fbpx

الناس نيوز

جريدة إلكترونية أسترالية مستقلة

رئيس التحرير - جوني عبو

Edit Content
Generic selectors
Exact matches only
Search in title
Search in content
Post Type Selectors
Filter by Categories
آراء
أخبار
أستراليا
إدارة وتكنولوجيا
إعلان
اقتصاد
اقتصاد أستراليا
اقتصاد عالمي
اقتصاد عربي
تقارير وتحقيقات
ثقافة وفنون
حكايا
خبر رئيس
رياضة
رياضة أستراليا
رياضة عالمية
رياضة عربية
سياحة وسفر
سياسة أسترالية
سياسة عالمية
سياسة عربية
صحة
صور
عدسة
فن الناس
في الوطن الجديد
فيديو
كاريكاتير
لايف ستايل
متفرقات
مجتمع
مجتمع الناس
موضه
Generic selectors
Exact matches only
Search in title
Search in content
Post Type Selectors
Filter by Categories
آراء
أخبار
أستراليا
إدارة وتكنولوجيا
إعلان
اقتصاد
اقتصاد أستراليا
اقتصاد عالمي
اقتصاد عربي
تقارير وتحقيقات
ثقافة وفنون
حكايا
خبر رئيس
رياضة
رياضة أستراليا
رياضة عالمية
رياضة عربية
سياحة وسفر
سياسة أسترالية
سياسة عالمية
سياسة عربية
صحة
صور
عدسة
فن الناس
في الوطن الجديد
فيديو
كاريكاتير
لايف ستايل
متفرقات
مجتمع
مجتمع الناس
موضه
Edit Content
Generic selectors
Exact matches only
Search in title
Search in content
Post Type Selectors
Filter by Categories
آراء
أخبار
أستراليا
إدارة وتكنولوجيا
إعلان
اقتصاد
اقتصاد أستراليا
اقتصاد عالمي
اقتصاد عربي
تقارير وتحقيقات
ثقافة وفنون
حكايا
خبر رئيس
رياضة
رياضة أستراليا
رياضة عالمية
رياضة عربية
سياحة وسفر
سياسة أسترالية
سياسة عالمية
سياسة عربية
صحة
صور
عدسة
فن الناس
في الوطن الجديد
فيديو
كاريكاتير
لايف ستايل
متفرقات
مجتمع
مجتمع الناس
موضه

جريدة إلكترونية أسترالية مستقلة

رئيس التحرير - جوني عبو

سوريات في السجن اللبناني (2): الزنزانة التي أيقظت تروما الاغتصاب الأول…

ميديا – الناس نيوز ::

درج – ليلاس حتاحت – هذه الحلقة الثانية من ثلاث حلقات، تروي فيها الصحافية السورية ليلاس حتاحت، شهادة عن تجربة مؤلمة عاشتها في سجن لبناني، أمضت فيه سبعة أيّام بلياليها، بعد اكتشافها تلفيق تهمة لها حين كانت في أوروبا، باستخدام اسمها وجواز سفرها السوري.

كنت في السابعة من عمري حين شدّني إلى حمّام البيت القديم المتهالك، كان “تواليت” عربياً، أو تركياً كما يسمّيه البعض، حجره أسود بازلتي يصعب عليّ كطفلة الشعور بنظافته بسبب السواد والثقوب التي تجوّف حجارته، وفي منتصفه الحفرة التي انشغلت بمراقبتها خوفاً من خروج الجرذ وإيذائي. 

يجرحني حتى اليوم ملمس الحجر وخشونته، كلما تذكّرت التصاقي به وضغط جسدي الصغير والنحيل عليه. أكاد لا أذكر لمساته لي في هذا المكان ولا لعابه. ما أذكره هو احتكاك الحجر على جسدي، وسواد البالوعة، وإمعاني في النظر إليها خوفاً من هجوم الجرذ وقرضه أعضائي المكشوفة.

