ريف حلب ( شمال سوريا ) – الناس نيوز :
يسكن خليل ابراهيم على بعد عشرات الأمتار فقط من منزله، يتفقده من بعيد من دون أن يتمكن من الاقتراب منه، إذ تمنعه عنه سواتر عسكرية تقسم بلدة تادف بين قوات النظام والفصائل الموالية لأنقرة في شمال سوريا.
فوق ركام منزل مدمر قرب خط التماس بين الطرفين، يقول ابراهيم (46 عاماً) لوكالة فرانس برس “أسكن حالياً في منزل أحد أصدقائي فيما يبعد بيتي عني 300 إلى 350 متراً فقط”.
في العام 2015، نزح ابراهيم من تادف الواقعة في ريف حلب الشمالي الشرقي وتنقل بين مناطق عدة قبل أن يعود إليها عام 2019. ويشرح “ما زلنا نُعتبر مهجرين حتى الآن، نقطن عند خط الجبهة لأنه لم يعد بإمكاننا أن ندفع بدل الإيجارات المرتفعة” في مناطق النزوح.
ويقارن سائق سيارة الأجرة بين منزله الذي بناه بعدما ورث مع أشقائه أرضاً واسعة من والده وبين مكان إقامته الحالي.
ويقول “كان منزلاً من أربع غرف وقد جهزته كاملاً من تعبي”، فيما “نقطن اليوم في منزل من دون أبواب ونوافذ”. ويتابع “لا نستطيع حتى أن نوصل الخدمات إليه أو أن نصرف عليه، فهو ليس منزلنا ولا نعرف ما إذا كنا سنبقى فيه أم لا”.
في العام 2017، سيطرت قوات النظام بدعم روسي على بلدة تادف بعد معارك مع تنظيم الدولة الإسلامية. وتزامن هجوم قوات النظام مع عملية عسكرية قادتها تركيا والفصائل السورية الموالية لها واستمرت أشهرا في المنطقة ذاتها ضد التنظيم المتطرف من جهة والمقاتلين الأكراد من جهة أخرى.
وسيطرت تلك الفصائل بدعم تركي على مناطق واسعة، أبرزها مدينة الباب التي كان تشكل أحد معاقل التنظيم، ومنها دخلت لاحقاً إلى أحياء في شمال بلدة تادف المحاذية.
منذ ذلك الحين، تتواجد الفصائل الموالية لأنقرة في أحياء في شمال تادف، فيما تسيطر قوات النظام على الجزء الآخر من البلدة. وتُعد تادف اليوم البلدة الوحيدة التي تتشارك قوات النظام والفصائل الموالية لأنقرة السيطرة عليها.
رغم معاناته، يرفض ابراهيم العودة إلى كنف قوات النظام، ويقول “يسألني أطفالي: بابا منزلنا قريب، ألن نعود إليه؟”.
– “سقف أفضل من خيمة” –
لا تزال شوارع البلدة شاهدة على معارك وقصف شديد تعرضت له قبل طرد تنظيم الدولة الإسلامية منها. عند مدخلها الشمالي، ترتفع لافتات تركها التنظيم وخرقها الرصاص تشير إلى “ولاية حلب” و”ولاية الرقة”.
على جانبي الطرق، مبان تدمر معظمها، ولم يبق من بعضها سوى جدران متهالكة.
عند خطوط التماس، وضعت متاريس مرتفعة من أكياس تراب وحجارة، يمر قربها الأطفال بعدما اعتادوا على وجودها، حذرين من عدم محاولة تخطيها.
تسير الحياة ببطء في أحياء تادف الشمالية في ظل غياب أدنى متطلبات الحياة. يسكن البعض في منازل لا تصلها إمدادات الكهرباء، وليس فيها سوى متجر خضار صغير على قارعة الطريق. وإذا أراد السكان التبضّع أكثر فيجدر بهم الذهاب إلى مدينة الباب.
في أحياء تادف الشمالية، تقطن عائلات تتحدر أساساً من البلدة وآخرون من أقرباء مقاتلي الفصائل من مناطق عدة. أما الجانب الآخر فشبه خال سوى من قوات النظام.
ويشرح أحد أعضاء مجلس البلدة رامي المحمد نجار لفرانس برس “يعود الناس إلى هنا من شدة الفقر وجراء غلاء الايجارات”، موضحاً “منهم من كان يسكن في مخيمات وعاد إلى منزله أو منزل أقاربه، فالسكن تحت سقف أفضل من السكن في خيمة”.
– عالقون –
يجلس أطفال فوق بقايا سقف مدمر، ويركض آخرون ويقفزون فوق ركام منزل مجاور. في جامع الأحياء الشمالية، يدّرس إمام الجامع فتيان وفتيات في قسمين منفصلين تعليماً بسيطاً في الرياضيات والقراءة والكتابة والدين.
في منزل قيد الإنشاء، تقطن فاطمة الرضوان (49 عاماً) مع أربعة من أولادها، فتى وثلاث بنات أصغرهن في الخامسة من العمر، فيما يقع منزلها الأساسي على بعد مسافة قصيرة.
وتتذكر فاطمة منزلها القديم المؤلف من ثلاث غرف ومطبخ كبير وأمامه حقل تزرع فيه الخضار. وتقول “كنا فرحين، نعيش كعائلة معاً”.
أما اليوم فالمنزل الذي تقطنه بلا كهرباء ويضم غرفتين مظلمتين ومطبخا ليس فيه إلا قدر كبير تشعل تحته النيران لإعداد الطعام.
تخشى فاطمة اليوم العودة إلى مناطق سيطرة النظام، بعدما قاتل ابنها البكر ضده قبل أن تنقطع أخباره. وهي في الوقت ذاته لم تعد قادرة على العيش في محافظة إدلب (شمال غرب) التي كانت قد نزحت إليها قبل سنوات.
وتقول السيدة التي تجمع مع ابنها (16 عاماً) البلاستيك لبيعه، “الإيجارات مرتفعة وليس معي (ما يكفي) لأطعم أولادي أساساً.. هنا نحن مستورون رغم خوفنا من القصف أحياناً”.
ومنذ تقاسم السيطرة عليها، لم يحاول أي من الطرفين التقدم على حساب الآخر، ولم تشهد البلدة أي معارك باستثناء مناوشات محدودة بين الحين والآخر.
وتقول فاطمة “هؤلاء يقاتلون أولئك، والعكس صحيح ونحن (عالقون) في النصف بينهم، ننتظر أن يفرجها الله علينا”.