ميديا – الناس نيوز ::
مختار الإبراهيم – موقع تلفزيون سوريا – في خطوة اعتبرت بأنها مفصلية في نهج التعافي الاقتصادي، أقرّت الحكومة السورية قانوناً جديداً للاستثمار عام 2025 يتيح للمستثمرين الأجانب تملك مشاريعهم في سوريا بنسبة 100% من دون الحاجة إلى شريك محلي. ويتزامن هذا القرار مع أزمة ترزح تحتها البلاد في واحدة من أعمق الأزمات الاقتصادية في تاريخها الحديث، بعد أكثر من أربعة عشر عاماً من الحرب التي ألحقت دماراً واسعاً بالبنية التحتية، واستنزفت موارد الدولة، وأضعفت قدرة الاقتصاد المحلي على النهوض الذاتي.
وبحسب تقديرات البنك الدولي، تتجاوز كلفة إعادة إعمار سوريا 216 مليار دولار، تشمل إعادة تأهيل المساكن، وشبكات الكهرباء والمياه، والمرافق الصحية والتعليمية، إضافة إلى البنية التحتية للنقل والاتصالات، وهو رقم يفوق بأضعاف قدرة الدولة السورية على التمويل، في ظل تراجع الناتج المحلي الإجمالي، وانخفاض الاحتياطي النقدي، واستمرار القيود المالية والعقوبات الدولية، وفي هذا السياق، يبدو فتح الباب واسعاً أمام الاستثمار الأجنبي خياراً اضطرارياً أكثر منه ترفاً اقتصادياً.
من جهته أكد رئيس هيئة الاستثمار السورية طلال الهلالي، أن القانون الجديد يقدّم ضمانات غير مسبوقة للمستثمرين، من بينها عدم تدخل الحكومة في المشاريع الاستثمارية، ومنح إعفاءات ضريبية كاملة في بعض القطاعات، والسماح باستقدام نسبة من العمالة غير السورية.
كما أشار الهلالي إلى أن القانون يضع سوريا ضمن مصاف الدول الأكثر تنافسية من حيث التشريعات الاستثمارية، في محاولة واضحة لإعادة إدماج الاقتصاد السوري في محيطه الإقليمي والدولي.
خبير: القانون قد يكبح الانهيار الاقتصادي
يرى الخبير الاقتصادي حسن حيدر العيلي أن هذا القانون يجب قراءته ضمن سياقه الواقعي، لا بوصفه حلاً سحرياً، بل كأداة من أدوات معالجة الانهيار الاقتصادي، ويشير العيلي في حديثه لموقع تلفزيون سوريا إلى أن الوضع الاقتصادي الراهن، بحاجة ماسة إلى ضخ رؤوس أموال كبيرة لا يمكن تأمينها من الداخل، سواء عبر القطاع العام أو الخاص المحلي، ما يجعل الاستثمار الأجنبي ضرورة لا بديل عنها لإطلاق عملية إعادة الإعمار وتحريك القطاعات الإنتاجية.
ويعتبر العيلي أن السماح بالملكية الأجنبية الكاملة يبعث برسالة طمأنة مهمة للمستثمرين، إذ يخفف من المخاطر القانونية والسيادية التي غالباً ما تعيق دخول رأس المال الأجنبي إلى الدول الخارجة من النزاعات، فالمستثمر -بحسب العيلي- يبحث أولاً عن وضوح في القوانين، وضمانات لملكيته، وقدرة على إدارة مشروعه دون تدخلات بيروقراطية أو سياسية، وهي عناصر يسعى القانون الجديد إلى توفيرها نظرياً على الأقل.
تقييم اقتصادي للفرص والمخاطر
ومن الناحية الاقتصادية، يرى المستثمر الأردني محمد الخمايسة أنه يمكن لهذه الخطوة أن تسهم في تسريع إعادة بناء البنية التحتية المدمرة، خصوصاً في قطاعات الطاقة والاتصالات والنقل، التي تتطلب استثمارات ضخمة وتكنولوجيا متقدمة.