 عشت ثلاث سنوات أتعرّض للتحرّش والاعتداء من الشخص نفسه، وفي أماكن متعدّدة، باعتباره من العائلة ويصعب الشكّ فيه. أتذكّر كلّ تفصيلة وحركة وغثيان من شدّة التقزّز، وكلّ ألم عشت آثاره الجسدية والنفسية حتى اليوم. لكن عقلي مسح تماماً ما جرى في ذلك “التواليت” قبل ٣٩ عاماً، لتتقافز الذكريات فجأة خارجة من بلّاعة “تواليت” السجن.

خوفي من الجرذ نفسه، عجزي، قلّة حيلتي، انتهاك جسدي، أشياء جعلتني غير قادرة على التبوّل، فاستخدمت كلّ أساليب التأمّل وحركات “اليوغا” التي أكره، لجعل عضلاتي ترتخي، ويتسرّب البول الذي يكاد يفجّر مثانتي.

في هذه الأثناء وجدت ما يُلهيني في الداخل، تسرّب الماء المستمرّ من الحنفية في “التواليت”، ورغم وضع سطل اللبن البلاستيكي تحتها، فإن المياه تتدفّق من دون انقطاع، ولم يأتِ أحد لإصلاحها، ولا أعتقد أن أحداً طالب بذلك. 

كانت أولوياتنا طلب بعض المياه الساخنة للاستحمام، التي أصبحت تأتي بكميّة ضئيلة بعد الثالثة والنصف من كلّ يوم، وتكفي لاستحمام ثلاث فتيات، وربما أربعة في أحسن تقدير. 

صوت تسرّب الماء في التواليت أقلق راحتي، بل كاد أن يصيبني بانهيار عصبي رغم محاولتي ربطه بموسيقى هدير الماء، التي كنت أسمعها سابقاً للاسترخاء، من دون جدوى. وفي إحدى الليالي سردت في أفكاري مستنكرة ضرر هدر كلّ هذه المياه وأثره على البيئة، والجفاف الذي يعاني منه الكوكب، لكن سرعان ما خجلت من نفسي لمجرّد التفكير بمثل هذه المواضيع، وانفصالي عن الواقع، واقع حالي وحال الفتيات في هذه الزنزانة، نحن اللواتي لا نملك رفاهية حماية البيئة ورعايتها.

“أنا خالي بيشتغل مع الوزير”

النوم قرب باب “التواليت” كان من نصيب أنجليك، مشجّعة “القوّات اللبنانية”، لم يتوفّر سرير لها فقرّرت الفتيات كسر تعاليها بوضع فراشها أمام باب الحمّام. يمشين من فوقها لدخوله، أو يغسلن ملابسهن وهي نائمة، لتستيقظ على قطرات الماء من فوقها.

 يقلّدن طريقة كلامها وصوتها وطلباتها من الممرّض أو الباش (حارس السجن) كأن تطلب “الألتيكو” لتُلصق أحد أظافرها المستعارة الذي انكسر، أو أن تترجّى الشرطي للسماح لها بإدخال قلم لرسم حاجبيها، أو حزنها الشديد لعدم وجود مرآة. فكان نصيبها أن كلّفتها الفتيات بتنظيف الزنزانة، كلّ يوم تقوم اثنتين منّا بذلك.

 تعترض أنجليك على ذلك بحجّة عدم اعتيادها على العمل؛ هي التي لديها عاملتا تنظيف في بيتها، وتقول إنها لن تبقى طويلاً في سجن الأمن العامّ، فخالها يعمل عند الوزير، وقد تحدّث معه لإخراجها بأقصى سرعة. فغضبت منها الفتيات العاملات في الزنزانة، وصحن بها “برا بيشتغلوا عندك، بس هون ما حدا بيشتغل عندك، ولا مجبورين ننظف خراكي، كلّنا متل بعض”. 

كانت وحيدة وغير محبوبة، حاولت التقرّب مني باعتباري جديدة، علّها تجد أحداً يُؤنس وحدتها:

 – المحبّة من الله، من لما جيت ع هالزنزانة ما حدا طاقني.

– طوّلي بالك، الكلّ مضغوط وعم يتفشش، ما بظن حدا قصده الإساءة.

