ميديا – الناس نيوز ::
العربي الجديد – أنس أزرق – يكاد يكون عنوان الكتاب (لبنان في ظلال جهنم)، الذي أصدره أخيرا الوزير والنائب اللبناني السابق باسم السبع، صالحا ليس للفترة التي تحدث عنها (من اتفاق الطائف إلى اغتيال الحريري) فقط، بل وحتى يومنا هذا.
لبنان في ظلال جهنم، نعم، ومنذ ما قبل اتفاق الطائف وحتى الهجوم الاسرائيلي الحالي على لبنان.
الكتاب الصادر هذا العام عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر في بيروت يروي فيه الكاتب مراحل من حياته الخاصة والعامة مركزا على العلاقة التي جمعته مع رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري (1944- 2005)، ووريثه سعد الحريري.
يرى الكاتب أنه رغم الكتب والأفلام التي تحدثت عن تجربة الحريري ومسيرته السياسية والاجتماعية، إلا أنها تظل ناقصة، لأن الرجل لم يبح بكل أسراره وكيف تحول من مصحح في المطبعة إلى رئيس حكومة وصاحب نفوذ مالي وسياسي لبنانيا وعربيا ودوليا.
مليار دولار للأسد للانسحاب من لبنان
يتحدث السبع عن أحلام الحريري التي أودت بحياته، وأولها تحقيق انسحاب الجيش السوري من لبنان وإعادة إعمار دول الصراع العربي – الإسرائيلي بعد حلول السلام.
ويروي أن الحريري كشف له خلال رحلة في طائرته إلى باريس عن خريطة للمنطقة “عليها أرقام مالية كتبت بقلم رصاص إلى جانب عواصم الدول”، وقال إن المنطقة تحتاج لمشروع كمشروع مارشال لإعادة إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، ويجمع هذا المشروع عشرة مليارات دولار ويوزعها على الدول المعنية بالصراع، بما فيها إسرائيل، وبذا يتحقق “سلام مبني على قاعدة اقتصادية متينة”
. رد السبع: “هل بإمكانك شراء السلام؟ من سيقنع حافظ الأسد بالانسحاب من لبنان؟”. أجاب الحريري: “انا مستعد أن أضع من مالي الخاص ما بين 600 مليون دولار إلى مليار، تخصص لسورية لتشجيعها على الانسحاب”، وذلك حسب قاعدة الحريري الذهبية: “ما نشتريه بالفلوس أهون على البلاد من شرائه بالدم”.
كان الحريري يحلم بإقامة طائف عراقي مراهنا على “وجود صديقه إياد علاوي على رأس السلطة التنفيذية في العراق، وتبنى الحريري توقيع اتفاقية للتجارة الحرة بين الدول العربية بغية إنشاء سوق عربية مشتركة”. كما تحدث السبع عن حلم الحريري أن يستضيف لبنان كأس العالم لكرة القدم في عام 2014، كما حلم الحريري بتشييد قصر مؤتمرات وبناء جسور معلقة في لبنان، وقد جعل خصومه من مشروعه الإنمائي والعمراني كابوسا عليه و”على الخزينة العامة”.
السبع والحريري
بعد مغادرة السبع صحيفة السفير عام 1991، بدأ بالبحث عن عمل، وذات يوم اتصل به محمد الصقر، رئيس تحرير جريدة القبس الكويتية، وأخبره بأنه قادم بطوافة خاصة إلى بيروت ليعرض عليه رئاسة تحرير القبس، ولكن اتصالا آخر من زميله الصحافي أسعد المقدم، الذي تسلم إدارة الاعلام عند الحريري، يدعوه لمقابلة “الشيخ الحريري”، بدّل مسيرته نهائيا، مهنيا وعائليا، حيث عمل مع الحريري وتزوج لاحقا من مديرة مكتب أسعد المقدم. كان طلب الحريري مقابلة السبع في قصر إيفل في باريس بتوصية من “البيك الأحمر” سمير فرنجية.
في هذه الزيارة، سيكلف الحريري السبع بإنجاز ورقة عمل لإصدار جريدة عربية دولية في بيروت (المستقبل). ويصف السبع قرار الحريري بإصدار “المستقبل” بأنه “أول إشعار بانتقال الحريري من حال الوسيط السياسي.. إلى رجل سياسة من العيار الثقيل”.
