فؤاد عبد العزيز – الناس نيوز :
كان النظام في سورية على مدى السنوات التي أعقبت قيام الثورة في البلاد ، يحمل كل أتعابه وأزماته الاقتصادية عليها ، مبشرا السوريين بواقع أفضل وعلى كافة المستويات ، حالما ينهي حربه على الشعب السوري .. ثم تشاء الصدف ، أن يكون 2020 ، عاما خاليا من المعارك .
لكن على المقلب الآخر انهار اقتصاده ، وتدهورت حياة السوريين المعيشية إلى الأسوأ ، ليحمل النظام من جديد هذا الانهيار ، على العقوبات الأمريكية ، في سلسلة لا يمكن أن تنتهي ، طالما أن العوامل المؤثرة ، هي دائما خارجية.
ويمكن باختصار ، قراءة أحداث العام 2020 اقتصاديا في سوريا ، من خلال مؤشر العملة ، الذي بدأ العام بواقع 1000 ليرة أمام الدولار ، وانتهى إلى نحو 3000 آلاف ليرة للدولار الواحد . أي أن الليرة السورية فقدت 200 بالمئة من قيمتها خلال هذا العام .
وإذا أردنا أن نقرأ أكثر ، عن التفاصيل بين هذين الرقمين ، وكيفت وصلت الحال إلى هنا ، لا بد أن نمر على جملة من الأحداث ، منها على سبيل المثال ، خلاف بشار الأسد مع ابن خاله رامي مخلوف ، وإلقاء”القبض” على أغلب “ممتلكاته واستثماراته في سوريا ” ( التي هي في الاساس اموال الشعب السوريين ) ، ثم أزمة كورونا في الشهر الرابع من العام الجاري ، وأخيرا الأزمة الاقتصادية التي ضربت لبنان بدءا من الشهر السادس ، والتي كان لها عظيم الأثر في انهيار الاقتصاد السوري .. أما بالنسبة للعقوبات الأمريكية ، فهي باعتراف رأس النظام ذاته ، ليست السبب الرئيسي فيما تمر به البلد من أزمات اقتصادية ومعيشية .
وفيما يتعلق بأزمة رامي مخلوف ، وتأثيرها على الحركة الاقتصادية في سوريا ، فهو أمر مفروغ منه ، إذ تسببت هذه الأزمة ، بفقدان الثقة بين النظام وأبرز رجال الأعمال التقليديين المقربين منه ، والذين لعبوا دورا كبيرا في السنوات السابقة ، بتمويل الاقتصاد والتحايل على العقوبات لتمرير حاجة السوق من المواد الأساسية .
ونستطيع أن نلاحظ ، أن أبرز ما يميز العام 2020 ، هو صعود نجم تجار الحرب محدثي النعمة، ليطغى على الأنشطة الاقتصادية والتجارية في سوريا ، من أمثال حسام قاطرجي وأبو علي خضر وعامر خيتي ومحمد همام مسوتي ، وعلى حساب طبقة رجال الأعمال التقليديين ، كـ محمد حمشو وفارس الشهابي وسامر الدبس وهيثم جود ونبيل طعمة .. إلخ، حتى أن هذا العام تميز باختفاء أسماء لمعت في السنوات الثلاث السابقة ، مثل سامر الفوز ووسيم القطان ، بينما لم نعد نقرأ شيئا عن أخبارهم ونشاطاتهم الاقتصادية منذ منتصف العام 2020 ، وبالتزامن مع أزمة رامي مخلوف .
وبتفسير بسيط لهذا الأمر ، يمكن القول إن النظام حاول خلال هذا العام تبديل الرجال المحيطين به ، وهذا لا ينسحب على عالم الأعمال والاقتصاد فحسب ، وإنما ينطبق على الجانب الأمني والعسكري ، من خلال حملة التعيينات والتغييرات الكبيرة التي أجراها في الجيش وأجهزة المخابرات ، ما يشير إلى أنه بات مهتما أكثر في تحصين بقائه في السلطة ، على إدارة الوضع المعيشي والداخلي في البلد …
وبالانتقال إلى أزمة كورونا ، ومدى تأثيرها على الوضع الاقتصادي في سوريا ، فهي لم تكن ذات تأثير كبير ، كون النظام لم يتخذ أي إجراءات احترازية مكلفة ، كما أنه لم يقدم مساعدات أو تعويضات لأصحاب المهن الذين تعطلت أعمالهم ، لكنه بدون شك تأثر بالوضع المحيط ، من خلال حملات الإغلاق العالمية للأسواق والنشاط التجاري والتنقل بين الدول ، الأمر الذي تسبب بركود عام في الأسواق المحلية ، أدى لاحقا إلى نقص كبير في السيولة النقدية بين يدي الناس ، جراء اضطرارهم لبيع مدخراتهم البسيطة من أجل تأمين معيشة حياتهم اليومية ، خلال فترة الإغلاق .
