علي صقر – الناس نيوز ::
دأب الإنسان في كل وقت وزمان على الإتيان بفن، يصف الأهوال التي تحيق به. ومنها قصص وروايات الخيال العلمي والتي تنبأ بعضها بحدوث الأمراض المعدية والفتاكة، والبعض من قصص الخيال العلمي والتي تنبأت بحدوث الزلازل، وبوجود عالم سفلي، والبعض تحدث عن الحياة في العالم الفوقي. وبالعودة إلى أدب الخيال العلمي وتنبؤاته، لا بد من القول إنه ربما يعود تاريخ الخيال العلمي إلى لوقيا نوس السميساطي السوري وبلدة سميساط، كانت مدينة العلم والفلسفة والأدب، ومقصداً لطلاّب العلم قبل وبعد الميلاد.

ولوقيان أو لوقيانوس من أهمّ الفلاسفة والقانونيين في القرن الثاني الميلادي، والذي يسمى في الغرب (لوسيان دوسميساد)، وقد كتب حواراته وأفكاره وخيالاته المجنحة على أسس قريبة من الخيال العلمي الآن، وأرسل أبطاله إلى القمر وجابوا المحيطات والأراضي البعيدة. هو الرائد الحقيقي لأدب الخيال العلمي في العالم باعتراف الغرب.
فمن مسرحية “أوديب ملكاً” التي كتبها “سوفوكليس” بين عامي: 430 و426 قبل الميلاد، تحوي اثنين من أعظم الأهوال: قتل الأب، وسفاح القربى، الذي أثار غضب الآلهة التي أرسلت “الطاعون” إلى مدينة “طيبة”، إلى قصص “ديكاميرون” لـ “جيوفاني بوكاتشيو” 1353 الكاتب الإيطالي الذي كتب سلسلة قصص تبلغ مائة قصة، عبر حلقات متسلسلة تدور حول الإغواء ونساء شهيرات بعد “طاعون 1348”.
وفي العصر الحديث نجد “الطاعون القرمزي” لجاك لندن 1912، وهي قصة مستقبلية لما بعد نهاية العالم، عندما يتبقى رجل واحد فقط بصحبة مُهر وكلبين، بعد طاعون قضى على جميع من حوله، إضافة إلى عدد قليل من البشر يحاولون إنشاء مجتمعهم الخاص، دون ماضٍ ولا ذكريات. وبهذا المجال يرى الدكتور مليكة المصري المقيم في أمريكا من أن رواية “الطاعون” لألبير كامو 1947، وهي سجل للحياة اليومية في “وهران”، المدينة الجزائرية، بينما يتفشى وباء الطاعون فيها.

وبمصر تذكرنا بـ “حرافيش” نجيب محفوظ التي كتبها عام 1977 والتي يقول فيها في الفصل 31 من حكاية عاشور الناجي: “تفاقم الأمر واستفحل. دبت في ممر القرافة حياة جديدة.. يسير فيه النعش وراء النعش. يكتظ بالمشيعين. وأحياناً تتابع النعوش كالطابور.
في كل بيت نواح. بين ساعة وأخرى يعلن عن ميت جديد. لا يفرق هذا الموت الكاسح بين غني وفقير، قوي وضعيف، امرأة ورجل، عجوز وطفل، إنه يطارد الخلق بهراوة الفناء.
وترامت أخبار مماثلة من الحارات المجاورة فاستحكم الحصار. ولهجت أصوات معوجة بالأوراد والأدعية ولاستغاثة بأولياء الله الصالحين.” ثم لا يمكن أن تفوتنا رواية “البلاء” لستيفن كينج 1978 إذ يتخيل “كينج” انتشار مرض الطاعون نتيجة تسربه من مختبر للجيش الأميركي، بنسبة إصابة تقارب 100%، يتبقى عدد قليل من الأفراد على قيد الحياة، يسعون للانضمام إلى الأم “أبيغيل”، وهي امرأة سوداء تبلغ من العمر 108 سنوات، ويعتمدون عليها في خلاصهم.

وأخيراً “الحب في زمن الكوليرا” لغابرييل غارثيا ماركيز 1985 إذ تقع أحداثها في نهاية القرن التاسع عشر، في بلدة كاريبية صغيرة، حيث يقع عامل تلغراف شاب في غرام تلميذة جميلة، ويقسمان على الزواج والحب الأبدي، لكن كما في العادة، تزوجت “فيرمينا” من طبيب شاب يعمل على مكافحة وباء الكوليرا، فيتحول “فلورنتينو” إلى عاشق أزلي، مكافحاً لأن يصنع لنفسه اسماً وثروة، متمسكاً بحبه في الخفاء، ينمو عشق “فلورنتينو” بداخله باهتزازات تشبه اهتزازات المرض، فيغزو الحب جسده كالجرثومة، يفشل في استخراجها من جسمه، فتصير الكوليرا رمزاً لمشاعر الحب التي تجتاح روحاً مضطربة لشاب عاشق.
وهناك رواية الوباء للسوري الراحل هاني الراهب والتي تسرد انتشار وباء القمع بين الأهل وهذا جانب أشد فتكاً من وباء الأوبئة… مشهد من الرواية… ….. كانت أملاك آل السنديان على مد الرؤية، والجميع استظل بهم في ذلك الزمن قدمت إلى “الشير”جماعة مجهولة رافقتهم عنزة يشربون حليبها وسماهم القرويين “بيت العنز” ذات يوم أقام آل العنز وليمة لشيخ السنديان وذبحوا أبناءه على فخذه، في ليلة الدم تلك سقطت النون من اسم الجماعة وأصبح لقبهم: “بيت العز.
لنحكي قليلاً عن مرض الجذام
وما رافقه من روايات أسست له وقبلة كرواية الجذام لكاتب مجهول ورغم بحثي عنه ….
تحكي الرواية والتي يقال إنها صورت فيلم عن بطله المصاب بالجذام ويضعون حول قدميه جرس كي ينبه المارة من أنه مصاب بالجذام المعدي وهكذا يهربون منه إلا صبية جميلة لم تخف منه ولا من جرسه، تقترب منه وتعانقه، وهنا يشفى من مرضة … .