– لأ، قصد، فضحوني لأني طلبت تحميلة من الممرض، وهو قليل أدب بيسألني قدام الكلّ وين بدّك تحطّيها؟ 

استهجنت جوابه، ووافقتها الرأي بأنه مخطئ في طرح سؤاله، الذي لا تفسير له سوى السخرية أو التحرّش، وفي كلتا الحالتين هو أمر مرفوض. 

يبدو أنها أرادت سماع هذه الكلمات، أرادت أي شخص لا يتّهمها بالعهر ويحكم عليها من شكلها أو طريقة كلامها، كنّا نضحك عندما تدعوني إلى “الترّاس”، أي السرير العلوي الذي أخذته بعد خروج إحداهن.

 ومع الوقت وجدت أن من مصلحتها عدم التعالي، أو الحديث عن خالها ووزيره اللذين لم يُفلحا في إخراجها من ورطتها، لتنتهي بالنزول للانضمام إلى مجموعة لعب الورق، ومشاركتهن بعضاً من حياتها، التي لا تخلو من معاناة وتعنيف. 

كانت متكتّمة تماماً عن تهمتها، بعض الأخبار المتناثرة هنا وهناك تقول إن الأمن العامّ قد أحضرها من بيتها، ولم تتكشّف القصّة إلا بعد دخول موقوفة جديدة اسمها زينة، التي عانت في أيّامها الأولى من انهيار عصبي حادّ، داوته بالحبوب المهدّئة التي زادت من نومها وكوابيسها.

 تقف الممرّضة في الصباح والمساء لتتأكّد من ابتلاع زينة أدويتها، خوفاً من تجميعها واستخدامها للانتحار من شدّة اليأس، ووصمة العار التي تخشاها. بمجرّد دخولها نظرت إلينا جميعاً، لم تستوعب العدد ولا الأعين المحدّقة بها، بدأت بالصراخ والهيجان من دون وعي، ضربت الباب الحديدي برأسها، أُغمي عليها، وبدأ جسدها بالاختلاج. 

وقفتُ كالبلهاء صامتة عديمة المنفعة، أنا التي صرف عليّ مكان عملي الكثير من المال في ورشات تدريبية للإسعافات الأولية، أو آليات التصرّف عند الاعتقال، والخطف، والسجن، والحروب، وللأسف كلّ ذلك لم يجدِ نفعاً في المواقف الحقيقية، التي لا يساعد فيها إلا الدعاء إن كنت مؤمناً، واليأس إن كنت قانتاً. 

سارة الفتاة الإثيوبية أكثرنا فطنة، سارعت إلى وضع إصبعها في فم زينة كي لا تبتلع لسانها أو تقطعه بأسنانها، بدأ الزبد يخرج من فمها، وبدأنا بالصراخ وضرب الباب الحديدي بأيدينا وأقدامنا، فعلا صوت الضابط المناوب غاضباً “شوفي، اخرسي إنت ويّاها”.

نصرخ بصوت أعلى، نضرب الباب جماعة بأيدينا وأقدامنا، نستغيث أن الفتاة تموت، ولا مُجيب. بعد أكثر من ربع ساعة، دخلت الممرّضة، كانت زينة قد هدأت بعد أن جرّبنا معها كلّ الطرق الممكنة، من رشّ الماء على وجهها، إلى تغطيتها، إلى فرك جسدها، إلى محاولة إيقاظها.

قالت الممرّضة من دون أي اكتراث: “شو صار يعني، عادي بتصير كتير بدها كلّ هالعياط”، عدت للنظر كالبلهاء، صامتة لأننا جميعاً عديمات النفع والقيمة في هذا المكان، لذا وفّرنا على أنفسنا الصراخ عندما تورّمت قدما الحاجّة أمينة بسبب مرض السكري، وبدأ جسدها بالارتجاف.