وفي العموم ، أزمة كورونا دفعت الكثير من أبناء الطبقة الوسطى والأثرياء في كل مكان ، وليس في سوريا فحسب ، للتحوط ، من خلال شراء الذهب ، والتوقف عن استثمار أموالهم في أي أعمال أو أنشطة تجارية ، إلى حين جلاء هذه الغيمة التي خيمت على الوضع الصحي العالمي .
ونأتي أخيرا على الأزمة الاقتصادية في لبنان ، والتي نعتقد أنها كانت صاحبة الدور الأبرز في انهيار الاقتصاد السوري أو بصورة أدق الليرة السورية ، وبالذات في أعقاب انفجار مرفأ بيروت في 4 آب الماضي ، الحدث الذي كان مبررا لإعلان توقف قلب لبنان الاقتصادي ، بعد سلسلة أحداث سابقة ، كان المصرف المركزي اللبناني ، يتخذ فيها قرارات تحد من السحوبات البنكية ، لكنه بعد هذا التاريخ قرر أن يعلن وفاة البلد اقتصاديا .
هذا الوضع كان بمثابة إعلان النزاع بالنسبة للاقتصاد السوري ، إذ على الفور تسبب بتراجع الليرة السورية أمام الدولار ، كي تستقر فوق الألفي ليرة بشكل دائم ، ثم تبين لاحقا ، بأن أغلب أموال رجال الأعمال السوريين كانت مودعة في المصارف اللبنانية ، والتي قدرها رئيس النظام في سوريا بشار الأسد ، بين 20 إلى 50 مليار دولار .. والأهم من كل ذلك أن هذه الأموال كانت هي من تمد عجلة الاقتصاد السوري بالنشاط ، و تستخدم للتحايل على العقوبات الأمريكية والأوروبية .. لذلك ظهرت على الفور الأزمات التي شاهدناها على المحروقات والخبز ، وبدأت القرارات الحكومية تصدر تباعا ، والتي تنظم عملية توزيع هذه المواد وغيرها من المواد الأساسية ، وفق حصص صغيرة على البطاقة الذكية .
أخيرا : الكثيرون اليوم قد لا يعنيهم معرفة ما الذي حدث حتى وصلنا إلى هنا ، وإنما يهتمون بما ينتظرهم في العام المقبل .. وفي هذا الموضوع ، نستطيع أن نقول بعجالة ، إن الوضع الاقتصادي السوري ماضٍ لما هو أسوأ بكثير من العام 2020 .. ويمكن الاستدلال على ذلك عبر مؤشر الموازنة العامة للدولة لعام 2021 ، والبالغة 8.5 تريليون ليرة سوريا ، أي أكثر من ضعف موازنة العام السابق ، والتي كانت 4 تريليون ليرة ، وهي كذلك كانت نحو ضعف موازنة العام 2019 ، البالغة 2.5 تريليون ليرة .. هذه الأرقام في علم الاقتصاد تشير إلى أن النظام في سوريا ، يضخ سيولة نقدية كبيرة من المطبوعات في المصرف المركزي ، دون أن تكون هناك إيرادات تغطي مصروفات هذه الموازنة .
وبلغة أكثر بساطة ، فإنه في موازنة العام 2019 ، البالغة 2.5 مليار ليرة كان سعر صرف الدولار أمام الليرة يتراوح عند 500 ليرة ، ثم بعد أن أعلن النظام عن موازنة 2020 في ذات العام بمبلغ 4 تريليون ليرة ، هبطت الليرة على الفور إلى 1000 ليرة مقابل الدولار ، وكان ذلك في نهاية العام 2019 .. أي فقدت 100 بالمئة من قيمتها …
لذلك من المتوقع ، وفيما الليرة السورية الآن تراوح حول 3000 آلاف ليرة مقابل الدولار ، أن تهبط إلى أكثر من 5000 ليرة أمام الدولار خلال العام 2021 .. وهو أمر تفرضه الأرقام الاقتصادية ، التي تقول بأن أبرز إيرادات الموازنة ، بحسب ما أعلن وزير المالية كنان ياغي ، هي الضرائب ، وهذه بالكاد تغطي 10 بالمئة منها ، في أحسن الأحوال .. وما تبقى سوف يتم تغطيته بالأوراق النقدية المكدسة في المصرف المركزي ، والتي تم طباعة كميات هائلة منها في العام 2012 ، وذلك بحسب ما كشف وزير الاقتصاد الأسبق ، نضال الشعار ، تحسبا لمثل هذه الأيام السوداء ، التي توقعها النظام ، وعلى ما يبدو أنه صدق بتوقعه .
فؤاد عبد العزيز .