fbpx

الناس نيوز

جريدة إلكترونية أسترالية مستقلة

رئيس التحرير - جوني عبو

Edit Content
Generic selectors
Exact matches only
Search in title
Search in content
Post Type Selectors
Filter by Categories
آراء
أخبار
أستراليا
إدارة وتكنولوجيا
إعلان
اقتصاد
اقتصاد أستراليا
اقتصاد عالمي
اقتصاد عربي
تقارير وتحقيقات
ثقافة وفنون
حكايا
خبر رئيس
رياضة
رياضة أستراليا
رياضة عالمية
رياضة عربية
سياحة وسفر
سياسة أسترالية
سياسة عالمية
سياسة عربية
صحة
صور
عدسة
فن الناس
في الوطن الجديد
فيديو
كاريكاتير
لايف ستايل
متفرقات
مجتمع
مجتمع الناس
موضه
Generic selectors
Exact matches only
Search in title
Search in content
Post Type Selectors
Filter by Categories
آراء
أخبار
أستراليا
إدارة وتكنولوجيا
إعلان
اقتصاد
اقتصاد أستراليا
اقتصاد عالمي
اقتصاد عربي
تقارير وتحقيقات
ثقافة وفنون
حكايا
خبر رئيس
رياضة
رياضة أستراليا
رياضة عالمية
رياضة عربية
سياحة وسفر
سياسة أسترالية
سياسة عالمية
سياسة عربية
صحة
صور
عدسة
فن الناس
في الوطن الجديد
فيديو
كاريكاتير
لايف ستايل
متفرقات
مجتمع
مجتمع الناس
موضه
Edit Content
Generic selectors
Exact matches only
Search in title
Search in content
Post Type Selectors
Filter by Categories
آراء
أخبار
أستراليا
إدارة وتكنولوجيا
إعلان
اقتصاد
اقتصاد أستراليا
اقتصاد عالمي
اقتصاد عربي
تقارير وتحقيقات
ثقافة وفنون
حكايا
خبر رئيس
رياضة
رياضة أستراليا
رياضة عالمية
رياضة عربية
سياحة وسفر
سياسة أسترالية
سياسة عالمية
سياسة عربية
صحة
صور
عدسة
فن الناس
في الوطن الجديد
فيديو
كاريكاتير
لايف ستايل
متفرقات
مجتمع
مجتمع الناس
موضه

جريدة إلكترونية أسترالية مستقلة

رئيس التحرير - جوني عبو

صالح كرامة العامري وآليّات الاغتراب في المدينة المعاصرة

 أحمد عزيز الحسين – الناس نيوز

بعد حياة حافلة بالعطاء الأدبيّ والمسرحيّ والسّينمائيّ بدأت منذ ثلاثة عقود ونيّفٍ، ولا تزال مستمرّة حتّى الآن، وبعد جوائز وشهادات تقدير تلقّاها إثر فوزه بمسابقات أدبيّة ومهرجانات مسرحيّة وسينمائيّة محليّة ودوليّة (1)، أصدر الأديب الإماراتيّ صالح كرامة العامري أعماله المسرحيّة الكاملة عن دار كنعان بدمشق في مجلّد يقع في حوالى ( 600 ) صفحة من القطع الكبير، ويضمّ مجمل النّصوص المسرحيّة التي كتبها بين عامي (1996) و( 1916)، ومن الملحوظ أنّ الثّيمة التي اشتغل عليها العامريّ، هي (ثيمة الغربة) أو (الاغتراب)، وفي ظنّي أنّه يمكن رصد هذه الثّيمة بوصفها المتن السّرديّ الأبرز الذي اشتغل عليه العامريّ في مجمل نصوصه السّابقة، وفي ما يلي متابعة لهذه الثّيمة كما تبدّت في تجربته:

