اللاذقية – الناس نيوز :
خلال حقبة حكم حافظ الأسد كانت “الاحتفالات” الغطاء الأسهل على كل قضايا الفساد داخل المؤسسات الحكومية، فمن غير الممكن لأي لجنة تفتيش أن تسأل مدير مؤسسة عن حجم الإنفاق “المبالغ به جدا” للاحتفال بتجديد البيعة لـ”القائد الفذ”، أو احتفالات النصر في تشرين أو أو.. والقائمة تطول بالإنجازات التي تستحق الاحتفاء بها “ونشر فكر القائد الملهم” يستحق أن يخصص له ميزانية خاصة كما قالها أحدهم يوما ما.
ومع توريث الحكم للأسد الابن، واتخاذ منحى جديد في طريق التعاطي مع “الاحتفالات” والتخفيف من مظاهرها قدر الإمكان، أصبحت الطرق أكثر فتكا بمقدرات السوريين للتستر على السرقات، فالمدير الفاسد لا يكتفي فقط بالسرقة والنهب وإنما حرق المؤسسة مع اقتراب موعد التفتيش، والسبب دائما “ماس كهربائي”!
وتابعت جريدة ” الناس نيوز ” الأسترالية الإلكترونية مؤخراً، حيث شكّلت حرائق الساحل فرصة ذهبية لإدارة مؤسسة “ريجة القرادحة”، فبعد مضي أيام قليلة على الحريق الذي اندلع أوائل الشهر الجاري، في “المؤسسة العامة للتبغ” بمدينة القرداحة، بدأ مدير المؤسسة العام محسن عبيدو بإقالة عدد من الإداريين بداخلها، وسط اتهامات لعبيدو بضلوعه في الحريق.
وأعفت الإدارة العامة لمؤسسة التبغ في سوريا بقرار رسمي، في 12 من تشرين الأول، عدداً من مديريها ومسؤوليها بالمنطقة الساحلية، ونقلت صحيفة “الوطن”، شبه الرسمية ( كانت مملوكة لرامي مخلوف ، احتجز النظام مؤخرا رئيس تحريرها وضاح عبدرابه لفترة قصيرة وابلغه ان ولائه اصبح لأسماء الأسد التي كلفت من يشرف عليها وفق مصدر من داخل جريدة الوطن ) عن مدير عام مؤسسة التبغ، محسن عبيدو، أنه تم إعفاء مدير المنطقة الساحلية للمؤسسة، ومدير قسم تبغ الورق، ورئيس دائرة تخزين القرداحة وشعبة الحرس، والمسؤول الأمني والدفاع المدني في ريجة القرداحة.
وأضاف عبيدو، أنه عند الانتهاء من التحقيق من قبل الجهات المعنية، سيتم كشف الملابسات وإعلام الجميع بالنتائج، وتبيان فيما إذا كان هناك متورطون حتى ينالوا جزاءهم ويتم حفظ حقوق المؤسسة.
بالعودة إلى ما نقلته تلك الجريدة “الوطن” عن مدير مؤسسة التبغ، في 12 من تشرين الأول، فإن عبيدو قال إن النيران شبت “في محيط” مستودعات المؤسسة (الريجة) بمنطقة القرداحة بريف اللاذقية، “وامتدت إلى داخل أحد المستودعات، وأتت على مستودع للتبغ الخام مؤلف من أربعة طوابق مساحته 1600 متر مربع”، وفق حديثه. ولكن بالاستناد للصور التي نشرتها وكالة الأنباء الرسمية “سانا”، فإن الحريق كان من داخل المؤسسة، ولم تظهر في الصور أي نيران في محيط أو بجوار المبنى.
أهل الساحل أدرى بـ”فاسديهم”.
عقب حريق “الريجة” في القرداحة بدأت الحقائق تطفو على السطح، عبر رسائل يتم تناقلها على تطبيق “الواتس آب” مبنية على حقائق ومعلومات خاصة تحت عنوان “مفاجأة من العيار الثقيل” وهاشتاغ “فساد يستحق محاكمات عسكرية” وفحوى تلك الرسائل بأن سجائر شركة 1970 (وهي شركة مفترض أنها مستوردة من بريطانيا، إلا أن السجائر تصنع في سوريا، وأن المتورطين بعملية التزوير هم كل من :
وفي المعلومات التي تابعتها ” الناس نيوز ” فإن محسن عبيدو مدير عام الريجة فكرت بركات مدير الريجة باللاذقية وزوجته الدكتورة رولا إسماعيل، وهي مدرّسة بكلية الاقتصاد جامعة تشرين.
رامي سلمان مهندس مسؤول عن الصيانة بالريجة، وزوجته تدعي روجينا. أيمن قرة فلاح علاء ميهوب ووالده عميد متقاعد في الحرس الجمهوري. بعض قيادات حزب البعث باللاذقية.
