فواز حداد – الناس نيوز ::
إذا كانت الحرب في الداخل السوري تشهد مرحلة احتضار طويلة، فهي أيضاً تشهد محاولات إنعاش متجددة، إيران تحاول بث الحياة فيها، بينما روسيا تحاول إخمادها، وإسرائيل لا تفتر عن تشغيلها.
وكل هذا يصب بالنهاية في عدم إنهاء ما بات أزمة بحق، وهي لا تزعج النظام، فعلى حد زعمه يوالي انتصاراته، لكن الشعب، فالغلاء واختناقات المعيشة تشكل تهديداً للناس في طعامهم وشرابهم، فالقوت غير مضمون، أما النصر فهو انغماس البشر في تأمين وسائل العيش من دون جدوى، وهو نضال يومي، الشعب مهزوم فيه، والرابح الوحيد الحكومة.
لا تغيب سوريا عن المشهد العالمي، تبدو مهملة، لكنها في المركز، بعهدة الروس يناكفهم الإيرانيون رغم التوافقات العلنية، بينما اللاجئون الذين ناكدوا أوروبا، واحتوتهم مع بلدان الجوار رغماً عنهم جميعاً، فما زالوا ورقة بيد النظام والغرب معاً، فقابلية إعادتهم واردة، وقابلية تصدير موجة جديدة واردة. كذلك قضية الأكراد مهما تشعبت، ففي يد الأمريكيين من طرف، يحاول الروس انتزاعها منهم لصالح النظام، ما المانع أن تجدي، فالأكراد ليسوا إلا ورقة أمريكية قد تتخلى عنها، قبل أن تصبح خاسرة.
أما العرب فيقفون ليس صفاً واحداً، بل صفوفاً غير متراصة وراء أكثر من احتمال، فسوريا ورقة بيد العرب مجتمعين ومتفرقين، لوّحوا بها ولم يتمكنوا من استعمالها، هناك من ظن أن الأمريكيين أحبطوها، لا، بل أحبطها الإيرانيون، هل يدعون العرب يسرقون انتصارهم، ما دام الرئيس نفسه رجلهم في سوريا؟ لن يتخلوا عن مكاسب، لن تعوضها استعادة سوريا للشرعية العربية تمهيداً للشرعية الدولية، ها هم الملالي أشرار العالم ينتصرون ليس بإيمانهم وإنما بسياساتهم، ما الذي بوسع الغرب فعله؟
إيران لا تعترف بهزائمها، هذا ما اعتادت عليه، مادام من المكن تبريرها أمريكياً، مع أن الأمريكيين لا يضايقونها بل تضايقهم، فالمباحثات النووية تسير ببطء، ولا يرغب بايدن في تعطيلها، لئلا يمنح إيران حجة للمراوغة، ولو كان بإعطائهم حرية الحركة في المنطقة، مع الإذن باختطاف سوريا التي يحافظ عليها الأمريكيون ورقة مساومة إضافية في المباحثات النووية.
لا حساب للشعب السوري، لا لدى النظام ولا أعدائه ولا أصدقائه، سوريا ورقة في حرب باردة جديدة، تضاهي الحرب الباردة القديمة التي استمرت بعد الحرب العالمية الثانية ولم تنتهِ إلا بسقوط الاتحاد السوفيتي، لا يمكن للعالم الاستمرار دونما حروب، لذلك يراوح في مكانه، فقد جرب الحروب الساخنة، ولم يستغن عنها، التسخين ضروري، لكن يجب تطويقه، لذلك كان التدخل الروسي في سوريا، لحصر الحرب في الداخل، ألم تنتقل إلى العراق؟ فعمل الروس على تطويقها، مثلما طوق الأمريكيون حرب العراق بعد الاحتلال، ولم يسمحوا لها بالانتقال إلى سوريا لئلا يضطروا لدخولها.