1- الاقتلاع من المكان

تتناول مسرحيّة (عشّاق القمر) قضيّة الاقتلاع من المكان، والاغتراب عن الوطن، وتعيش شخصيّاتها في مكان انتقاليّ ومؤقّت يرشح بالرّحيل وعدم الاستقرار هو (المقهى)، ولذا لا تمكث فيه طويلا، بل تُقتَلع منه، وتُرمى في مهبّ الرّيح في إشارة دالّة إلى اغترابها عن واقعها. وهي تبكي حاضرها، وتندب ماضيها، وتحنّ إلى مستقبل صعب المنال، وتعيش حلماً صعب التّحقّق، وتكتفي بالتّهويم في واقعها، وتُبدي عجزاً عن فهمه وتغييره، ويتجلّى هذا واضحاً في هيمنة اللّغة الحُلميّة على منطوقها اللّغويّ، وفي شيوع اللّغة التّهويميّة الّتي تعكس اغترابَها عن واقعها، كما يتبدّى في هيمنة إيقاع رتيب على بناء المشهد الحواريّ الذي يعكس عجزَ الشّخصيّات عن تغيير واقعها، واستسلامَها للمصير الذي رُسِم لها.

2- التّهميش والوعي المُزيَّف

أمّا مسرحيّة ( السّدّادة ) فتطرح مسألة الاغتراب على نحو آخر؛ إذ تعيش الشّخصيّة هنا في مكان يرشح بتهميشها هو ( القبو )، ويُظهِر هذا المكان حالة القهر الّتي أجبِرت الشّخصيّة على أن تتقبّلها، ويغدو الخلاصُ منها حلماً تعيشه هذه الشّخصيّة، إلّا أنّ ذلك لا يتحقّق؛ إذ تبقى الشّخصيّة قابعةً في مكانها المُهمَّش، وعاجزةً عن تغيير واقعها، ومحكومٌ عليها بأن تعيش في أسفل السّلّم الاجتماعيّ إلى الأبد. ولعلّ بقاءها تراوح في مكانها ناتجٌ عن أنّها اتكأت على وعي مُزيَّف، وانتهجت لتغيير واقعها أسلوباً غير صحيح؛ إذ إنّ الاعتماد على المصادفة والحظّ لا يمكن أن يُساهِما في تغيير الواقع، ولابدّ من استيعابه استيعاباً جماليّاً مقروناً بالعمل الجادّ والخبرة المثمِرة وامتلاك الوسائل المناسبة لبناء ذات الفرد، والخلاص ممّا يعانيه.

3- التّسلط وغربة المدينة الاستهلاكيّة

أمّا في مسرحيّة (حرقص) فقد صوّر الكاتب الآثار السّلبيّة التي نتجت عن هيمنة حاكم مُتسلِّط على مدينة استهلاكيّة مجهولة الاسم، وما أفضى إليه ذلك من أضرار وكوارث أصابت الوطن كلّه لا المدينة وحدها، وكيف انقلب السّحر على السّاحر، وارتدَّ الشرُّ على أهله، وأدّى ذلك إلى تدمير الحاكم نفسه على يدي الجماعة المقموعة الّتي حكمها.

والمسرحيّة لا تُوضّح كيف استطاعت هذه الجماعة مُناهَضةَ الحاكم والتّغلُّب عليه بعد أن كانت عاجزة وضعيفة عن المواجهة، ولاسيَّما أنّ الحاكم كان يمتلك ما يؤهِّله للاستمرار في الهيمنة عليها وتطويعها لأهدافه؛ ولذلك بدا الحلُّ في نهاية المسرحيّة مُملىً على بنية النصّ لا مُنبثِقاً من آليّة الصّراع بين القوّتين المُتحارِبتين، إذ افتقرت الجماعة إلى القوّة والآليّة المناسبة للتّغلّب على الحاكم الذي كان يُمارِس عليها نوعاً من السّلطة القامعة فترة زمنيّة طويلة.

