[jnews_post_author ]
لم يكن رياض الريس صحافيا عاديا من أولئك الذين يكتبون من داخل المكاتب، بل من طينة الصحافيين الذين يعشقون السفر إلى الحدث والكتابة من داخله، ولذلك كانت كتاباته ذات طعم خاص، وبقيت على مر الزمن تحتفظ بقيمة استثنائية، لأنها عبارة عن رحلات نحو الخطر ومغامرات لاحق فيها الصحافي الحروب والثورات والتحركات الاحتجاجية. رحالة وصل إلى أماكن قصية من العالم في وقت لم تكن وسائل السفر متاحة وسهلة كما هي عليه، وأشهر رحلاته حين ذهب حتى فيتنام من أجل تغطية آخر المعارك في تشرين الأول 1966، حين أعلن ممثلو أميركا وحلفاؤهم المشاركون بجنودهم في الحرب كأستراليا ونيوزيلندا وتايلاند وكوريا الجنوبية والفلبين في مانيلا استعدادهم للانسحاب من فيتنام بعد ستة أشهر، إذا ما خرجت فيتنام الشمالية من الحرب.
اشتغل رياض مراسلا متنقلا. وكاتب ريبورتاجات، وتميز أكثر في متابعاته لمنطقة الخليج العربي واليمن في وقت لم تكن هذه المنطقة معروفة للعالم، وحضر على صفحات صحيفتي الحياة والنهار ومجلة المستقبل الباريسية التي كانت منبرا حرا برئاسة نبيل خوري الذي جمع عددا غير قليل من الأقلام العربية منها محمد الماغوط، إبراهيم سلامة، سمير عطالله..إلخ، وحقق أكثر من سبق صحافي، وحاور غالبية زعماء المنطقة، وكان أول حديث صحافي باللغة العربية لسلطان عمان قابوس بن سعيد في يوم تنصيبه عام 1970 من نصيب رياض الريس.
وبعد أن عمل الريس زمنا طويلا في صحف الآخرين كان طموحه أن يطلق مشروعه الصحافي الخاص، وقام بعدة محاولات في المنار والناقد من لندن والنقاد من بيروت، ورغم النجاحات التي حققها في الناقد الأسبوعية على وجه التحديد، فقد كان حلم الريس الفعلي هو إعادة إصدار صحيفة القبس يومية من بيروت ودمشق. وكان يريد إحياء إرث والده الصحافي السوري اللامع نجيب الرئيس مؤسس القبس التي توقفت في فترة الوحدة المصرية السورية، ولذلك ذهب إلى دمشق عدة مرات بعد عام 2000، وكان يأمل أن الرئيس الجديد والشاب في سوريا بشار الأسد سوف يكون أكثر مرونة من والده حيال الإعلام، إلا أنه واجه العقلية نفسها وانكفأ على نفسه من دون أن يخضع إلى مساومات، وكان في وسعه أن يصدر القبس من بيروت لو أراد، إلا أنه فضل أن تصدر في دمشق وبيروت، وبذلك أراد أن يحقق معجزة سابقة لأوانها تتمثل في توأمة بيروت ودمشق إعلاميا، وهذا أمر غير ممكن في ظل وضع سياسي قائم على الوصاية وسيادة الرأي الواحد ومعاداة التعددية الإعلامية والسياسية. ولم يكن الحكم في سوريا بوارد الانفتاح الإعلامي والسياسي، وطلب من رياض ما لا طاقة له به، وهو أن يعيد إصدار القبس تحت سقف النظام، ولذلك طوى الفكرة، وعاد أدراجه إلى بيروت. ولم يكن النظام راضيا على نهج الريس الذي حين كان يذهب إلى دمشق يلتف من حوله الكتاب والصحافيون والمثقفون، وتنعقد جلسات نقاش حول الإعلام والحريات في سوريا، وهو ما كان يحرج السلطة في دمشق.
كان رياض نصيرا لحرية الإعلام والنشر حد الفوضى في بعض الأحيان، ونشرت مجلتا الناقد والنقاد مقالات وآراء لم تتجرأ على نشرها كل المنابر العربية التي كانت تصدر في تلك الفترة، وذات الشيء حصل في دار النشر (دار رياض الريس) التي تحولت إلى منصة للكتب الممنوعة.
وكان أكثر ما يؤلم رياض في السنوات العشر الأخيرة هو عجزه عن السفر، فمنذ أن بدأ يتردد إلى المشفى من أجل غسيل الكلى بمعدل ثلاث مرات في الأسبوع، تغير مزاجه وإيقاعه، ولكنه بقي يتمتع بحيوية وحاسة شم عالية لكل جديد في الإعلام، وحين زرته في المرة الأخيرة في صيف 2016 وكنت ذاهبا إلى بيروت من لندن حدثني بشوق شديد إلى لندن التي عرفها شابا حين درس في كامبردج، وقصدها مع بداية الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975، وهناك أسس مغامرته الكبيرة، وكانت ذروتها في “شارع فليت” وسط لندن.
رياض الريس بدأ شاعرا ضمن مجموعة مجلة شعر حول يوسف الخال، ونشر ديوان شعر وحيد، ولم يكمل في هذا الطريق. اختار الصحافة، ولأنه يؤمن بأن هذه المهنة نبيلة، كان يعرّف عن نفسه: رياض الريس صحافي. اكتفى بهذا الوسام وأغمض عينيه على الحرية.
——————————————————————————————–
بشير البكر