 “ميّة ألف مزورة بيد الأمن العامّ”

يبدو أن زينة متورّطة في القضية نفسها مع أنجليك، لذا كان بينهما عداء خفيّ، فلا تعلم أي منهما إفادة الأخرى في التحقيق، ولا إن ألقت إحداهن باللوم على الأخرى. زينة هي التمثيل الحقيقي لما يُقال عنه “بنت البلد”، بسيطة، كريمة، شهمة، تولّت رعاية الحامل والحاجّة أمينة، تحبّ النظافة وتصرخ بالجميع في حال لم يلتزمن بشروطها، تشتري المنظّفات واسفنجات التنظيف، لتقضي يومها في حفّ المغسلة، وتنظيف الجدران من حولها، وتسليك البلّاعة التي كلما انسدّت فاحت رائحة المجاري، وعلا صوت زينة موبّخة من رمت بقايا الطعام فيها.

ما إن تهدأ زينة حتى  تبكي غير مستوعبة ما حدث لها، فمن غدر بها هو حبيبها، دعاها إلى قضاء عيد ميلادها في إسطنبول، هي المرّة الأولى لها خارج لبنان، لم تطأ قدماها يوماً أرض مطار ولم تركب طيارة، سبقها في عمل له، وطلب منها جلب أمانة تخصّه يوم سفرها، وبالطبع لم تناقشه عن نوع الأمانة وما فيها، ثقتها به أولاً، ومن ثم بالأمن العامّ، فكيف لها أن تشكّ في أن “رجل الدولة” سيعطيها كيساً قبل الصعود إلى الطائرة فيه شيء ممنوع؟ أخذته مؤكّدة أن الأمانة ستصل، تمشّت منبهرة بالسوق الحرّة وما فيها، اشترت سيجارة ألكترونية هي التي لا تدخّن، وأدخلت الكيس معها إلى غرفة المدخنين.

 سافرت  زينة بسلام إلى إسطنبول، أعطت حبيبها الأمانة من صديقه رجل الأمن. احتفلا بعيد ميلادها، وكادت تطير فرحاً من حبّه وكرمه، فقد اشترى لها فستاناً وحذاءً بكعب رفيع عالٍ، لم تعتد على انتعال مثله في أعمالها اليومية الشاقّة، لتكسب لقمة العيش باعتبارها أماً وحيدة لثلاثة أطفال. وفي طريق العودة أُلقي القبض عليهما في مطار بيروت، كما سبق أن اعتُقل بعض رجال الأمن وشبكة متعاونين بتهريب العملة المزوّرة. كانت تحمل كيساً فيه مئة ألف دولار مزوّرة، وتتمشّى في ممرّات السوق الحرّة، فكيف لا تثق بحبيبها وبرجل الأمن؟ 

أنجليك كانت تهمس لي بأن زينة كاذبة وحبيبها نصّاب، وزينة كانت تأخذني جانباً تستفسر ما إذا أفصحت لي أنجليك عن أية معلومة، وأنها كاذبة والمحقّق قال لها إنها سافرت ونقلت الأموال عدّة مرات. كنت أحاول أن أستمع إليهما من دون أن أكون طرفاً، لكني أعتقد أن زينة لم تكن على دراية بأي شيء، حياتها هي عائلتها، ولمّة الأهل على أكلة مشاوي، وأطفالها الذين تسعى لتعليمهم، لم تخرج من عكّار، وكلما فكّرت في الفضيحة التي تسبّبت فيها لأهلها، انهارت وأصابتها حالة عصبية خارجة عن السيطرة.

 أقرّ حبيبها في التحقيق أن لا علم لها بالموضوع، وأنه استخدمها. بكت بحرقة غير مصدّقة خذلانها، وبسبب انهياراتها المتكرّرة سمح الضابط له بالجلوس معها لتهدئتها. عادت منهكة من تعب البكاء، بدأت تحدّثني عنه، وعدها هنا في السجن أن يعتنق الإسلام ليتزوّجها ويُقنع عائلتها به، وأنه سيوكل محامين لإخراجها، طلب السماح منها، وصدّقته، أرادت أن تصدّقه. 