4- المفارقة و لعبة المراوغة والقناع

أمّا نصّ مسرحيّة ( حاول مرّة أخرى ) فينهض على تقنيّة المفارقة، ويعتمد على المخاتلة والمراوغة في بناء شكله الفنيّ، وتشكيل مستواه الدّلاليّ، ويتقصّد صاحبه تعمية المكان وتعويم الزّمان للتّفلّت من تحديد المرجع الذي يُوهِم به في خطابه المسرحيّ، ويحرص على جعل نصِّه قابلاً للنّمذجة والتّعميم والارتقاء فوق مظنّة الرّقيب الأخلاقيّ والاجتماعيّ.

والنصّ، كما قلنا، يخلو من محدِّدات سياقيّة لربط الثّيمة الاجتماعيّة الّتي يتناولها بمكان مُعيَّن؛ ولهذا بدت الشّخصيّات الّتي يتناولها أقنعة تخفّى الكاتب وراءها، وأدان من خلال هجائها الشّريحة الاجتماعيّة التي يُوهِم بها في خطابه الفنيّ، وإن كان قد تهرّب من تسميتها بصراحة ووضوح.

ومن الملاحَظ أنّ الكاتب قدّم رؤية تحليليّة ناضجة للظّاهرة الّتي يتناولها، فلم يُحمِّل مسؤوليّة التّحلّل الأخلاقيّ للرّجل وحده أو للمرأة وحدها، بل جعل المسؤوليّة مشترَكة بين الاثنين؛ فالبنية الاجتماعيّة المتعفِّنة التي يُحِيل إليها في خطابه المسرحيّ نَتاجُ اشتراك حامِلَين اجتماعيّين هما: المرأة والرّجل؛ وليست نتاجاً لفاعليّة أحدهما فقط؛ ولذلك نستطيع أن نزعم أنّه تجاوز الرّؤية المثاليّة التي وقع فيها كثير من الكتّاب، وفي مقدّمتهم نوال السّعداوي، حين حمّلوا مسؤوليّة التّحلُّل الأخلاقيّ في البنية البطركيّة للرّجل وحده بوصفه المهيمن الاقتصاديّ والاجتماعيّ في هذه البنية،، وجعلوا المرأة ضحيّته وحسب.

لقد جعل الكاتبُ نصَّه قابلاً لتعدُّد الاحتمالات والقراءات حين جعل خاتمته مفتوحةً، وأشرك القارئَ في إمكانيّة تأويله، وإن كان قد وشى في السّياق بهذه النّهاية حين جعل أصداء أصوات أقفال الزّنازين هي الّتي تصل إلى مسمع القارئ، وهو يتلقّى آخر جملة في النّصّ مرفقةً بانحسار الضّوء عن السّجينة ( بايا ) وهي تتكوّر على نفسها، وتستعدُّ لاستقبال ليلة باردة أخرى في زنزانتها الكئيبة المُوحِشة.

5- بنية التّوازي

تُقيم مسرحيّة ( حديث المساء ) نوعاً من التّوازي بين فضاءَين اجتماعيّين مُتغايِرين: فضاء الوطن وفضاء الغربة، وتتقصّى أثرهما في حياة شقيقين: بقي أوّلهما في الوطن، وواجَه ما فيه من حرب وفقر وجوع ومعاناة، في حين آثر الثّاني الهجرة إلى بلد أجنبيّ هرباً من الخوف والفقر والاستبداد، وعانى من الغربة والوحدة وصعوبة التّأقلم مع منفاه.

والمسرحيّة تصوِّر ما آل إليه حالُ الشّقيقين في الوطن والغربة معاً، وتؤكّد أنّ السّبيل الذي انتهجه كلاهما للخلاص كان خاطئاً، ولم يوفِّر لهما حياة آمنة ورغيدة؛ إذ بقي الاثنان يُواجِهان المعاناة في غربتهما، ويُجلَدان بسياط الفقر والوحشة، ويتألّمان من نمط الحياة الذي انتهَيَا إليه، ولم يُفلِح الخلاص الفرديّ في إنقاذهما من الحالة الّتي وصلا إليها، بل زاد من تهميشهما، وأوقعهما في شرَك الاستلاب الّذي لا منجاة منه إلّا بالعودة إلى الوطن، والمساهمة في تغيير بنيته، وتخليصه من طُغاته ومستغلِّيه، وناهِبي خيراته.