ويشدد الخمايسة في حديثه لموقع تلفزيون سوريا أن تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى سوريا قد يخلق فرص عمل واسعة، ويعيد تنشيط سوق العمل، ويساهم في نقل الخبرات والمعرفة إلى الكوادر المحلية، وهو أمر بالغ الأهمية في بلد عانى من هجرة العقول وتراجع المهارات خلال سنوات الحرب.
لكن في المقابل، يحذر الخمايسة من أن فتح السوق دون ضوابط واضحة قد يحمل مخاطر جدية على المدى المتوسط والبعيد، فالملكية الأجنبية الكاملة، إذا لم تُقترن بسياسات تحمي الاقتصاد المحلي، قد تؤدي إلى هيمنة الشركات الكبرى على القطاعات الحيوية، وإقصاء المشاريع الصغيرة والمتوسطة السورية غير القادرة على المنافسة، كما أن تحويل الأرباح إلى الخارج قد يحدّ من الأثر الإيجابي للاستثمار على الدورة الاقتصادية الداخلية، خصوصاً في ظل ضعف القطاع المصرفي المحلي.
ويتقاطع رأي المستثمر الخمايسة مع رأي رأي الخبير العيلي، حيث يشير الأخير إلى أن القانون، مهما بلغ من جاذبية، لن يكون كافياً إذا لم تُعالج التحديات البنيوية العميقة التي يعاني منها الاقتصاد السوري، وعلى رأسها ضعف البيئة المؤسسية، وتعقيد الإجراءات الإدارية، وتفشي الفساد الممنهج الذي خلفه النظام البائد، وهذا يتطلب استقلالية القضاء الاقتصادي لكبح ومحاربة الفساد، فالتجارب الدولية تظهر أن المستثمر لا يكتفي بالنصوص القانونية، بل يقيّم قدرة الدولة على تطبيقها بشكل عادل وشفاف.
ويعرّج العيلي إلى أن العقوبات الدولية كانت تشكل عاملاً ضاغطاً لا يمكن تجاهله، وشكلت عائقاً أمام تحويل الأموال، وتمويل المشاريع، والتعامل مع النظام المالي العالمي، وأن نجاح القانون الجديد مرتبط أيضاً بقدرة سوريا على تحقيق اختراقات سياسية واقتصادية تخفف من هذه القيود، أو على الأقل تخلق قنوات استثمار بديلة عبر الشراكات الإقليمية.
ويستشهد العيلي بتجارب دول أخرى خرجت من حروب مدمرة قدمت دروساً مهمة في هذا السياق، “فيتنام، على سبيل المثال، لم تكتفِ بفتح باب الاستثمار الأجنبي بعد الحرب، بل أطلقت إصلاحات هيكلية عميقة شملت تحرير الاقتصاد، وتطوير المؤسسات، وتحسين مناخ الأعمال، ما سمح لها بتحقيق نمو مستدام على مدى عقود، في المقابل، أظهرت تجربة العراق بعد عام 2003 أن فتح السوق بشكل واسع من دون بناء مؤسسات قوية قد يؤدي إلى نتائج مختلطة، حيث دخلت الاستثمارات، لكن أثرها التنموي ظل محدوداً بسبب عدم الاستقرار والفساد وضعف الحوكمة”.
في ضوء ذلك، يؤكد العيلي أن قانون الاستثمار الجديد يمكن أن يكون خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنه يحتاج إلى إطار متكامل من السياسات الاقتصادية، يشمل إصلاح القطاع المصرفي، وتحسين البنية التحتية، وتعزيز الشفافية، وربط الاستثمارات الأجنبية بأهداف التنمية المحلية، لا سيما في ما يتعلق بتشغيل العمالة السورية وتوطين التكنولوجيا.
في المحصلة، تجد سوريا نفسها أمام معادلة معقدة: الحاجة الملحّة إلى الاستثمار من جهة، والخشية من فقدان السيطرة على مفاصل اقتصادية حساسة من جهة أخرى.
وبين هذين الحدّين، يبقى نجاح قانون الاستثمار مرهوناً بقدرة الحكومة السورية على تحويله من مجرد نص تشريعي طموح إلى أداة فعلية لإعادة بناء اقتصاد منهك، ووضعه على مسار تعافٍ حقيقي يخدم المجتمع السوري على المدى الطويل.



