتب للخشبة، مما يؤكد أن روح المسرح لم تغادر دمشق للحظة، رغم كل ما مرت به المدينة.
“الكتابة للخشبة 2″ هي ورشة كتابة مسرحية بدأت منذ زمن طويل مع فريق كبير من مشاركين ومشرفين، اختيرت في النهاية خمسة نصوص مسرحية للمشاركة في الورشة، وفي هذه الأمسية قدمت قراءات لنصوص الخمسة” لثلاث كاتبات شابات سوريات وكاتبين شابين سوريين أشرفت عليها باهتمام بالغ أثناء الكتابة وعلى الخشبة السيدة ميادة حسين، الأستاذة في المعهد العالي للفنون المسرحية والتي تدرس مادة المسرح العربي، على مدار أكثر من عام وثمانية أشهر ولا تزال مستمرة. وأدارها على الخشبة المايسترو المخرج الشغوف مجد فضة. الهدف الرئيسي لهذه البروفة القراءات المسرحية “لكتابة قيد الإنجاز” أمام الجمهور، كان هو مساعدة الكتاب على فهم نصوصهم وتطويرها أثناء تفاعل الجمهور معها إذ أحد أهداف ورشة الكتابة المسرحية هذه التي تتم برعاية ودعم مؤسسة “مواطنون فنانون” متمثلة بالدكتورة القديرة ماري إلياس، هو كيف يمكن للكتاب الشباب الجدد أن يطوروا التفكير الدرامي وبالتالي عقلية الكتابة الدرامية دون وصاية من الأساتذة والكتاب الأكبر سناً، لذلك الإشراف كان يدعم الشباب ويدفعهم للأمام دون التدخل في مسارات الكتابة بل يساهم بجعل الكتاب يطورون نصوصهم بأنفسهم، عن طريق مراقبتها وهي تتلى بصوت المؤدين أمام الجمهور، المأمول من كل هذا هو إحداث أصوات مستقلة تستند إلى تجاربها الشخصية الحياتية والفكرية التي تمثل هذا الجيل الذي نشأ خلال سنوات الحرب. وبالتالي خلق أو اكتشاف ودعم كتاب مسرح جدد في سوريا يكتبون للخشبة. وبالفعل لقد كانت الورشة موفقة إلى حد جيد في الوصول إلى هدفها إذ كان بإمكاننا كجمهور متلقٍ مراقبة اختزال الوضع السوري الإنساني المتردي الذي وصلنا له من خلال هذه النصوص الخمسة، الألم الجماعي والألم الشخصي المُركّز وصلنا تماماً رغم محاولة اللعب الذي حاول القيام به مجد والكسر المتعمد للحدود الوهمية بينه وبين المؤدين وبين المؤدين وبيننا. وبين المؤدين وكتاب النصوص أدخلنا في لعبته القرائية وقام بإدارتنا نحن والمؤدين الذين أجادوا في جذبنا إلى ورقهم، فهو اعتمد أولاً على اقتطاف مقاطع من نصوصهم، مقاطع هدفت إلى إعطاء فرضيات غير منتهية عن النص الهدف (الشخصيات والأحداث ومآلاتها). بالتالي كل فرضية قابلة للتطوير وللتغيير ثم إلى تحويل الكلمات الصامتة على الورق إلى كلمات منطوقة بإحساس معبر من قبل المؤدين حيث كان أحد أهدافه أثناء العمل معهم جعلهم يتشربون النصوص بأراوحهم ويستمتعون بالأداء ما انعكس على لغتهم الجسدية وأصواتهم وتفاعلهم المثمر مع النص ومعه ومع الجمهور المتلقي الذي أُرِيدَ له أن يشارك في المطبخ المسرحي وفي اللعبة المسرحية بالنسبة له هم أناس يتحركون لديهم حكايا وحكاياهم جميعاً تصب في حكاية المدينة التي يسكنونها وناسها، وبالتالي في حكاية البلاد.