6- الرّؤية الذّكوريّة واغتراب المرأة

أمّا مسرحيّة ( الأوّل مكرّر ) فتدور حول رجل اسمه ( ساري ) يهوى السّفر والتّرحال، ويرشح اسمُه برغبته تلك؛ ولكنّه لا يستثمرها للارتقاء بذاته، أو لاكتشاف العالم من حوله، بل يوظِّفها لجنْيِ المتعة الحسيّة الصِّرف، وفي رأيه أنّ المرأة جنسٌ إنسانيٌّ منحطّ، وأداة لنيل المتعة لا أكثر، وليست شريكة مساوية للرّجل في الحياة؛ ولذا يرفض إقامة علاقة دائمة معها عن طريق الزّواج، ويتهرّب من مسؤوليّته تُجاهها، وينتهي به الأمر وحيداً في مدينة يكرهها، وحانة وضيعة يعيش فيها، ويعكف على شرب الخمر في قوقعته مُستعِيداً ما عاشه فيها من لهو ومتعة في رحلاته، وحين تقصده ابنته ( ريما ) بعد وفاة والدتها يتنصّل من أبوّته لها، ويتبرّأ من مسؤوليّته تُجاهَها، بل إنّه يحاول الاعتداء عليها جنسيّاً؛ فتتركه غيرَ نادمةٍ بعد أن تبيّن لها أنّه أصبح مُجرّداً من القيم والمثل الإنسانيّة العليا.

والملحوظ أنّ المكان في النّصّ (وهو الحانة) يرشح بالرّحيل وإمكانية الحصول على المتعة المؤقّتة المُترافِقة مع غياب الوعي، ويدلّ في الوقت نفسه على الأزمة التي يعاني منها (ساري) في عزوفه عن الآخرين، وانغلاقه على ذاته، وتهويمه فوق الواقع بشكل دائم، وهو يُرجِع ذلك إلى طبيعة المدينة نفسها.

وأغلب الوصف المذكور في النّصّ يرتكز على التّقرير والمباشرة لا على التّلميح، ولا ينبثق المعنى من الوصف المُصرَّح به في ثنايا الخطاب المسرحيّ، ولا ينبثُّ فيه، أو يذوب في نسيجه بل يُملى عليه بشكل تقريريّ؛ فيغدو عندئذ سابقًا له بدلاً من أن يكون تتويجاً لعلاقة الشّخصيّة بالحيّز المكانيّ الّذي تتحرّك فيه وتتفاعل معه؛ وهذا ما أوقع الكاتب في فخّ المباشرة؛ لأنّ تصريح الكاتب بصفات مدينته التّخييليّة في سياق النّصّ ورَدَ على ألسنة شّخصيّاته بدلا من أن يكون نتاجَ تضافر المبنى السّرديّ في كلٍّ فنيٍّ موحَّد. وينطبق الأمر نفسه على بناء شخصيّة (ساري )؛ إذ لم يكتف الكاتب بتعريفنا إليه من خلال تفاعُله مع الشّخصيّات والأحداث، بل أباح لنفسه أن يُصرِّح بصفاته على لسان ابنته ( ريما )، وهذا ما جعل الصّفات المُصرَّح بها في المشهد الحواريّ تفصيلا نافلًا لا يخدم بنية النصّ، بل يُشكّل حشواً وفضلة لا غير.

