بكين – الناس نيوز ::
احتفت وسائل إعلام صينية بزيارة رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ إلى أستراليا ضمن جولته الخارجية التي استمرت أسبوعاً وشملت نيوزيلندا إضافة إلى ماليزيا التي أجرى فيها مباحثات الأربعاء. وأولت بكين أهمية كبيرة إلى زيارة رئيس الوزراء الصيني لأستراليا نظراً لتدهور العلاقات بين البلدين خلال السنوات الماضية.
ووصلت العلاقات بين الصين وأستراليا إلى أدنى مستوياتها قبل أربع سنوات، بعد أن دعا رئيس الوزراء السابق سكوت موريسون، سلف أنتوني ألبانيزي، في إبريل/نيسان 2020 إلى إجراء تحقيق دولي في منشأ فيروس كورونا، في اتهام مباشر للصين. وانتقدت بكين آنذاك الخطوة الأسترالية، ووصفتها بأنها ذات دوافع سياسية. وقد أدى الخلاف الدبلوماسي المتصاعد إلى قيام الصين بوقف التبادلات على المستوى الوزاري، وفرض العديد من الحواجز التجارية على المنتجات الأسترالية، بما في ذلك لحوم البقر والأخشاب والفحم والنحاس، ما تسبب بأضرار بالغة للمُصدرين الأستراليين. كما فرضت أستراليا تعريفات جمركية على منتجات الصين استجابةً للضغوط الأميركية آنذاك. كما اعتقلت السلطات الصينية صحافية صينية تحمل الجنسية الأسترالية (تشينغ لي) لمدة ثلاث سنوات بتهمة التجسس وإفشاء أسرار الدولة، قبل أن تفرج عنها العام الماضي.
كما أدت الاضطرابات الجيوسياسية إلى توتر العلاقات بين الشريكين التجاريين الرئيسيين في السنوات الأخيرة، حيث تنظر بكين إلى الروابط الأمنية الوثيقة بين أستراليا والولايات المتحدة من خلال الشراكة الرباعية مع اليابان والهند، واتفاقية أوكوس الدفاعية مع بريطانيا، على أنها جزء من الجهود الغربية الرامية إلى احتواء صعود الصين. لكن مع وصول ألبانيزي إلى السلطة قبل عامين، شهدت العلاقات تحسناً ملحوظاً، تكلل بزيارة أولى له إلى الصين العام الماضي، والتي أسفرت في وقت لاحق عن رفع بكين الحظر عن المنتجات الأسترالية، بينما قامت كانبيرا من جانبها بإلغاء التعريفات الجمركية التي فرضتها على بعض الواردات الصينية.
ووضعت صحيفة غلوبال تايمز الحكومية، قبل أيام، زيارة رئيس الوزراء الصيني إلى أستراليا في إطار عودة العلاقات الثنائية إلى مسارها الطبيعي بعد سنوات فاترة. ولفتت أن إلى الحكومة الأسترالية الحالية أدركت أن الحكومة السابقة ذهبت أبعد من اللازم في التعامل مع علاقات كانبيرا ببكين، ما أدى في النهاية إلى الإضرار بمصالح الشعب الأسترالي. وقالت إن هناك دعوة متزايدة للحكومة لتحسين الحوار مع الصين، إذ يبدو أن الحكومة الجديدة قد اتخذت سلسلة من الإجراءات الاستباقية لتحقيق الاستقرار في العلاقة بين البلدين.
نتائج زيارة رئيس الوزراء الصيني لأستراليا
واتفق الجانبان على إدارة خلافاتهما بشكل سليم لتعزيز حيوية ومتانة علاقاتهما الثنائية، وذلك في أعقاب محادثات ثنائية جرت في كانبيرا يوم الاثنين الماضي بين لي تشيانغ ونظيره أنتوني ألبانيزي. كما أصدر الطرفان بياناً مشتركاً قالا فيه إنه تم الاتفاق على تعزيز الاتصالات من أجل حماية السلام الإقليمي بشكل مشترك واستكشاف سبل المساعدة بشكل أفضل في تنمية دول جزر المحيط الهادئ. كما تم الاتفاق خلال زيارة رئيس الوزراء الصيني لأستراليا على إطلاق آلية حوار ثنائي حول الشؤون البحرية ومواصلة المحادثات السياسية بين وزارتي الدفاع في البلدين. وتم التوقيع أيضاً على خمس وثائق تعاون بشأن التجارة والحوار الاقتصادي والتعليم والمناخ والتبادلات الثقافية.
وخلال مشاركة لي تشيانغ في الاجتماع السنوي التاسع لقادة الصين وأستراليا، صرح بأن بلاده مستعدة للعمل مع كانبيرا لبناء شراكة استراتيجية شاملة أكثر نضجاً واستقراراً لتحقيق فائدة أفضل للشعبين. كما أعلن أن بكين ستدرج أستراليا في قائمة الدول التي لا تحتاج إلى تأشيرة دخول من جانب واحد. وفي إشارة إلى نقاط الخلاف بين الصين وأستراليا، قال لي تشيانغ: اتفقنا على إدارتها بشكل مناسب وبطريقة تليق بشراكتنا الاستراتيجية الشاملة.