وكان نجاحهم كاملاً بتدمير العراق، وتسليمه لإيران مكافأة على ماذا؟ لكنها لم تكن كاملة، دائماً هناك شيء عالق مع الأمريكيين، ضماناً لتنفيذ الاتفاق، ماذا كان الاتفاق؟ هذا سر، المعروف أن الملالي ما يزالون يطالبونهم بواسطة أعوانهم بالخروج من العراق. هذه هي السياسة أسرار بلا أخلاق ولا ضمير، إذاً ماذا عن الشعب العراقي العالق في دوامة القتل والخراب وعدم الاستقرار؟
العالم العربي بؤرة الحرب الباردة الجديدة، فلنعد بذاكرتنا إلى بداياتها، ليس مثل الحرب الباردة قدرة على ابتلاع ساسة واختفاء ساسة من مختلف الأنواع، لكن في العمق، براعة سياسية تتبدى في تمديد أدوار لسياسيين لا دور لهم إلا في “مطمطة” الأزمات.
ما الذي فعله رجل المهمات الصعبة غير بيدرسون، وهؤلاء الذين جاؤوا قبله، الأخضر الإبراهيمي وستيفان ديميستورا؟ نستطيع ذكر عشرات السياسيين ومعهم رؤساء جمهوريات وأحزاب شعبوية وإرهابيون اعتاشوا على أزمات تدر أموالاً عليهم وكوارث على الشعوب، واعتبر عدم إيجاد حل لها، أفضل إنجازاتهم في حياتهم السياسية. كل هذا لإبعاد الحروب الساخنة عن بلدانهم، والسعي إلى تبريدها، على أن تبقى مشتعلة على نار هادئة، ومن ثم تحويلها إلى أوراق سياسية.
الأغلب أن أكبر إعصار واجه العالم هو الربيع العربي، لم يكن حرباً، كان سلاماً ينشد الديمقراطية، كان الخوف أن ينتقل إلى أوروبا، فالشبيبة هناك مولعة بالاحتجاجات على اقتصاد تسيطر عليه شركات لرأسماليين لم يوفروا حكوماتهم من الرشى حتى الجنسية، ولقد كانت مهارات السياسيين فائقة البراغماتية، أيدوا الربيع، ثم أسهموا بتحويله إلى جحيم. لم يقدموا شيئاً للشعوب، بينما الدول تحولت إلى أوراق.
لماذا لم يتخلص العالم من أسطورة الإرهاب والإرهابيين، مع أن تحالفات قامت وتعاضدت ضده وعلى رأسها النظام الإرهابي في سوريا؟ لأن الإرهاب ورقة. وما نراه من تحركات عسكرية ودبلوماسية ومؤتمرات وندوات ما هو إلا لعب في الوقت الضائع، إذ لا ينبغي أن يكون هناك وقت مجمد.
في هذا الوقت الذي طال، جلس وزراء خارجية سوريا، وكان من الممكن أن يكونا واحداً لا اثنين، وهكذا جلس الثاني، كما كان الأول يجلس “منجعصاً” باطمئنان وقد انتفخ صدره وبطنه، ورسم على وجهه ابتسامة لئيمة، يعدد رجالات العالم الذين استهلكتهم الأزمة السورية: أمينان عامان للأمم المتحدة، بان كي مون وأنطونيو غوتيرش، عدا زعماء الدول الكبرى على رأسهم الأمريكيان أوباما وترامب وعلى الطريق بايدن، ناهيك عن زعماء أوروبا.
هل أدرك الوزير الثاني أن الذين استهلكوا، كان الواحد منهم بعد الآخر، يتلاعبون بالورقة السورية، إذ لا ينبغي أن تطوى، فما زالت مثمرة.
هناك أزمات عالقة في العالم، لا تعدو أكثر من أوراق ضغط وتفاوض وتنازل ومساومة، وإذا كانت مستمرة، فالسبب تغييب الشعوب.
كم سوريا ثمينة لشعبها، ورخيصة في أيدي حكامها؟! .