[jnews_post_author ]
يحصل أن نجلس مع الفنان عبد الحكيم قطيفان ويمضي الوقت من دون أن يتحدث. هو من البشر القادرين على الاستماع باهتمام شديد. بل هو يصغي بكل خلاياه، ويتأثر حتى يختفي الفارق بين العادي والتمثيل. يتفاعل حتى نظنه يمثل. واظن أن تفاعل عبد الحكيم مع الحديث والغوص في تفاصيله، سمعا ونطقا، أحد أسرار نجاحه كممثل، وربما هذا ما يفسر حب الناس له. ويكتشف ذلك من يسير معه في الشارع، حين يستوقفه الناس ليلتقطوا صورة معه. ومن خلال ملاحظتي يأخذ معجبوه راحتهم معه أكثر من بقية النجوم، لأن المسافة معه أقصر، وما جعلها تبدو على هذا النحو هو الصدق الخام الذي يظهر في كل تفاصيل هذا الرجل، تعابير الوجه، الابتسامة، حركات الجسد، الكلام، وردود الأفعال.
أمضينا مؤخرا سهرة مع عبد الحكيم في إسطنبول، وعلى غير عادته احتكر الحديث، ولم يتوقف إلا حين انصرفنا عند منتصف الليل ذاهبين إلى بيوتنا، بينما كان هو على موعد مع صديق آخر، ومن ثم سيأخذ الطائرة فجرا إلى برلين. وفي واليوم الثاني استعدت الكثير من تفاصيل السهرة التي كانت على شرف عبد الحكيم. وعادة في سهرات من هذا النمط لا يصادر المحتفى به الجو، ويترك للحضور إطراءه، ولكن عبد الحكيم كسر القاعدة كي يتحدث بإسهاب عن بعض التفاصيل البعيدة التي تعود لثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي. ومن دون مقدمات استرجع محطات أساسية من شريط حياته. الدراسة في معهد الفنون المسرحية، السجن، التمثيل. الصداقات، وتوقف عند تلك الفترة البعيدة من شبابه وشباب مجموعة كبيرة من السوريين الذين صاروا نجوم الدراما السورية اليوم، ومنهم، بالخصوص، جمال سليمان، وأيمن زيدان.
استمعت في تلك السهرة إلى آراء عبد الحكيم بالعديد من شخصيات الوسط الفني، سواء الذين سبقوه أو الذين بدأ معهم: خالد تاجا، نائلة الأطرش، هيثم حقي، صباح الجزائري، عمر أميرلاي، مأمون البني، نبيل المالح، جمال سليمان، وأيمن زيدان. وحضر هؤلاء عندما تحدث عن تجربة البدايات والخطوات الأولى بعد السجن نحو أول عمل فني شارك فيه، وكيف حصل على الدور بشق الأنفس بعد خروجه من السجن، وكيف حاربه البعض كي لا يدخل هذا الميدان. ومن دون أن أشرح وأنشر ما لا حقّ لي به، يمكن لأي كان أن يستنتج من خلال المقارنة بين عبد الحكيم وأيمن زيدان، أو عبد الحكيم وجمال سليمان، الفارق بين هؤلاء النجوم الثلاثة، ومآلاتهم ومواقفهم السياسية، وأين هم الآن من تغريبة السوريين الكبيرة بسبب مجازر الأسد والروس وإيران وميليشياتها.
وحضرت تلك الأسماء في السهرة بالأبيض والأسود، وحين مر على تجربة السجن تحدث باستفاضة عن السيدة الفلسطينية من مخيم اليرموك أم علي الشهابي، وموقفها في دعم صمود المعتقلين، تلك السيدة كانت تزور ابنها علي في السجن، ولكنها تشمل كل السجناء بكرمها، والتي وصفها الكاتب والمعتقل السابق راتب شعبو “حتى أمّه كانت أمّا لكل أصدقاء علي، كانت تحتفظ في قلبها بمعاناة كل منهم، ذلك أنهم جميعا أصحاب معاناة”. وللأسف لم أقرأ في شهادات معتقلي تلك الفترة شيئا عنها. وابنها علي ما يزال في سجون بشار الأسد للسنة السابعة، وجرى اعتقاله بسبب مشاركته بالثورة السورية، في أواسط شهر كانون الأول/ ديسمبر من العام 2012، من قبل فرع فلسطين التابع للأمن العسكري، ولا يعرف عنه شيء منذ اعتقاله، ما يثير المخاوف على حياته.
وفي اليوم الثاني وأنا أستعيد تفاصيل السهرة مع عبد الحكيم رجعت إلى جلسة مع الشاعر محمود درويش في صنعاء في تشرين الثاني/نوفمبر 1993 تمت بمقر اتحاد الكتاب اليمنيين، وكان يديرها الشاعر زين السقاف، ولم تكن مبرمجة على جدول زيارته وكانت عفوية ومفتوحة، وحضر فيها القات، وأجاب درويش على أسئلة الكتاب اليمنيين، ولأن الجلسة ليست رسمية تحدث الشاعر بارتياح فجاءت الإجابات مفاجئة حتى له، وفي النهاية وحين عدنا إلى الفندق قال لي درويش لو أننا سجلنا هذه الجلسة، وشاركته الرأي لأنه تطرق إلى قضايا وتوقف في محطات لا يأتي عليها في المقابلات المعتادة.
السوريون يعرفون عبد الحكيم هذه القامة الفنية العالية، فهو عمود أساسي في الدراما السورية الحديثة..رجل له تاريخ في مواجهة الديكتاتورية وأمضى عدة سنوات في سجون حافظ الأسد..
عبد الحكيم رأس مال رمزي للسوريين.