كانت تقول لي “هو إنسان منيح، ما بعرف ليه عمل هيك، بيحب ولادي، والولاد روحهن متعلّقة فيه”. لم تعرف المعلومة التي أفشتها لي أنجليك أن كلّ 100 ألف دولار يتقاضى من هرّبها 1200 دولار، و300 أخرى للمصاريف. أي المخاطرة بثلاث إلى خمس سنوات سجن في أحسن الأحوال، مقابل 1500 دولار، أي فقر وضيق حال جعل حياة الشخص رخيصة، وتتمّ مقايضتها بـ 1500 ؟ لن أتحدّث بالمثاليات، والحسّ الوطني، واقتصاد البلد، فعن أي وطن وأي ولاء وأية كرامات في بلدان عملت جاهدة على الإفساد، ودمّرت كلّ حسّ بالمواطنة؟ 

غياب زينة عن الوعي بسبب المهدّئات أخّر وصول أي أحد إليها، لم تعلم عائلتها بمكانها ظناً منهم أنها في رحلة عمل إلى تركيا. لكن رغم خوفها منهم، أو بالأحرى إحساسها بالذنب لما سبّبته لهم من أعباء مادية، وهم من الفقراء الذين يكسبون رزقهم بعمل يومهم، وبسبب تشويهها سمعة العائلة التي اعتادت طلب الستر فقط. 

حضروا جميعاً بمجرّد معرفتهم بالأمر، مدّوها بالقوّة والحبّ “ما يهمّك حدا، الدنيا كلّها معك، ونحنا معك، قالولنا إنك عم تاخدي مهدّئات، بدّك تبطليها الله يرضى عليكي، نحنا ناس مؤمنين بالله، وما رح نتركك”. 

بسبب تركها المهدّئات استيقظت من كوابيسها ليلاً وأيقظت الجميع، تصرخ باكية، تمشي على قوائمها الأربع “بدّي إمّي، جيبولي إمّييييي”، حاولنا تهدئتها ولم نُفلح، حتى انهارت إما من شدّة التعب، وإما فقدت الوعي، وإما عادت إلى النوم ربما، لنعود بدورنا إلى أسرّتنا ونتابع نومنا.

اشتاقت إلى أولادها الذين لا يعرفون مكانها. جميع الأمهات في السجن كنّ حريصات على عدم معرفة أبنائهن بوجودهن في السجن. وكلما دخلت إحدانا بأعين محمّرة بعد السماح لها بإجراء اتصال هاتفي، عرفنا أنها كانت تتحدّث مع أطفالها. نصطنع صوت الفرح والقوّة كيلا يعرفوا، ربما لنحميهم، ربما خجلاً منهم، ربما لأننا في ضعفنا هذا غير قادرين على تقويتهم، ولا حماية مشاعرهم من الأذى.

نتحدّث معهم لنطمئن أرواحنا بأصواتهم، لا لنطمئنهم عنّا، نحن المنسيات في الداخل. ابنة جوليا ذات الأربع سنوات هي الوحيدة التي عرفت بمكان أمها، وكلما حدّثتها عبّرت عن ألمها “أنا زعلانة كتير من بابا لأنه حبسك”.

“قضيّة زنا”

كان قد هجرها منذ سنتين، مدمن مخدرات ومعه الحزمة (الباكيج) الكاملة التي تأتي معها، من تعنيف إلى عطالة عن العمل، وسرقة، ودم حامٍ وعصبية، أو تسطيل كامل… باءت محاولات حصول جوليا على الطلاق بالفشل، باعتبار الكنيسة تحرّمه، لذا رفعت طلب تفريق وهجر، ورغم مرور أكثر سنتين لم يصلها رضى الخوري وقبوله بعد.

 أما الزوج فغير عابئ بالورقة أو بالموافقة، وجد لنفسه عشيقة أخرى، وانتقل للعيش معها، في حين عادت الزوجة مع ابنتها إلى بيت عائلتها، التي تتكفّل حالياً بكافّة مصاريفهما رغم ضيق الحال. ومع مرور الوقت والهجران، تعرّفت على شاب مسلم، أحبا بعضهما بعضاً، وعاشت جوليا للمرّة الأولى علاقة صحّية مع رجل مسؤول، أحبّها وابنتها وجعلها شريكة له. لذا قرّرت إعلان إسلامها كحلّ لمشكلتها العالقة في الكنيسة ورجالاتها وأحكامها، والزواج به. 

