ميديا – الناس نيوز ::
المجلة – حايد حايد – منذ إعادة قبول سوريا في جامعة الدول العربية في مايو/أيار من العام الماضي 2023 ، أخذت تتظاهر بالاستجابة لمطالب لجنة الاتصال الوزارية العربية التي تأسست بهدف تحسين الأوضاع في سوريا، وتسهيل عودة اللاجئين، والعمل على إنهاء الصراع.
وشملت إجراءات الحكم الإعلان عن إجراء تغييرات في الأجهزة الأمنية، وتعديل قوانين الخدمة العسكرية، وتنفيذ حملات لمكافحة المخدرات. ومع ذلك، أثبتت هذه الإجراءات أنها مجرد مظاهر زائفة، ولم ينجم عنها أي تحسن ملموس على أرض الواقع.
والأمر الأكثر مدعاة للقلق هو اعتماد الحكومة السورية المتزايد على سلسلة من الإجراءات التشريعية، التي بدأت في وضعها منذ بداية الصراع، لمعاقبة معارضيها وعائلاتهم بشكل جماعي باستخدام الوسائل القانونية.
وقد تجلى هذا على وجه الخصوص في الموجة الأخيرة من تجميد الأصول غير القانوني الذي قامت به وزارة المالية السورية. فمنذ بداية العام، استهدف مئات الأشخاص بتجميد أصولهم، في انتهاك صارخ لحقوقهم وبشكل يعرقل عودة اللاجئين والنازحين إلى ديارهم.
ويكشف تقرير مفصل صادر عن “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” أنه في عام 2024، صدرت أوامر حجز احترازي بحق 818 مواطنا من بلدة زاكية الواقعة في ريف دمشق التي استعادتها دمشق من بين أيدي الجماعات المعارضة في عام 2016.
والجدير ذكره أن 287 شخصا من هؤلاء الأفراد يقيمون حاليا في زاكية بعد أن خضعوا سابقا لترتيبات مصالحة مع النظام، والتي كان من المفترض نظريا أن تكفل حمايتهم من المزيد من عمليات الانتقام. ومع ذلك، وكما هو الحال في مناطق أخرى، يبدو أن عمليات المصالحة تلك استخدمت بشكل أساسي لجمع معلومات استخباراتية بدلا من تقديم سجل نظيف وحماية حقيقية لأولئك الأفراد.
ومن بين البقية، كان هناك 187 نازحا داخل سوريا، و69 لاجئا، و37 ممن اختفوا قسرا، و22 في عداد المفقودين، و20 شخصا ممن لقوا حتفهم.
ترتكز أوامر الحجز الاحترازية هذه على المرسوم التشريعي 63 لعام 2012، الذي يسمح لوزارة المالية بتجميد الأصول استنادا إلى طلبات من السلطات القضائية أثناء التحقيقات في “الجرائم ضد أمن الدولة الداخلي أو الخارجي”.
كما ترتكز على قانون مكافحة الإرهاب السوري لعام 2012. ومع ذلك، فإن قرارات تجميد الأصول في زاكية لم تصدر عن أية سلطة قضائية، لكن بالأحرى كانت نابعة من قرارات أمنية، وهو ما يؤكد الصلاحيات الواسعة التي تحظى بها الأجهزة الأمنية، التي تسيطر على جميع جوانب مؤسسات الدولة وحياة المواطنين.
ومن اللافت للنظر أن أوامر المصادرة تلك لم تستهدف الأفراد الذين يعتبرون معارضين للنظام وحسب، ولكنها استهدفت أيضا أفراد أسرهم المباشرين، ومن ضمنهم الآباء والأزواج والأبناء والأشقاء. ومن خلال معاقبة الأشخاص على أساس علاقاتهم الأسرية فقط بدلا من المسؤولية الفردية، فإن تنفيذ وزارة المالية للمرسوم 63 يرقى إلى مستوى العقاب الجماعي، وهي ممارسة محظورة بموجب القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان.
هذا وتعكس الطبيعة العشوائية لتجميد الأصول على نطاق جماعي في زاكية استراتيجية أوسع للعقاب الجماعي ضد المجتمعات المحلية في المناطق التي استرجعها الحكم. ومن خلال استخدام قوانين مكافحة الإرهاب كسلاح بيد السلطات لتبرير تجميد الأصول غير القانوني، تسعى الحكومة إلى ترسيخ الخوف والإبقاء على القمع في الأراضي التي كانت تسيطر عليها المعارضة سابقا.
والأمر برمته أبعد من مجرد معاقبة المعارضين، فالحكم يستخدم مصادرة الأصول هذه لتأمين موارد مالية إضافية. وتأتي الأعداد الكبيرة من تجميد الأصول في بلدة زاكية الصغيرة نسبيا منذ بداية العام بعد أن سن النظام قانونا جديدا في أواخر عام 2023. ويعطي هذا القانون الحكومة سلطة إدارة واستثمار الأصول المنقولة وغير المنقولة المصادرة، مع تحويل الإيرادات الناتجة إلى الخزينة العامة.
وبعيدا عن الدوافع الحقيقية التي تكمن وراء مثل هذه التجميدات، فالقوانين التي تسمح بمثل هذه الإجراءات تلقي بظلالها الممتدة على الأفراد المتضررين منها بشكل مباشر. فهي تخلق حواجز هائلة أمام اللاجئين والنازحين الذين يتوقون إلى العودة إلى وطنهم.
إن عدم قدرة هؤلاء الأشخاص على استعادة ممتلكاتهم وإعادة بناء حياتهم، مضافا إليها تصاعد المخاطر الأمنية، يجعل احتمال عودتهم إلى الوطن مجرد حلم بعيد لا يمكن أن يتحقق.
ويستمر هذا الواقع القاسي في الضغط على اللاجئين السوريين حتى في الوقت الذي يواجهون فيه مصاعب متزايدة في الخارج، ما يجعل رحلتهم إلى الوطن التي كانت مفعمة بالأمل ذات مرة مجرد سراب يتلاشى في الأفق.
باحث في مركز “تشاتام هاوس” في لندن.