7- العامل الخارجيّ والاغتراب

أمّا مسرحيّة ( عيناها ) فتتناول قضيّة اغتراب الإنسان في المدينة المعاصرة، وتتعمّد إغفال المدينة التّخييليّة من الاسم كي تجعلها فضاء مكانيّاً يصلح لتنميط هذه المدينة، وهي تُحِيل سبب الاغتراب إلى وجود (عامل خارجيّ ) دون أن توضحّ طبيعته، أو تكشف عن ماهيّته، ولاشكَّ في أنّ إحالة الاغتراب إلى (عامل خارجيّ ) يُبرِّئ القوى المهيمنة في داخل المدينة المعاصرة من المسؤوليّة عن ذلك، ويُحِيل السّبب إلى عامل بدَا في المسرحيّة أشبهَ بشرٍّ مطلق، ولم يتّخذ هيئة ماديّة محسوسة يمكن أن تساعد الرّاغبين في التّصدّي له، أو تُتِيح لهم هزيمته ماداموا يُواجِهون قوّة اجتماعيّة يصعب رؤيتها، أو التّعرُّف إلى جوانب ضعفها وقوّتها تمهيداً للقيام بمواجهتها في مكان وزمان معلومَين.

8- الحلّ السحريّ

وأمّا مسرحيّة ( مزيد من الكلام ) فتتحدّث عن مدينة تعاني كذلك من الغربة والخوف والقحط، ويحاصرها الجدْبُ والجوع من كلّ جانب، ويتفاوت سكّانُها في البحث عن حلّ لمعاناتها، ولقد كان من الصعوبة بمكان العثورُ على حلّ علميّ داخل المدينة نفسها كما يُستنبط من المتن السّرديّ، لذلك بدا من الطّبيعيّ أن يلجأ سكّانُها إلى قوّة مفارقة للكون لتحقيق ذلك، وقد هبط الحلّ فجأة من السّماء على شكل (مطر مدرار) من دون إرهاصات تُمهِّد له، أو مقدِّمات تساعد على استنباته من الواقع نفسه، لذلك بدا هذا المطر ( حلًّا سحرياً ) لمشكلة موضوعيّة لا يمكن أن تُحَلّ بالسّهولة نفسها كما طرحها النّصّ.

ومع ذلك يمكن القول: إنّ افتقار المدينة إلى الشّروط الموضوعيّة التي تسمح باستنبات حلّ علميّ وجذريّ من داخلها، هو الذي أفضى بالكاتب إلى الاستعانة بقوّة (غير بشريّة ) لتحقيقه، ذلك أن غياب هذه الشّروط من المرجع النّصيّ الذي يُوهم به المتن جعل من الصّعوبة بمكان الاستعانة بـ ( قوّة اجتماعيّة داخليّة ) لتنهض بعبء التّغيير من الدّاخل، وجعل إمكانيّة مدّ اليدين إلى السّماء لاستلاف ( حلّ مُصطنَع ) أمراً ممكناً في ظل هيمنة الجدْب والفقر المعرفيّ والرّوحيّ على فضاء المدينة نفسه.

9- المدينة بين المطرقة والسّندان

أمّا في مسرحيّة ( سراب ) فترزح المدينة التّخييليّة تحت وطأة سلطة فاسدة تمثّلها قوّة داخليّة هي العمدة (مانجيس وبطانته)، ويتحالف العمدة مع قوّة خارجيّة يُبيح لها استثمار أموالها بحريّة في مدينته، على أن تُسانِده في مواجهة شعبه، وتوفّر له الحماية والاستمرار، ويُفضي التّحالف الدّيماغوجيّ بين القوّتين المُتحالِفتين إلى وقوع المدينة بين (مطرقة السّلطة المحليّة الحاكمة) و(سندان القوّة الخارجيّة) التي تُمسِك بخنّاق المدينة، وتجثم على صدرها، وتؤدّي إلى نشر الفقر والجوع والخوف والفساد بين سكّانها، وتُحوِّلها إلى سوق استهلاكيّ وماخور لا أكثر؛ وعندئذ تقوم مجموعة متنوِّرة من شباب المدينة بمواجهة العمدة ومُناصِريه ( يمثّلهم في المسرحيّة كريم)، وتُحاوِل إقصاءهم عن حكم المدينة بحدّ السّيف، وتنتهي المسرحيّة بموقف دراميّ لافِت يؤكّد أنّ الصّراع في المدينة بقي مستمرّاً بين القوّتين المتحاربتين، ولكنّه تبدّل إلى صراع داخليٍّ بدلا من أن يبقى خارجيّاً؛ وتحوَّل الشّعبُ فيه إلى مُهيمِن على مقاليد الأمور بعد أن أمسك بالدّفّة، وحاول توجيهَها لصالحه.