وهنا دعوني انتقل زمنياً لعام 2021 لحالة كتبتها صديقتي السورية المقيمة في أمريكا الدكتورة لانا الترك على صفحتها على فيس بوك عن القبلة ودورها في الشفاء.
“فجأة أتانا صوت من الخلف يقول:
عطيني بوسة! تجاهلناه كلانا لكنه تابع: بوسة، بس بوسة!
ظننته شاباً يغازل فتاته لكني عندما نظرت إليه بطرف عيني وجدته شاباً صغيراً في مقتبل العمر يسير وحيداً…
أكمل: الله يخليكِ، هنا تأكدت بأنه لا يقصد صديقي بطلبه
انتابتني دغدغة خفيفة أما صديقي فكان شعوره مختلفاً حيث خاطبه بصوت عال: اذهب من هنا!
لم يثنه ذلك عن إعادة المحاولة…كان من الواضح أنه لا يمتلك ما نسميه بالقوى العقلية الكاملة …. باللغة العربية القديمة كان متخلفاً عقلياً وبالتعبير الإنكليزي الحديث: Mentally Challenged
تحول شعور المرح عندي إلى شفقة ورغبة بتحقيق طلبه فقلت:
ما المشكلة في قبلة تسعده وتبعده؟
لا أنسى نظرة عينيه بعد أن طبع قبلة عليه… رغم أنها لم تستمر سوى ثوان لأنه بعدها أطلق ساقيه للريح واختفى عن العيان”.

ومع انتقال عدوى مرض الجذام لمصر الملكية سنة 1933 في محافظة القليوبية وتحديداً في منطقة الخانكة تبرع الملك فاروق بمساحة أرض 12 ألف فدان ليتم بناؤها كملجأ ومأوى للأشخاص المصابين بمرض هانسن أو المعروفين بمرضى الجذام، والمنطقة معروفة باسم المستعمرة ويعيش فيها مئات من مرضى هانسن سواء المتعافين منهم أو الذين ما زالوا مصابين.. وفي ظل التهميش وانعدام الرعاية الصحية التي يعانى منها قرر مخرج مصري شاب أن يسلط الضوء عليهم من خلال فيلم أظن هو الأول من نوعه الذي يناقش ويحاكي مرضى الجذام “يوم الدين”، فيلم مصري من إخراج أبو بكر شوقي، وهذا يعتبر أول فيلم روائي طويل للمخرج..
الفيلم يتبع قصة حياة البطل “بشاي” وخروجه من المستعمرة لأول مرة في حياته في رحلته للبحث عن أسرته في محافظة قنا في صعيد مصر…
وأثناء الرحلة يقابل أشخاص كتير وبتعرض لمواقف أكتر يظهر لنا من خلالها المخرج نظرة المجتمع المصري لمريض الجذام وكيفية تعاملهم معه.
في حين نجد الأنظمة العسكرية والتي تفشت بالستينات كالطاعون في الشرق الأوسط ومع انتشار أمراض السل السريعة الانتشار، كانوا يعاقبون معارضيهم ووقت انتهاء سجنهم بأن يرسل لهم مساجين مصابين بالسل ويبصقون في وجوههم كي يتم نقل العدوى لهم ويموتون وهم خارج السجن.
وطبعاً لا ننسى مرض الطاعون وكان منشأه كنيسة القرون الوسطى، يوم أقامت فتوى بقتل القطط ووقتها ببرهة تم انتشار الجرذان وعم الوباء وسمي الطاعون.
نعم للتوازن البيئي ولا لفتل الكائنات الحية
يحكى أن مقاطعة بفرنسا تم إخفاء الفئران فيها، فما كان من الباحثين البيئيين إلا أن استحضروا فئران من منطقة مشابهة ليتم التوازن البيئي.

يقول الروائي الفرنسي جول غابرييل فيرن والذي كان لدى رؤية تنبؤيه تقريباً حول التقدم التكنولوجي وعكسها في قصصه الرائعة التي تضمن فيها غواصات، المركبات الفضائية والمروحيات وغيرها “إن العلم مبني على الأخطاء إلا أنها أخطاء مفيدة تقود شيئاً فشيئاً إلى الحقيقة…!”.