ولاحقا سيكتب السبع أول خطاب للحريري شكل طلته السياسية الأولى من منبر الجامعة الأميركية في بيروت عام 1992.
لم يكن اسم الحريري قبل ذلك مطروحا باعتباره سياسيا لبنانيا وإنما بصفته موفدا سعوديا أو مغتربا لبنانيا حاز ثروة هائلة من عمله في المقاولات في السعودية، ما جعله قريبا من العائلة المالكة، ولا سيما من الملك فهد بن عبد العزيز.
وقد سمع اللبنانيون باسم الحريري لأول مرة عندما أهدى طائرة لرئيس الوزراء سليم الحص عام 1976، ثم دوره في مؤتمر جنيف 1983 برعاية سعودية سورية، ومؤتمر لوزان 1984 وقبله إلغاء اتفاق 17 أيار/ مايو 1983 والاتفاق الثلاثي بين نبيه بري ووليد جنبلاط وإيلي حبيقة، وصولا إلى مؤتمر الطائف (1989).
النيابة والوزارة
طلب باسم السبع الإذن من الحريري للترشح لمجلس النواب عام 1992 عن المقعد الشيعي في دائرة بعبدا – جبل لبنان، وبالفعل أخذ الحريري موعدا للسبع من عبد الحليم خدام في دمشق قائلا له أنا مهّدت لك الأمر و”الباقي عليك”.
التقى السبع بخدام، الذي يقول السبع عنه إنه كان يعرفه جيدا وكان قد اقترح عليه تعيينه في مجلس النواب عام 1990، وفي طريق عودته من دمشق مر بعنجر للقاء غازي كنعان لتكتمل “البركة السورية”، وقد طلب منه خدام التحالف مع إيلي حبيقة.
نجح في هذه الانتخابات ثلاثة محسوبين علي الحريري، هم أخته بهية الحريري على قائمة نبيه بري في الجنوب، وفريد مكاري عن المقعد الأرثوذكسي في الكورة، والسبع على لائحة جنبلاط. تزامن دخول السبع مجلس النواب مع وصول الحريري لرئاسة الحكومة الذي أهداه منزلا بقيمة نصف مليون دولار في هذه المرحلة.
عندما اعتكف الحريري في أيار/ مايو 1994 من مهام رئاسة الحكومة أوفد السبع إلى خدام، الذي أخبره بأنه سيحل مشكلة الحريري مع الرئيس آنذاك إلياس الهراوي وبري و”يكون أبو بهاء راضيا” وسيزور بيروت غدا برفقة العماد حكمت الشهابي، وهذا ما حصل، وبدأ معه ما عرف بترويكا الحكم: الهراوي وبري والحريري.
الودائع السورية
يشير هذا المصطلح اللبناني إلى الشخصيات السياسية اللبنانية التي يريد النظام السوري دخولها لمجلس النواب أو مجلس الوزراء ضمن كتلة سياسية وازنة، لأنهم لا يستطيعون الوصول إلى النيابة أو الوزارة بمفردهم.
في حكومة الحريري الأولى (1992 – 1998)، أوصى كنعان بتوزير محمد بسام مرتضى ونقولا فتوش. “وبخلاف الحصص التي شملت الرئيسين الهراوي وبري والوزير جنبلاط، فإن الغلبة في التشكيلة كانت للودائع السورية.. وتوزعت الودائع على محورين سوريين، الأول يتكون من خدام وحكمت الشهابي وكنعان، والثاني باسل الأسد وخلفه بشار ومعهم اللواء محمد ناصيف”. ومن الودائع السورية، حسب رواية السبع، الوزير عبد الرحيم مراد، رجل النظام السوري الأول في البقاع الغربي، والوزير المعتمد من عنجر لدى الحريري.
وفي الحكومة التي شكلها الحريري عام 2000 كانت فيها ودائع لبشار والرئيس إميل لحود بالإضافة لمراد والوزراء جان لوي قرادحي وإلياس المر وعبد الرحيم مراد وكرم كرم وسليمان فرنجية وعاصم قانصوه مدعومين من نائب رئيس الوزراء عصام فارس. وكذلك شحنت تشكيلة الوزارة عام 2003 بودائع جديدة فيها ميشال سماحة وعاصم قانصوه وكريم بقرادوني وفارس بويز.