والملحوظ أنّ الكاتب نسج دلالته في بنية النّصّ مُمتطياً كعادته صهوة التّقيّة الأدبيّة؛ فأغفل اسم المكان وعوّم الزمان ليتهرّب من ربط الأحداث بسياق مكانيّ وزمانيّ محدّد، ولم يُسمِّ القوّة الخارجيّة أو يحدّد جغرافيّتها أو أيديولجيّتها، وإنْ كان قد ذكر بعضاً من خصائصها وآليّة ارتباطها بالسّلطة الحاكمة، وهذا ما أفضى به إلى الاعتماد على لغة رمزيّة تحتمل أكثر من دلالة في الوقت نفسه بدءاّ بتسمية الشّخصيّات الرّئيسة وأطراف الصّراع، مروراً بتعمية المكان وتعويم الزّمان الذي أتاح له تشكيل دلالته مع إمكانيّة تعميمِها وسحبِها لتشمل أكثر من مدينة عربيّة أو عالميّة في الوقت نفسه.

10- المدينة فضاءً قامعاً

أمّا في مسرحيّة ( هواء بحريّ ) فقد أدان الكاتب تحوُّل المدينة إلى فضاء للقمع ومصادرة الحريّات بعد أن كانت رمزاً للانفتاح والحريّة والتّحضّر والتّقدُّم، مُبيِّناً أنّ هذا التّحوّل حصل بسبب هيمنة (قوّة خارجيّة) على مقدِّرات الحياة فيها يسمّيها ( الغرباء ) أيضاً، ويؤكّد أنّها سيطرت على المدينة في مرحلة تاريخيّة مُحدَّدة من تاريخها، وحملت إليها الخوف والجوع والرُّعب، ونشرت فيها القيم الاستهلاكيّة، ولم يعارضها أحدٌ من سكّانها، بل إنّهم انصاعوا لما تريد، وساعدوها على نشر قيمها ومثلها العليا بدافع الخوف أو الانتهازيّة.

ولاشكَّ في أنّ تحميل مسؤوليّة ما جرى في المدينة المعاصرة لقوّة خارجيّة يُعمّي على الأسباب الحقيقيّة التي ساهمت في إيصال المدينة إلى ما انتهتْ إليه، ذلك أنّ المدينة ظهرت كنتاج لتطوّر حضاريّ عبر التّاريخ، وحملت معها مشروعاً يُفضِي إلى تحقيق الرّخاء لسكّانها عموماً، ولكنّها مالبثت أن تراجعت عنه حين هيمنت عليها قوّة اجتماعيّة مُستِغلّة، واستثمرت كلّ خيراتها لمصلحتها الخاصّة، ممّا استدعى الثّورة عليها من الشّرائح المتضرِّرة، وهو ما تناوله الكاتب في مسرحيّته ( سيادة المخلّص) التي تحدّث فيها عن تمرُّد المدينة على طُغاتها ومُستغلِّيها، وكيف قرّرت مواجهة هؤلاء الطُّغاة والنّزول إلى الشّارع لمحاسبتهم، والحصول على حقوقها المُستلبَة، بعد أن عانت كثيراً من تحكُّمهم بمقاليد الأمور فيها.

