ميديا – الناس نيوز ::
العربي الجديد – بشير البكر – ساد الظنّ أن هجمات بعض مدمني وسائل التواصل الاجتماعي (من السوريين) على المفكر العربي عزمي بشارة مصدرها حالة من الخواء، ترعرعت في بعض الأوساط، نتيجة حالة إحباط كانت سائدةً في مرحلة تراجع الثورة ونجاة النظام السوري من السقوط، بعد أن مدّت له روسيا حبال النجاة عام 2015.
وحين هرب بشّار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول (2024)، لاحت بارقة أمل بأن يجد هؤلاء في النصر دواءً شافياً، يجعلهم يصرفون طاقتهم في حل مشكلات البلد الذي نهبته عائلة الأسد 54 عاماً، وتركته مدمّراً، مقسّماً، ومكشوفاً أمام الاحتلال الإسرائيلي. ولكن طواحين الكلام الفارغ بقيت تدور ضدّ بشارة، في وقتٍ كان يجدر شكره على مواقفه المشّرفة تجاه الشعب السوري طوال أعوام الثورة.

ناصرَ بشارة، منذ العام 2011، ثورة السوريين، واتخذ موقفاً مسانداً لها في ظرف دقيق، ودافع عنها بلا قيد أو شرط، وعمل بلا كلل على مساعدة السوريين في تنظيم أنفسهم سياسياً، في فترةٍ كانت فيها الثورة تحتاج من يمثّلها، ويتحدّث باسمها، ويقدّمها إلى العالم ثورةَ حرّيةٍ وكرامة، لا حركةً إرهابية، كما حاول النظام وحلفاؤه تصويرها.
وتشهد الشخصيات السورية، التي تصدّرت الهيئات القيادية في الثورة، بمواقف الرجل في تلك المرحلة، وما قدّمه من دعم وتسهيلات في مجالات عديدة، منها فتح باب المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ليستقبل باحثين سوريين، ويواكب مجريات الثورة السورية بالدراسة والبحث والتوثيق، وكتب بشارة كتابه “سورية: درب الآلام نحو الحرية… محاولة في التاريخ الراهن” (2013) الذي يُعدّ من الأشمل والأعمق عن الثورة السورية، ومرجعاً في تأريخ العامَين الأوّلَين منها.
ما يمكنني أن أضيء عليه أكثر، من موقع معرفتي ببشارة، مواقفه في الميدان الإعلامي من خلال تجربتَين مهمّتَين، ساهمتُ في وضع حجر الأساس للأولى، وهي موقع وصحيفة العربي الجديد عام 2014، وعملتُ في الثانية، وتلفزيون سوريا في 2019 – 2020، وفي كلتيهما تولّيت رئاسة التحرير قرابة سبعة أعوام، إذ أتيح لي أن أتابع من كثب مدى حرصه على الثورة السورية، واهتمامه بتوفير الإمكانات من أجل بقاء جذوتها مشتعلة.
وبالإضافة إلى فتح المجال أمام عدّة مئات من المهنيين السوريين، ليعملوا في مؤسّسة فضاءات ميديا للإعلام التي أسّسها ويشرف على إدارتها، بقي منكبّاً على رسم سياسة تحريرية في صفّ الثورة السورية، ومواجهة الثورة المضادّة، والوقوف في وجه المحاولات التي وظّفت إمكاناتٍ هائلةً لوصم الثورة بالإرهاب، والتطبيع مع نظام بشّار الأسد. وقد كانت هذه المهمة على قدر كبير من الأهمية، بسبب تكثيف الجهود لإعادة تعويم النظام.
وبقدر ما أدّى ذلك دوره في مواجهة المسار الانحداري، فإنه حقّق نتائج تراكمية، برزت أهميتها لدى انطلاق عملية ردع العدوان في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، حين وقف تلفزيون سوريا والتلفزيون العربي وموقع وصحيفة العربي الجديد في صفّها، بينما نعتتها وسائل إعلام أخرى بالإرهابية، وشكّكت فيها.
وقد كان لذلك بالغ الأثر لدى السوريين، في الداخل والخارج، الذين بقي تلفزيون سوريا مصدرهم الوحيد للأخبار حتى سقوط النظام ودخول الفصائل دمشق. وهنا تبيّن صدق رهان بشارة على نجاح الثورة، وصواب قرار تأسيس هذا التلفزيون عام 2018 وسيلةَ إعلامٍ وفيّةً لخطّ الثورة، وحاملةً رسالتها السياسية.
يستحقّ عزمي بشارة منّا نحن السوريين أن نشكره بوصفه شريكاً في صناعة النصر الذي تحقّق بسقوط النظام، لا أن تواصل مجموعات من العاطلين عن التفكير، وأنصار الثورة المضادّة، الهجوم عليه، ومحاولة الانتقاص من دوره الذي تتأكّد كلّ يوم حاجةُ الشعب السوري إليه، لحرصه الدائم على تجاوز سورية الأزمات المتراكمة التي تواجهها اليوم.



الأكثر شعبية

عن اتحاد الكتّاب السوريين… الجديد


كيف يوقف الشرع إسقاط نظامه في سوريا؟