كلّ ذلك والزوج السابق على دراية بما يحدث وغير مبالٍ بها، إلى أن حملت ودخلت شهرها السابع، فقرّر وبعد عامين أن يرفع عليهما قضيّة زنا، وخلف القضبان يساومهما على عشرين ألف دولار. عندما قابلتها كان قد مرّ شهر على وجودها في السجن، الخوف يتملّكها، المغصّ من البرد، ووجبات الطعام السيّئة، حركة الطفل المستمرّة التي راقبناها وتلمّسناها جميعاً. 

قُرئ على هذا الطفل الإنجيل والقرآن، وكلّ أنواع الأدعية بكلّ اللغات من البنغلادشية إلى الإثيوبية وصولاً إلى العربية، وكلّ من وضعت يدها على بطن جوليا طلبت من هذا الطفل أن يكون وسيطها عند الله، لتنال حرّيتها، ويفكّ الظلم عنها. أحزن على جنين سمع كلّ هذه المظلوميات قبل أن يكتمل، وأي تروما أورثناه إيّاها، إن كانت النظريات التي تقول إن الجنين يسمع صوت أمه ومن حولها صحيحة؟

لا تملك جوليا المال لتُشبع طمع الزوج الأول، والخوري لم يعطها ورقة التفريق حتى اليوم، يبدو أن شفاعة الطفل عند الله غير كافية، ولادتها على الأبواب والقاضي لا يحضر أكثر من مرّة في الأسبوع. آمل ألا تكون جلستها المقبلة وطفلها على يدها يقضي أيامه الأولى في السجون اللبنانية، بذنب رجال الدين ودعوى متعاطي المخدرات. 

“حبّة زرقا وحبّة زهرية”

باعتباري دمشقية المنشأ، وتربّيت في بيت جدّتي الشامية، أدّعي معرفتي بهذه البيئة الخاصّة، المركّبة والمتباينة. أعلم ما ظهر منها وما خفي، تحديداً في ما يتعلّق بعموم نسائها الخجولات، المتديّنات، وأصواتهن المنخفضة الناعمة، وملابسهن التي تُخفي المفاتن، والقماشة القطنية التي تمنع انزلاق الحجاب من فوقها، أو ظهور الشعيرات الصغيرة من مقدمتها. الزاوية المثلّثة في المقدّمة ضرورية، ويجب أن تكون تحت الذقن فلا تغطيها ولتميّزها عن حجاب الطوائف الأخرى.

 هذه البيئات وبمجرّد خلع النساء المعطف “المانطو” والحجاب، وتحرير الأرجل من الجوارب السميكة بلون الموتى الباهت، تنطلق شخصيّاتهن المخبّأة، ضحكاتهن الصاخبة، ملابسهن المغرية التي لا يجدن مكاناً لارتدائها سوى في جمعات النساء، التي تضاءلت أو انعدمت لدى من اغتربن في بلاد الشمال الحزينة، أو لأزواجهن. لكن ماذا لو كان الزوج غير آبه بكلّ هذه المغريات؟ بل وتشكّل عليه ضغطاً يذكّره بعدم قدرته الجنسية الحاضرة كلما رغب، أو كلما رغبت زوجته، التي يعتبرها متطلّبة وغير مقدّرة لضغوط عمله وتعبه المزمن. 

هذه حال هبة، التي توصّلت إلى الحل من خلال “انستغرام” و”فيس بوك”، وغيرهما، ومن النصائح المنتشرة على المجموعات المغلقة لنساء باحثات عن حلول لمشاكلهن العاطفية، وبالتحديد الجنسيّة. النصيحة تتمثّل في الحبّة الزرقاء للزوج والزهرية لها، يترافق معهما قميص نوم مغرٍ من الساتان، وشعر مصفّف، وحمرة شفاه فاقعة، وموسيقى خليعة. وهنا فتحت الفتيات في الزنزانة أفواههن وهن يستمعن إلى هبة، غالبيتهن لم يسمعن بالحبّة الزهرية، وبدأ الغمز والهمز من ورائها وكأنها ترتكب أمراً منكراً، في حين لم تعلّق أي واحدة منهن على الرجل وحبّته الزرقاء. 

