محمد برو – الناس نيوز ::
نهدي هذا الجهد المتواضع، الذي نأمل أن يخفف مآسي أهل سوريا، إلى كل الأطفال السوريين المشردين، في داخل سوريا والعالم، إلى الذين فقدوا أهلهم وذويهم ولا سقف يأويهم، إلى الذين تنهش أجسادهم الطرية آلام الجوع وحر الصيف وبرد الشتاء، إلى الذين يلتحفون السماء ويفترشون الأرض، بهذا الإهداء يستهل الباحثان د. جمال قارصلي والأستاذ طلال عبد الله جاسم السهو دراستهما الموسعة، التي تناولا فيها الأزمة السورية المستعصية، وسبل المضي في مقاربة ممكنة لحل مرتجى.
كتاب سوريا بين الحرب ومخاضات السلام كتاب يناقش الملابسات والإشكاليات الدولية والمحلية، التي تعترض مآلات الصراع في سوريا والصراع على سوريا، بعد أن تحولت الساحة السورية من مساحة ثورة شعبية، تهدف لاسترداد الحقوق والحرية والكرامة من مغتصبها الحاكم، إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية، وملعباً لإدارة المصالح الطويلة الأمد، الأمر الذي جعل الحل المنشود والسلام اللازم لإعادة الإعمار، أمرا متضارباً مع مصالح اللاعبين الكبار، وهذا يعني إطالة أمد الحرب إلى أجل غير معلوم.
ويكشف الواقع ، وهو حال يشير له الكتاب، مدى هشاشة تعاطي الهيئات الدولية ( لا يمكن طبعا إغفال قاعدة السبب والنتيجة ) المعنية بالأمر ، فهي تعجز عن إدخال شاحنات إغاثة دوائية وغذائية للأطفال دون إذن المحتل الروسي، فكيف بها للاطلاع بمهام أكبر من هذا! .
الأمر لا يتوقف عند إيقاف الحرب التي يشنها نظام الأسد وروسيا وإيران على طيف هو الأوسع من الشعب السوري، بل يتعداه إلى أزمة اللاجئين وتوفير بيئة آمنة لعودتهم لمنازلهم، وإعادة إنتاج البنى التحتية الملائمة لحياة هؤلاء السكان، وتوفير الحد الأدنى من الغذاء والدواء والأمان، وترسيخ مبادئ أولية من دولة القانون وسيادته، بعد أن أضحت سوريا مزرعة لنظام يرى في مواطنيه محض رعايا، هم بواقع الأمر أقرب لأقنان الأرض.
كل هذا لا يمكن أن يجدي نفعاً إن بقي هذا النظام المنتج للفساد، والكوارث والفوضى المنظمة متسيداً في المشهد السوري، ولا يمكن الزعم بإمكانية الوصول لمصالحة وطنية أو سلام دون إنجاز ما يلزم من العدالة، وإن كانت بحدودها الدنيا.
بعموم المشهد الأولي والذي تراكمت فيه الكوارث بشكل سريالي عصي على الاستيعاب، لا يمكن التفكير بحل أو وقف للانهيار المستمر دون تدخل قوى دولية تحفظ السلام، وتهيّء البيئة لوضع انتقالي نأمل أن يكون آمناً، رغم تعقد المشهد وتعقد الحلول أو استحالتها، لكن الباحثين يريان أن هناك بضع إجراءات أو مهام يمكن للقوى السورية العمل عليها للخروج من هذا التيه المظلم.
هذه الدراسة التي قدمها الكاتبان قارصلي وجاسم شارك في إعدادها باحثون سوريون من اتجاهات متنوعة، الأمر الذي يكسبها غنى واتساع رؤية، فهي تهدف لوضع خارطة طريق يطلع السوريون بالشطر الأكبر في إنجازها، فلا يمكن حسب رؤيتهم الركون لحلول تهبط عليهم من الخارج، دون أن يكون الحل نابعاً من رؤية سورية عميقة، تدرك جميع التفاصيل والخصوصيات وطبيعة المعاناة، التي لا يمكن لمتداخل خارجي أن يعيها.
ربما يكون المدخل الرئيس الذي لا مندوحة عنه، التحلي بالكثير من الشجاعة والقدر الأكبر من القدرة على التسامح وتقديم هموم الشأن العام على القضايا الذاتية، وهذا ليس بالأمر السهل كما توحي سهول الكلمات، لكن الركون لغير هذا الاتجاه لا يفضي إلا إلى المزيد من الضحايا والمعاناة وتعقيد الأمور، وسبق لأمم غيرنا أن عاشت حروبا أهلية طالت أربعين أو ستين سنة وفي الختام كان لا بد من القبول بحلول لم تكن عادلة بالضرورة، لكنها ربما فتحت الباب لممكنات ما كان لها أن تتأتى لولا ذلك.