القراءة الأولى كانت من نص “البيت” لباسل الفاعور وقام بالأداء ياسر البحر وسهير صالح، قاما بأداءٍ جيد ياسر الممثل المتمرس وسهير بأدائها الرهيف وصوتها الجميل النص يتحدث عن كافيه أو فندق أو مكان أُرِيَد له أن يشبه البيت، يديره شاب يحاول أن يعامل نزلاءه كأهل البيت، لكن تدخل سيدة شابة بعد منتصف الليل وتخلخل الوضع المستقر في هذا المكان الهادئ بأسئلتها وكلماتها المرتبكة، أحد الأمور التي ستلفت نظرك كمتلقٍ في هذا النص وفي النصوص اللاحقة هو اللغة والتلاعب بها وربما اللغة أثناء الأداء التي تبدو متشككة مرتبكة وغير مستقرة إذ يمكنك أن تلمس ذلك من صوت سهير ومن رهافتها المتشككة بكل شيء.
القراءة الثانية كانت من نص”الآن/هنا..ك” للكاتبة الشابة لمى العبد المجيد قام بالأداء دانيال الخطيب وغريس الأحمر، يتحدث النص عن زوجين يعيشان في هذه المدينة في ظل الظروف القاهرة، يسيطر الاكتئاب والكسل على الزوج تحاول الزوجة إخراجه من وضعه دون جدوى ثم تحاول السفر بعيدا عنه، لكنها تعود لزوجها الذي رفض المغادرة لتنتظر معه ما سيأتي. يحاول النص تصوير حالة الناس الذين يعيشون هنا وتمزق مصائرهم ما بين راغب بالسفر للبحث عن شروط إنسانية للحياة وبين من هو عاجز تماماً عن ترك البلاد.
القراءة الثالثة كانت من نص “حارسة الحكايات” للكاتبة الشابة روعة سنبل القادمة من عالم القصة قام بالأداء الفرزدق ديوب وغريس الأحمر ويتحدث النص عن رجل عجوز بسيط يعمل حديثاً حارساً في أحد الحمامات في حديقة عامة وعن قصص فتيات الليل اللواتي يأتين لاستخدام هذه الحمامات وعن روح سيدة ميتة تخاطبه وتحرس حكاياتهن، وحذرته من الكتابات الموجودة على جدران الحمامات العمومية التي تحمل جزءاً من تاريخهن الشخصي المؤلم ومن ذاكرة المدينة المشوشة.. نص زاخر بالدلالات.
القراءة الرابعة كانت من نص “شيزلونج” للكاتب الشاب دانيال الخطيب قام بالأداء ياسر البحر والفرزدق ديوب ويتحدث عن طبيب نفسي يهم بمغادرة عيادته في الطابق الخامس من إحدى بنايات وسط البلد أو ربما يوهمنا بذلك، لكن يدخل عليه مريض فجأة ويعطل خروجه ويصيبه ويصيبنا بالارتباك، وكأنه يرغب باللعب معنا وبأعصاب الطبيب المرهق.
القراءة الخامسة والأخيرة كانت من نص “ديالوغ” للكاتبة الشابة والممثلة هيا حسني حيث قامت هي بأداء نصها مع ياسر البحر نص ينتمي إلى كتابات ما بعد الصدمة يتأرجح ما بين الواقعي والعبثي والسريالي يتحدث عن أم تقتل طفلها وتحاول الانتحار، وهي موجودة الآن مع طبيبها المكان الذي تقترحه يشبه المصحة النفسية، لا شيء فيه يدل على الحياة سوى شجرة الليمون التي تتوسط المكان نص مؤثر وصادم ويبشر بكتابة مسرحية جادة وجديدة قامت هيا بأداء جيد ومؤثر لنصها.
أقيمت القراءات المسرحية في غاليري زوايا في دمشق، باب توما، برج الروس. حيث وضعت خشبة مسرحية في أحد أطراف الصالة بينما جلس الحضور الكثيف في الطرف المقابل وجزء منه اضطر أن يجلس على الأرض محيطاً بالخشبة في جو حميمي طقسي للقراءة المنتجة المتفاعلة. تجربة لطيفة عاشتها دمشق مع أبنائها وبناتها.
النصوص: هي: “البيت” لباسل الفاعور، “الآن/هنا..ك” للمى العبد المجيد، “حارسة الحكايات” لروعة سنبل، “شيزلونج” لدانيال الخطيب، “ديالوغ” لهيا حسني.
المؤدون: دانيال الخطيب، سهير صالح، غريس الأحمر، الفرزدق ديوب، مجد فضة، هيا حسني، ياسر البحر، فريق الإضاءة: أوس رستم، الطاهر سلوم، تصوير ومونتاج: عمر ملص، زين خزام، صديق الورشة: كمال بشير إخراج: مجد فضة، إشراف: ميادة حسين.