كانت هبة طيبة القلب بسيطة، تحاول عكس صورة مختلفة عن طبيعتها، بأنها ذكيّة وماكرة وملمّة بكلّ هذه الأمور وتأثيرها وخباياها، تضحك بدلع وهي تخبرهم كيف تعطي زوجها حبّته بيدها لتضمن حصول المراد.

 لامتها كثيرات على حديثها أمام الجميع، ونبّهتها أخرى بأن ما يحدث في غرفة النوم أمر خاصّ، وأن ما تسرده علينا مقرف ولا حاجة لنا إلى معرفته. إلا أن دافع هبة لم يكن مشاركة اللحظات الجنسية الخاصّة، إنما البوح بالإحباطات التي عانتها في هذا الزواج، والأثر النفسي التراكمي الذي دمّر ثقتها بنفسها على مدى سنوات.

 كلّ محاولاتها في جذب نظره، إثارة إعجابه وشهوته، باءت بالفشل: “ما بحسّه شايفني، ما بينتبه إذا لابسة أو حاطّة مكياج أو لأ، متلي متل الهوا، بس بينتبه عالطبخ وقمصانه المكوية ونظافة البيت وولاده، حتى الحبّة الله وكيلك ما فتحتله عيونه بس عالأقل صار يقرّب، جوزي بارد مو؟”،  ابتسمت وأجبتها: “وأنا شو عرّفني عم تسأليني؟؟!!”.

لم تكن مدّة تعارفهما طويلة، ثلاثة شهور “أونلاين” ولقاء وحيد في الأردن، حضر هو من ألمانيا التي حصل على لجوئه فيها منذ سنوات، وهي من سوريا، قُرئت الفاتحة وتمّ الزواج وبداية الترتيبات للسفر. 

بعد أشهر قليلة حملت بتوأمين وولدتهما في ألمانيا، عادت إلى سوريا لتُكمل السنة الأخيرة في دراسة الهندسة، حيث كان شرط الأب لقبول الزواج بأن تُكمل ابنته دراستها، ساعدتها عائلتها في رعاية الطفلين. في حين ماطل الزوج في تجديد إقامة زوجته الألمانية حتى انتهت صلاحيتها، يبدو أن الحبّة الزرقاء أرهقته، أو أن الحياة أكثر راحة إن بقيت بعيدة هي وضجّة الطفلين، وعندما يغلبه الشوق يسافر لزيارتهم. 

ارتابت الزوجة من سلوك زوجها، واعتبرت أن من واجبها أن تجد حلاً للحفاظ على الأسرة، ومستقبل طفليها الذي سيكون أفضل في ألمانيا منه في سوريا، إضافة إلى إحساسها بالذنب لرغبتها في الدراسة وتعنّتها، الذي تعتقد أنه كان سبباً في تخلّي زوجها عنها ومعاقبتها.

 لذا وضمن مجموعات الحبّتين الزرقاء والزهرية نفسها، نصحتها إحداهن بمكتب لتجديد الإقامات، خصوصاً وأن الموعد مع السفارة الألمانية في لبنان، لم يتمّ بسبب مرض ابنها ونقله إلى المستشفى. أما الموعد الذي حدّدته مع السفارة في الأردن، فقد تعرقل بسبب إغلاق الحدود بعد سقوط نظام بشّار الأسد. 

جدّد المكتب إقامتها الألمانية التي تبيّن أنها مزوّرة في مطار بيروت، وتمّ اقتيادها إلى السجن. خافت من الوصمة الاجتماعية كما حال الكثيرات في هذا السجن، رغم أن لا واحدة منهن قامت بجرم أو أذية، وعليه فضّلت ألا يعرف زوجها بتفاصيل الموضوع، فقط والدها الذي قام بتوكيل محامٍ. كذّبا على الزوج بأنها موقوفة كلّ هذه المدّة التي طالت لشهر ونصف في المطار، وليس في السجن.