11- المدينة تتمرّد على طُغاتها

وتكشف مسرحيّة ( سيادة المخلّص ) عن وجود شريحتين في مجتمع المدينة المُتخيَّل: شريحة أفادت من التّسلّط على الحكم، ومن النّهب والفساد وقمع الحريّات وتجاوز القانون، واستثمرته لمراكمة الأموال في خزائنها، وشريحة عاشت مُهمَّشة في أطراف المدينة، ولم يُتَحْ لها أن تحصل على ما يقوم بأوَدها؛ ولذلك خرجت إلى الشّارع في مظاهرات واحتجاجات حاشدة مطالبةً بحقّها في الحريّة والكرامة ولقمة العيش، ودفعت ثمناً باهظاً لقاء ذلك.

وتتلامح في النصَّ أصداء الثّورات الاجتماعيّة التي قامت في الأقطار العربيّة التي اصطُلِح على تسميتها بـ ( بلدان الرّبيع العربيّ )، وهي البلدان التي خرجت فيها جموعُ النّاس إلى الشّارع مطالبةً بحقوقها المُستلَبة في الحياة، وأفلح بعضها في تحقيق ما يريده إلى حدٍّ كبير، في حين أنَّ بعضها لا يزال يسعى لتحقيق ذلك حتّى الآن.

12- تركيب

ممّا سبق كلّه نخلص إلى أنّ الكاتب لاحق في نصوصه كلِّها هاجساً يكاد يكون واحداً، وقاربه من زوايا مختلفة، وأفلح في وضع اليد على مكمن الدّاء وموضع الجرح من خلال تسليط الضّوء عليه، وإن كان قد تهرّب من تسمية المكان الذي يُوهِم به بدقّة، وتعمّد الابتعاد عن نثر موتيفات حكائيّة تُحِيل إليه إلّا في مسرحيّته الأخيرة ( سيادة المخلِّص )؛ ولذلك يمكن الزّعم بأنّ نصوصه لا تصوِّر اغتراب الإنسان في مكان محدّد بقدر ما تشير إلى اغتراب الإنسان في كلّ مكان، ولذلك تستقي نصوصُه أهميّتها من قدرتها على التّنميط والنّمذجة وتمثيل واقع الإنسان المغترب في المدينة المعاصرة بشكل عامّ، والمدينة الاستهلاكيّة العربيّة بشكل خاصّ.

 

هامش :

(1) الجائزة الأولى في مسابقة القصّة القصيرة لجامعة الإمارات في العين عام 1987، وجائزة لجنة التّحكيم لـ(أفلام من الإمارات) عن فيلمه الرّوائي الطّويل (ما تبقّى) عام 2004، والجائزة الذّهبيّة في الدّورة 55 لـ (مهرجان سيباستيان الإسبانيّ الدّوليّ ) عن سيناريو فيلم ( عربة الرّوح ) للمخرج الإنجليزي كونراد كلارك عام 2007، وجائزة أفضل فيلم قصير في مهرجان الدّار البيضاء الدّوليّ في العام 2007، وجائزة مهرجان الشّرق الأوسط الدّوليّ عن فيلمه الرّوائيّ الطّويل ( حِنّة ) عام 2008، فضلا عن فوزه بجائزة أفضل كاتب مسرحيّ عربيّ عن مسرحيّة (حاول مرّةً أخرى) في مهرجان المسرح العربيّ في القاهرة في عام 2007، وجائزة التّأليف الكبرى عن نصّ المسرحيّة نفسها في الكويت في عام 2014، وفوزه أربع مرّات بجائزة التأليف المسرحيّ التي نظّمتها دائرة الثقافة والإعلام في الشّارقة كان آخرها عن مسرحيّته (الأوّل مكرَّر)، ونيله شهادات تقدير من هيئات حكوميّة وخاصّة في مقدّمتها : مؤسّسة سلطان علي العويس في دبي عن مسرحّيته (سراب) ودائرة الثّقافة والإعلام في الشّارقة، ونادي تراث الإمارات في أبوظبي، واتّحاد كتّاب وأدباء الإمارات وغيرها.

 

ناقد سوري

المنشورات ذات الصلة