د . أحمد برقاوي – الناس نيوز ::
كييف 3-
في عام 1974 هي عاصمة أوكرانيا السوفييتية واحدة من أهم المدن الثلاث في الاتحاد السوفيتي: موسكو وليننغراد وكييف. وبلغ عدد سكانها آنذاك مليوناً ونيف.
كييف 3 – قضيت في كييف عاماً دراسياً كاملاً، أي عشرة شهور، تعلمت فيها اللغة الروسية.
وهي مدينة قديمة تعود إلى القرن الخامس الميلادي.
تحيطها الغابات من كل أطرافها، ذات جمال طبيعي ومعماري أخاذ. هادئة جداً لا ازدحام في شوارعها. يشقها نهر عظيم اسمه نهر (دنيبر)، وأنّى وليت وجهك فثمة حديقة هنا وحديقة هناك.
تقع في كييف أجمل الكنائس وأوسعها بعد كنائس لينينغراد، سان بطرس بورغ. حين تدخل كنيسة المغارة تقع على قبور وجثث محنّطة للبطاركة. الشارع الرئيس الواسع في كييف هو شارع: (خريشاتك) وتعني باللغة الأوكرانية الصليب. تزينه أشجار الكشطان العالية على جانبيه، تسحرك نظافته.
كنّا سائرين مرة نتجول فيه فألقى أحد أصدقائنا عقب سيجارته، فرأته منظفة الشارع، وطلبت منه أن يحملها ليرميها في أقرب سلة مهملات، فعزت نفسه عليه، ولكنها أصرت، وهددته باستدعاء الشرطة، وهو بالمقابل لم تسمح له عراقيته أن يمتثل لأمرها، فتبرع أحد الأصدقاء وقام بما طلبُ من العراقي أن يفعل.
يتوسط هذا الشارع مسرح الباليه الوطني الذي يعتبر تحفة فنية، ولقد حضرت البالية أول مرة في حياتي فيه. ناهيك عن ساحة الاحتفالات الخلابة.
وجامعة كييف من أشهر جامعات الاتحاد السوفيتي واسمها جامعة تشيفشنكو الحكومية، تأسست سنة 1834. وتشيفشنكو هذا واسمه تاراس: شاعر ورسام أوكراني شهير، ولد سنة 1814 ومات سنة 1861. ويسمونه ثوري ديمقراطي. وينظر إليه على أنه مؤسس الأدب الأوكراني. ولد من عائلة فلاحية فقيرة، بيع في عام 1828 إلى أحد الإقطاعيين، وتربى في كنفه. غادر لدراسة الفن إلى سان بطرس بورغ في أكاديمية الفنون. وفي عام 1847 اعتقلته السلطات القيصرية بتهمة الانتساب إلى جمعية معارضة. ونفي من المدينة إلى الأورال. عاد في عام 1858إلى سان بطرس بورغ ومات فيها.
ويطلق اسمه على عدة شوارع ومراكز في عموم الاتحاد السوفيتي، وتقع المدينة الجامعية التي سكنت فيها في لينينغراد، في شارع يعرف باسم شارع تشفشينكو. واحدة من أجمل قصائده قصيدة الميثاق التي يقول فيها:
عندما يدركني الموت
ألحدوني وسط سهبٍ فسيح من سهوب أوكرانيا الحبيبة.
وليكن لحدي على هضبةٍ تطلُّ على هضاب كثيرة
و على الحقول المترامية و على الدنيبر
وأسمع منها هدير ذلك الهدّار الجبّار
وأبصر كيف يحمل إلى البحر
دماء أعداء أوكرانيا.
عندئذٍ أنهض من لحدي
وأهجر الحقول والهضاب
وبوثبة واحدة أدرك عرش اللّه
لأرفع إليه صلاتي
أما قبل ذلك
فأنا لا أعرف اللّه
ألحدوني ثم هبُّوا
وحطّموا الأصفاد
وبدماء الأعداء البغيضة
روُّوا الحرية
…
ثم لا تنسوا أن تذكروني
بكلمة طيبة
في أُسرتكم الجديدة، العظيمة
أُسرة الحرية.
ورغم المكانة التي يتمتع بها تشيفشنكو في عموم الاتحاد السوفييتي، وأن جامعة كييف سُميت باسمه، وإنك إذا دخلت الحديقة التي تعبر منها إلى الجامعة، فإنك ستمر حتماً من أمام تمثال ضخم لرجل واقف على قاعدة عالية، طويل القامة، أصلع قليلاً، ذي شاربين كثين، يلف معطفه على يده هو تاراس شيفشنكو، رغم هذا، فإن رئيس اتحاد الطلاب في الجامعة آنذاك، قد استدعي للتحقيق من المسؤول الحزبي، ويقال بأنه قد فصل بتهمة المرض القومي لأن جاء صباح أحد الأيام ووضع باقة من الزهور على تمثال تشيفشنكو.
وتبين بأن هذا الشاعر كان من الداعين لاستقلال أوكرانيا عن روسيا، وفُسر سلوك رئيس اتحاد الطلاب بأنه نزعة انفصالية.