رامي مخلوف ينتقم من رجال “أسماء” الأخرس الأسد .
وفقا للرسائل المتداولة والتي يرجح أن رامي مخلوف وجماعته هم مصدرها، حيث إن محسن عبيدو، هو المرافق الشخصي لأسماء الأسد، وأحد أدواتها الاقتصادية ضد رامي مخلوف، وكلّف عبيدو 2011 بإدارة موسسة الاسمنت ومواد البناء، وبعدها مديرا عاما للمؤسسة العامة للخزن والتسويق، فِي العام 2017 تم نقله لإدارة “المؤسسة العامة للتبغ” ليخلف نادر عبد الله.
ووفقا للرسائل المتداولة فإن المدعو فكرت بركات ومحسن عبيدو يمتلكان أرصدة “فلكية” بـ”بنك بريف” في روسيا، وكذلك الأمر بالنسبة لرامي سلمان الذي يودع الأموال باسم زوجته المدعوة روجينا بمصارف لبنانية وتركية.
أما الفائدة الأكبر التي تتأتى من الاستحواذ على زراعة وتصنيع وتجارة التبغ المحلي فهي تعود عليهم بالأرباح الطائلة نتيجة عملية التزوير لـ”ماركات عالمية” فالأسماء السالف ذكرها هم من يقوم بهذا التزوير والاستثمار وتصدير المنتج إلى عدة بلدان مجاورة مثل لبنان والأردن، ووفقا للرسائل المتداولة فإن محسن عبيدو حصل على وكالة استخدام الاسم من الشركة البريطانية وبدأ بشراء التبغ البلدي من السوق المحلية وتغليفه ليصبح سجائر 1970، حيث تتم عملية التغليف في قرية (بستان قبان) قرب القرداحة، تحت إشراف المدعو فكرت بركات وقصي عبداللطيف ومحسن عبيدو وتحت حراسة مشددة حول المزرعة وهناك أحاديث يتم تداولها بالساحل بأن هناك تجارا جدد لم يظهروا بالمنطقة سابقاً يشترون الدخان البلدي بأسعار أفضل من سعر (مؤسسة التبغ ـ الريجة) بحجة تصديره ومن ثم يتم نقله من الشواطئ السورية إلى باخرتين تابعتين لمحسن عبيدو وفكرت بركات لتتم صناعة المنتج على هذه البواخر المجهّزة ويعود ليدخل بشكل غير قانوني إلى سوريا.
وتشير المعلومات التي تكشفها الرسائل أنه ومن خلال البحث عن ماهية هذه السجائر تبيّن بأنها تُنتج من قبل شركة تدعى 1970، حيث إن الموقع الإلكتروني لهذه الشركة هو موقع محلي وصف الشركة بأنها بريطانية مملوكة من قبل مجموعة (BTC) العالمية الدولية التي ـ بحسب من يُعرف عنها ـ تملك باعا طويلا منذ ربع قرن بالبيع، والترويج، والتطوير في مجالات التبوغ، والضيافة، والأزياء، والإكسسوارات، وتواكب احتياجات عملائها في العالم.
لكن لم يتم ذكر أي مكان أو صور لمعمل أو مصنع لإنتاج التبوغ، كما لم ينس مشرفو صفحة “الفيس بوك” التابعة للموقع التذكير بوطنية المنتج البريطاني السوري بكل منشور، وتضم الصفحة 51,697 مشتركا وقد نشرت منشورها الأول بتاريخ 29 مارس 2018 حاوية مئات الإعلانات عن عودة الزمن الجميل وشعارات أخرى يتضح هدفها مع معرفة صاحب الاستثمار، كما تحوي سحوبات لربح دراجة نارية أو موبايل، ومشاركات الشركة بأجنحة في عدة معارض كمعرض دمشق الدولي والشام بتجمعنا.
علاقة الشركة بجزر فيرجن البريطانية
يقول القائم على تلك الرسائل بأنه وبعد عدة اتصالات علم بأن عنوان الشركة في سوريا موجود في يعفور البوابة الثامنة ليؤكد له مصدر من دمشق صحة ما تم ذكره على الموقع الإلكتروني للشركة نفسها بأن العنوان الوهمي هو في جزر فيرجن البريطانية، ومع الحملة الدعائية الكبيرة لدخان 1970 يتم قطع الطريق على 60 ألف فلاح يبيعون الدخان لمؤسسة التبغ بعرض أسعار أعلى، والدفع بشكل مباشر عكس مؤسسة التبغ التي تشتري بدفوعات متفرقة.
وختمت الرسائل بالتذكير بكل ما لحق بالشعب من فساد السلطة بالقول: “فيما يخص الشعب هدف فكرت بركات ومحسن عبيدو والعصابة أن يدخل دخان سيجارة 1970 رئة السوريين وتتغلغل شعاراته مع سرطان النهب في شرايينهم.