من جهته، سلط ألبانيزي، في تصريحاته، الضوء على الاختلافات المتبادلة في التاريخ والأنظمة السياسية والقيم. وقال: سوف نتعاون مع الصين حيثما نستطيع، ونختلف حيث يجب، ونعمل من أجل المصلحة الوطنية. وأضاف: كان من المهم بالنسبة للصين وأستراليا أن تتعاونا، بالنظر إلى مدى قربنا جغرافياً، ومدى ترابطنا اقتصادياً، والروابط العميقة الدائمة بين شعبينا. وأضاف ألبانيزي: أنا مصمم على مواصلة تنمية علاقتنا حيثما أمكننا ذلك.
نقاط خلاف
وعلى الرغم من تراجع الاحتكاكات التجارية، لا يزال الجانبان على خلاف بشأن سلسلة من القضايا في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، مثل بحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان. ودعا ألبانيزي، خلال زيارة رئيس الوزراء الصيني لأستراليا بكين، بكين إلى لعب دورها الحيوي في إبقاء المنطقة مفتوحة ومستقرة ومزدهرة.
ودعت أستراليا مراراً إلى ضرورة العمل مع الصين لتعزيز التوازن الإقليمي حيث لا تهيمن دولة على أخرى. من جهتها طالبت الصين أستراليا بدعم انضمام هونغ كونغ إلى الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، وهو الطلب الذي قدمته أيضاً إلى نيوزيلندا الأسبوع الماضي. بالإضافة إلى ذلك فإن كون أستراليا جزءاً من التحالف الاستخباراتي المعروف باسم “العيون الخمس”، الذي يضم أميركا وبريطانيا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا، أمر لطالما أثار حفيظة الصين، التي تعتبر أن مثل هذه التحالفات في جوارها الإقليمي تستهدف صعودها وتندرج ضمن المحاولات الغربية بقيادة الولايات المتحدة لاحتواء بكين.
خطوة في الاتجاه الصحيح
وفي تعليقه على نتائج زيارة رئيس الوزراء الصيني لأستراليا ودورها في إذابة الجليد بين البلدين، قال الباحث الصيني في العلاقات الدولية بمركز ونشوان للدراسات الاستراتيجية جيانغ لي، في حديث لـ”العربي الجديد”، إن العلاقات بين الجانبين تسير في الاتجاه الصحيح. ولفت أن لي تشيانغ، هو أول رئيس وزراء صيني يزور أستراليا منذ العام 2017.
وتوقع أن تمهد زيارة رئيس الوزراء الصيني لأستراليا الطريق أمام زيارة أولى للرئيس الصيني شي جين بينغ، إلى أستراليا منذ توليه السلطة في العام 2013. كما أشار إلى أن أنتوني ألبانيزي كان في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أول رئيس وزراء أسترالي يزور الصين منذ العام 2016. وأضاف أن بكين بدأت عملية إعادة ضبط لعلاقاتها مع كانبيرا بعد انتهاء حقبة الإدارة المحافظة السابقة في السلطة، والتي استمرت تسعة أعوام. ولفت إلى أن من شأن زيارة رئيس الوزراء الصيني لأستراليا أن تفتح صفحة جديدة من العلاقات بين البلدين تقوم على المصالح المشتركة والمنفعة المتبادلة، بعيداً عن تأثير وهيمنة القوى الغربية.
في المقابل، قلل لونغ يوان، الباحث الزميل في جامعة تايبيه الوطنية (تايوان)، في حديث مع “العربي الجديد”، من شأن التقارب بين بكين وكانبيرا. وقال إن الأمر لا يعدو كونه إبداء لحسن النوايا الدبلوماسية. واستبعد أن يتم تسجيل خروقات في ما يتعلق بالقضايا الخلافية، مثل وجود أستراليا في تحالف أمني ودفاعي دولي (أوكوس) يضم الولايات المتحدة وبريطانيا، والذي قد يمكنها من الحصول على غواصات نووية، وهي خطوة تُدرج ضمن خطط استراتيجية لمواجهة طموحات بكين في منطقة المحيطين الهادئ والهندي. ولفت إلى أنه بعيداً عن موقف الحكومة الحالية في كانبيرا، هناك أحزاب معارضة لا تزال ترى في بكين تهديداً محتملاً، وهناك أصوات تعارض التقارب مع الصين على حساب الولايات المتحدة. وأكد أن أي انفراجة في العلاقات ستنحصر في أبعادها الاقتصادية، بينما ستظل أزمة الثقة بين البلدين قائمة على مستوى التعاون الأمني والعسكري.