د . حسين عيسى – الناس نيوز ::
الزواج مضجر، لأنه يلغي سرية العلاقة، يجعلها علنية مثل ثياب داخلية خاوية، تعذبها ذكرياتها، منشورة على حبل غسيل، على مرأى من الجميع. وليس بها خوف من انكشاف أو فضيحة أو عقاب.
فسرية العلاقة، والحفاظ عليها نقية من أعين “الأغيار” وألسنتهم، تحتم نوعاً من الاتحاد، لذيذاً ومعذباً، في النضال ضد الخارج، الذي قد يقتحم بغتة فيفسد جوانية العلاقة.
فالعاشقان لا يكافحان فقط للوصول إلى اتحادهما المشتهى، في داخل العلاقة، في كهفهما الملكي الوثير، في عرينهما المخملي المقدس، بل أيضاً إلى اتحادهما البراني، اتحادهما على الجانب البراني لعلاقتهما، لصد الآخرين، كل الآخرين. فالعالم مقسوم اإى شطرين: العاشقان، وبقية العالم.
الزواج مضجر!.
لأنه يسيل متثائباً مع سيلان الزمن الخارجي البليد، بينما يُكسّر العاشقان سيلان الزمن الخارجي، إلى أزمنة صغيرة داخلية طافحة بالعيون القلقة المترقبة، طافحة بضجيج القلوب المشتاقة، والأجساد المشدودة، شهوة وخوفاً.
سيكون الزمن ظلالاً متعاقبة لتحركاتهما ومناوراتهما الخفية المحمومة، وستحمل كل لحظة من اللحظات لذة الاحتيال، على الأبوين، والإخوة، وبقية العالم، كما تحمل لذةَ أن تتعلم مهارات الصيد، وكيف ترمي صنارتك لاقتناص الزمن المناسب والمكان المناسب.
وسيكون على العاشقين أيضاً، أن يعيدا توزيع الأمكنة، على المكان، فليس كل ما يلمع من الأمكنة ذهباً، بل على العكس، فربما تكون زاوية مهجورة، أو ظل شجرة نائية، لها مذاق ذهب خالص، أكثر عذوبة، برضاب الحبيب، من كل قصور العالم.
وبعود ثقاب واحد فقط يحرق الزواج هذا الصرح الشاهق من السرية، ويتطاير رماد أزمنته اللاهثة القلقة، وأمكنته العابرة إنما المشدودة فوق حافة الخوف والهاوية. ولا يبقى من هذه السرية الجليلة، إلا سرية واحدة، فاترة تفهة، تفضلوا، سيداتي سادتي، ومارسوا “الحب” ببلادة روتينية.
الزواج مضجر!
لأن الحبيب متاح، ومتوفر في أي وقت، تحت اليد، عند الطلب! وكيف يظل الحبيب حبيباً وهو متاح في أي وقت، كيف؟ وفوق أنه متاح، هو مضمون وبالمجان! ما عليك سوى أن تمد يدك، وأنت تتثاءب، وتتناوله، عن ذلك الرف، أو من تلك الخزانة.
لن تكون مطالباً بدفع أحسن ما لديك، وألطف وأزكى ما لديك، فالشريك مضمون وجاهز.
ولن تَدفعَ إلحاحك وشغفك، ولا توسلاتك الشهوانية كي يستسلم لك الحبيب أخيراً، وسوف تكف عن تحرشاتك المثيرة، وتكف عن مطاردة الحبيب، كما كنت في أيام العشق، محاولاً كسر مقاومته المثيرة المتمنعة. لا، تَفَضّل! عليك اللعنة، كل شيء جاهز ومضمون، موضباً هناك فوق سرير الزوجية بانتظارك لتؤدي واجبك: هزتان وشخرة!
الزواج مضجر! .
فمع طول العشرة، لا يعود جسد الحبيب، كما في أيام العشق، نقشاً مسمارياً، لا تقرأه حتى ينكتب بكل تفاصيله على جسدك. وما عاد يباغتك برائحته الوحشية، فقد باتت رائحة مدجنة أليفة، ولا منعطفات غير متوقعة، فالطريق كلها معروفة، فما يفاجئك نهد بحمحمته، ولا عشب يّودُ لو يشابك بحنان عشبك، ولا عتمة من نبيذ تحرق عتمتك.
يا حيف! فالواحد يعرف، عن ظهر قلب، ما ينتظره عند الآخر، ويعرف مسبقاً وبالبراهين اليقينية المكررة حتى الإعياء، قياس الصلابة الجافة على هذه الضفة، وقياس الطراوة الرطبة على تلك الضفة المقابلة. يعرف عيار القبلة، ويعرف من أي عمق جاءت الآهة.
لقد تآخى اللحم، حتى أمسى الواحد سائقاً محترفاً، يقود دون انتباه، جسد الآخر. آه، أين تلاشى ذلك الانتباه المتوقد الذي لا يترك حادثاً على الطريق إلا ويرتكبه متعمداً! تآخى اللحم حتى لتخبو في الرجل رجولته، ويغدو أكثر أنوثة، وحتى لتخبو في المرأة أنوثتها، وتغدو أكثر رجولة.
فيبحث الرجل سراً، ولو في خياله، عن امرأة أخرى تبعث فيه رجولته من تحت رماد زوجته، وتبحث المرأة، ولو في سرها، عن رجل آخر يبعث فيها أنوثتها من تحت رماد زوجها، من جديد!
الزواج مضجر! .
فالشريك أمسى حقاً شرعياً (حلال زلال) من حقوقك، ولا فخر! تمارسه علناً وعلى الملأ، أمام الناس والقانون والله. رباه! وكيف تكون القبلة خمراً، إن لم تكن الخمرة حرام، وكيف تكون اللمسة، رنيناً مُدوخاً، والقبلة موجة سُكْر عميقة، إن لم تكونا، من وراء ظهر الجميع، وكسراً لقوانين الجميع، وحراماً بحرام، كيف؟.
الزواج مضجر ومضجر ومضجر! .
ولهذا فكل قصص الحب العظيمة، ظلت عظيمة لأنها لم تقع في شبكة الزواج. لذلك نحن لا نتزوج، إلا من نريد أن نتخلص من حبه سريعاً، لننطلق بعدها من جديد، بحثاً عن الحبيب.