عنجر مقر ” ترتيب الصفقات ” والتعذيب الأخطر لاستخبارات نظام الأسد في لبنان .
يروي السبع ذكرياته مع عنجر، مركز الحكم السوري في لبنان، حيث كان من الذين ناشدوا سورية العودة إلى بيروت أثناء حرب المخيمات عام 1987، حيث استدعاه كنعان مع مسؤولي التحرير في جريدة السفير إلى مقره في الرملة البيضاء، وطلب كنعان منهم توزيع إنذار إلى المسلحين بإخلاء شوارع بيروت وتصويره صباح اليوم التالي يمارس رياضته على الكورنيش.
كما يتحدث عن رد فعل كنعان عندما رفض مسلحو حزب الله إخلاء ثكنة فتح الله وأهانوا الدورية السورية، فهاجم السوريون الثكنة وأعدموا 22 شابا من مسلحي الحزب وبعض المدنيين.
وسط بيروت
أراد الحريري إعادة بناء وسط بيروت، وانقسم اللبنانيون انقساما حادا، وتصدى السبع لشرح المشروع مقارنا إياه بمشروع المهندس الفرنسي جورج هوسمن لبناء باريس في أواخر القرن التاسع عشر، ولكن الحريري خاف من إطلاق اسم “جرذ لبنان” عليه، كما فعل معارضو هوسمن بإطلاق لقب “جرذ باريس” عليه.
قبل إعمار وسط بيروت، أطلق الحريري مشروع أوتوستراد الجنوب ولزّمه لشركة قاسيون الحكومية السورية ليضمن الموافقة عليه.
بشار يدفن والده قبل موته
تسلم بشار الأسد ملف لبنان قبل وفاة والده، وأراد أولا تنحية الفريق السوري السابق الذي كان يدير الملف، وهم الثلاثي خدام والشهابي وكنعان، وبدأ الحريري بالقلق لأن المذكورين هم أصدقاؤه في دمشق. كان أول تدخل كبير لبشار في الشأن اللبناني هو انتخاب إميل لحود رئيسا عام 1998، وينسب السبع علاقة إميل لحود بباسل الأسد ومن ثم بشار الأسد إلى ترتيب جميل السيد، الذي خاض معارك لحود قبل الوصول للرئاسة وكان “الرجل الخفي وراء الإدارة السورية – اللبنانية المشتركة في عهد لحود لتحجيم رفيق الحريري والتنكيل برجاله في السلطة”.
مع ترؤس لحود الجمهورية والمشكلة التي حصلت بتفويض بعض النواب الرئيس اختيار رئيس الوزراء وانكفاء الحريري واعتذاره عام 1998، قال الحريري: “بشار الأسد أخذ قرارا بدفن والده وهو على قيد الحياة، والله يسترنا من هذا الشاب، حجر على الختيار (حافظ الأسد) وبلش يستلم الحكم”.
انتخب لحود رئيسا بعد تعديل دستوري، وكانت فترة رئاسته “عهد اغتيال الحريري سياسيا قبل اغتياله جسديا”، حيث كشف الحريري عن نصيحة تلقاها، وهي أنه أمام ثلاثة خيارات: إما مغادرة لبنان، أو السجن، أو الموت.
بدأ عهد لحود بملاحقة رجال الحريري الذين كانوا في الحكم، ورفعت دعاوى ضد السبع، واحدة تتعلق بوزارة الإعلام، والثانية وزارة البلديات التي تولاها السبع بالنيابة لأشهر.
وقبل تشكيل الحكومة الثانية للحريري عام 2000، نقل السبع رسالة من خدام للحريري مفادها أن “الجماعة عنا ناويين عليه وما رح يسمحوا له أن يحقق أي إنجاز، خبرو ما يشكل حكومة ويروح عالمعارضة أو يأخذ إجازة طويلة برا لبنان، قل له يحمي رأسو”.
ويضيف السبع أن خدام أراه مذكراته في تلك الجلسة قائلا له “بشار مختلف عن حافظ، ولكن الاثنين من طينة واحدة، لا يمكن لسورية أن تحكم إلى الأبد بالمخابرات، غير طبيعي توريث الابن في نظام جمهوري”.