لقد طالعت الدراسة مجموعة من تجارب الدول، التي مرت بتجارب وأزمات مثل أفغانستان وباكستان والسودان والصومال، ونيجيريا وتونس والمغرب ومصر، ودرست التجربة السويسرية الفريدة والتجربة الأمريكية والتجربة الألمانية، وغيرها من التجارب التي أعادت بها تلك البلدان انتاج نظمها بما يتناسب وطبيعة السكان وتنوعهم ومصالحهم، ولا بد للوصول إلى رؤية سورية مقبولة، من إتاحة حوار شامل تشارك به أطياف ومكونات الشعب السوري كافة، ولا بد من إقرار حقوق الجميع على قدم المساواة، ودراسة المظلوميات العامة على ثلاث مراحل “مظلومية ما قبل 1970” “مظلومية 1970-2011″ ” مظلومية 2011- حتى إقرار اتفاق سلام”، ومعلوم لأي مطلع على الشأن السوري صعوبة إنجاز هذا المطلب.
كما يراعي الحل أن يكون تدريجياً عبر ثلاث مراحل “تحضيرية. انتقالية. دائمة”، كما يتم توزيع المهام والمسؤوليات على ثلاث مستويات “الحكومة المركزية” التي تطلع بمهام العلاقات الخارجية والدفاع وشؤون الجنسية والسياسة النقدية وحماية الحدود وغيرها، و”حكومات المحافظات” التي تعنى بتنظيم الأراضي والتراخيص العمرانية وقوانين التظاهرات والتجمعات والمؤسسات التعليمية وحفظ الأمن وغيرها، و”البلديات” التي تعتني بإجراء الانتخابات البلدية والعناية بالمرافق من ماء وغاز وكهرباء، وتقديم المعونات الاجتماعية وغيرها، كما تناقش الدراسة الآليات الاقتصادية والموارد اللازمة لإنجاز هكذا حل على المدى القصير وما يليه.
لإنجاز كل هذا لا بد في البدء من الدعوة لمؤتمر وطني عام برعاية الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الداعمة لحقوق الشعب السوري، هذا المؤتمر سيناقش
- العمل على وقف إطلاق النار على كامل الأرض السورية
- العمل على تطوير ودعم تجارب الحكم المحلي كخطوة في إعادة إدماجها في الدولة من جديد
- إلزام جميع الأطراف بمرور الإغاثة والمعونات الطبية والبضائع
- إلزام جميع الأطراف بالسماح لمؤسسات العمل المدني والحقوقي والمنظمات الدولية بالتجول بحرية والقيام بمهامها وحمايتها من قبل القوة العسكرية المسيطرة.
- تشكيل لجان مركزية وفرعية لدعم الحكم المحلي المدني.
وغيرها من نقاط يرى الباحثان أهميتها.
الدراسة غنية بالتفاصيل اللازمة والجداول التي تعتني بتوزيع المهام والمراحل وفق تسلسل يفضي لحل مناسب حسب رؤيتهما، ويبقى القول الفصل في الختام أن هذه الدراسة التي خرجت الينا عبر مشاركة جهود متراكمة للعديد من المختصين السوريين، تحتاج لبيئة داعمة لإنجاز مهامها، ولتعاون دولي ما يزال إلى ساعتنا هذه غائباً أو مغيباً قسرياً تبعا لما يراه اللاعبون الأقوى، كما أن أي حل متخيل بوجود نظام الأسد دون تقديمه للعدالة الدولية سيكون كمن يطبخ الحصى على ضوء الشمس، فلا سلام بدون عدالة، ولا يمكن تخيل أي حل ببقاء هذا النظام الذي صدر الإرهاب وقتل الأطفال، وأغرق الدول المجاورة بالمخدرات، وقتل وهجّر شعباً بكامله.
الكتاب بكل تفاصيله جهد سوري مجتهد ، يحتاج إلى تضافر جهود متممة تأخذ بيد السوريين من هذه المتاهة السوداء إلى غدٍ مأمول.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ - الباحث جمال قارصلي. سوري من مدينة منبج يحمل الجنسية الألمانية، انتخب نائباً في برلمان مقاطعة شمال الراين بين عامي”1995-2005″ وفي عام 2003 أسس حزب فاكت ” السلام. العمل. الثقافة. الشفافية”
- الباحث طلال عبد الله جاسم السهو. سوري ألماني يحمل إجازة في.
- إدارة الأعمال وهو عضو مؤسس لاتحاد الديمقراطيين السوريين وقد أسس مع جمال قارصلي “سوريون للسلام”.