ما فاتهم بأن هذا الشعب ضحى بكل شيء من أجل حماية الوطن راح مليون شهيد وصار نص الشعب لجوء.. والنصف الثاني وضع معيشي سيئ”.
الموظف الصغير “كبش فداء”.
بدأت تحقيقات “شكلية” في حريق مبنى ريجة القرداحة، والذي أدى إلى أضرار تفوق 1500 طن من التبغ وذلك في ظل اتهامات ساقها أهالي المنطقة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بأن الحريق مفتعل للتغطية على فساد الإدارة. مدعّمين اتهاماتهم تلك بصور لمحيط المبنى تظهر عدم وصول الحرائق للأشجار المحيطة به الأمر الذي عقبت عليه المؤسسة بالقول ” إن هناك كرات نارية كانت تضرب المبنى نتيجة شدة الرياح”.
وللوقوف على حقيقة الإعفاءات الجماعية التي صدرت بحق مدير المنطقة الساحلية للمؤسسة ومدير قسم تبغ الورق ورئيس دائرة تخزين القرداحة وشعبة الحرس والمسؤول الأمني والدفاع المدني في ريجة القرداحة، حاولت وسائل إعلام محلية استيضاح الصورة من وزير الصناعة زياد صباغ كما هو مفترض، إلا أن الأجوبة على لسان محسن عبيدو مدير عام المؤسسة العامة للتبغ في اللاذقية (وهو المتهم الأول) والذي بدوره جاءت أجوبته مقتضبة جدا ومكررة حول هذا الموضوع.
وأكد عبيدو أن الإعفاءات تمت على خلفية الحريق بدائرة تخزين القرداحة سواء للمسؤولين المباشرين عن الدائرة وغير المباشرين لافتا إلى أنه إجراء أولي بانتظار نتائج التحقيق.
وكشف عبيدو أن التحقيقات بدأت ولكن لم تصدر أي نتائج لغاية الآن موضحا أنه منذ اليوم الأول للكارثة شكلت لجنة من مديرية تبغ الورق من أجل حصر الكميات بدقة والتنسيق مع المؤسسة العامة للتأمين من أجل التعويض المناسب إضافة إلى لجنة من مديرية الأبنية لتقدير حجم الضرر بالمبنى المؤمن عليه أيضا.
يشار إلى أن الحريق أتى على مستودع للتبغ الخام مؤلف من أربعة طوابق مساحته 1600 متر مربع و1500 طن من التبغ إضافة إلى حالات الاختناق ومعاناة المصابين بالربو الذين نقلوا إلى المشافي جراء الدخان الناتج عن احتراق التبغ.
قطع شريان الساحل “الأخير”!.
تسهم زراعة التبغ في رفع مستوى الحياة الاجتماعية، من خلال تشغيل اليد العاملة والحد من البطالة، كما يعد التبغ من الزراعات البيتية التي يشارك بها جميع أفراد العائلة، والتبغ يكسب أهمية كبرى، لكونه يزرع في مناطق جغرافية فقيرة نسبياً بمواردها الطبيعية مثل المرتفعات الجبلية الساحلية.
وكانت إذاعة “المدينة” المحلية نقلت عن مدير التخطيط في المؤسسة العامة للتبغ، سلمان العباس، أيار الماضي، أن عدد المدخنين في سوريا يبلغ أربعة ملايين ونصف مليون، موضحاً أن 60% من المدخنين تتراوح أعمارهم بين 20 و40 عاماً، وهم فقط من مستهلكي منتجات التبغ المحلية أو المستوردة بطريقة نظامية.
وبحسب إحصائية البنك الدولي، بلغ عدد سكان سوريا في 2018، نحو 17 مليون نسمة، ما يعني أن أكثر من ربع السكان من المدخنين.
كما يعد التبغ المحصول الزراعي الثالث في سوريا، ويعمل في زراعته حوالي 60 ألف مزارع، ويعيش على زراعته وصناعته وتجارته حوالي 90 ألف مواطن، بحسب “المؤسسة العامة للتبغ”. وتبلغ المساحات المخصصة لزراعة التبغ في سوريا حوالي 5500 هكتار، وبلغت كمية الإنتاج في موسم 2019، أكثر من 11200 طن، بمبلغ قدّر حينها بـ 18 مليار ليرة سورية.
وبالعودة لشركة التبغ 1970 والتي تحمل شعار “الأسد” ربما للتذكير بأن الأسد الأب انقلب على السلطة بـ1970، الفكرة تجسد بأن العائلة الحاكمة تتعامل مع سوريا بعقلية “المزرعة” التي تم توريثها ولا يجب التفريط بها، وهذا ما تم تطبيقه حرفيا خلال العقد المنصرم وما حمله من دمار وخراب لسوريا وأهلها.