 تولّى أهلها رعاية التوأمين، واعتبرت نفسها محظوظة لأنها لم تأخذ طفليها للسفر معها. فقد كانت تحضّر نفسها لقضاء شهر عسل جديد مع زوجها، تُصلح ما أفسده الحمل والولادة مباشرة بعد الزواج. قامت بطلب حبوبها الملونة “أونلاين” لتصل إلى ألمانيا في موعد وصولها، وأخذت معها فقط قميص نوم الليلة الأولى، تلك الليلة كلّنا رأينا قميص النوم هذا إلا زوجها، وضحكنا على فتحاته وقماشه الشفّاف، واخترعنا وضعيّات ومواقف لم تحصل إلا في خيالاتنا، وأحلام هبة التي رُحّلت من السجن إلى سوريا. 

سوريا. 

“تفريعة العروس”

لم يكن قميص نوم هبة الذي أحضرته من الأمانات وحده مثار نكاتنا وضحكاتنا، بل “جهاز العروس” الكامل في حقيبة سوزان. “التفريعات” كما نسمّيها في سوريا، قمصان نوم بكل الألوان والأطوال والأشكال، ساتان، دانتيل، ريش، حرير، سماوي، ناري، أبيض عرايسي، وهو ما أثار أشياء أخرى لدى رجل الأمن أثناء تفتيش حقائبها في المطار، كان ينظر إليها وهي شابّة جميلة، لم تغفل عن العناية بأي تفصيل قد تقوم به العروس للقاء عريسها، ركّبت رموشاً كثيفة، لوّنت أظافرها الطويلة بالأحمر الفاقع وزيّنتها ببعض الأحجار البرّاقة.

 أصرّ الضابط على تفتيش ملابسها قطعة قطعة، كان يرفع كلّ قميص نوم على حدة، ليعرضها ويستعرضها، يبتسم ابتسامة صفراء وينظر إليها، يستمتع بخجلها واحمرار وجنتيها وهي تطرق بعينيها أرضاً، تشدّ لفّة الحجاب على شعرها خوفاً من وقوعه، تنكمش على نفسها، ترفع يديها لتُغطي صدرها، وكأنها تستر جسدها الذي تعرّى في مخيّلة رجل الأمن. 

صرّحت بأنه من المستحيل أن تُخبر خطيبها بما حدث يومها أثناء التفتيش، فهو شديد الغيرة، وتخاف أن يلومها على ذلك، أو أن ينفر منها لاشتراك رجل الأمن معه في النظر إليها، أو بالأحرى تخيّلها. وكانت ترفض الاتّصال به وتطمينه، فقد لامته على دفعها لاستخدام باسبور فنزويلي مزوّر للوصول إلى السويد، بعد أن ضاقت بهم السبل، وتمّ رفض كلّ الطلبات المقدّمة للمّ شملهما. 

خليه يتربّى

هلأ وقت تربّيه، حرام بكون قلقان.

عم عامله بالمثل، هو وقت يكون زعلان بيحرد وببطّل يحاكيني.

هاد اسمه الصمت العقابي. صدقيني الحكي أحسن.

شو هاد الصمت العقابي، دخيلك إنت شو مثقفة، هاد اسمه المعاملة بالمثل. 

خجلت من نفسي لاستخدام مثل هذه المصطلحات، التي قد تُشعر الآخر بفوقية لم أقصدها، واستغربت في الوقت نفسه من طريقة تفكير شابّة تصغرني بعشرين سنة، وقدرتها على النيل من الآخر رغم حبّها له، وظرفها البائس داخل السجن. صحيح، لم تنسَ أن توصل له عن طريق أهلها أن تكاليف السجن والمحامي عليه. 

وأخيراً جاء إخلاء سبيلها مع الحاجّة أمينة، ودخلتا بالزغاريد إلى الغرفة والحبر على إبهاميهما، بعد أن بصمتا على إطلاق السراح الذي طال أمده. خرجت أنا وما زالتا في السجن، للأسف ضاعت أوراقهما في خزنة الأمن العامّ، الهوّيات وجوازات السفر، الموبايلات وكلّ ما تحتاجانه للدخول إلى سوريا، بعد أن يتمّ ترحيلهما إلى الحدود عند منطقة المصنع.

المنشورات ذات الصلة